قدمت الدكتورة رشا سيروب ضمن محاضرة لها بعنوان «أزمة هوية الاقتصاد السوري.. مقاربات ورؤى» توصيفاً للنظام الاقتصادي في سورية، أنه منذ صدور الدستور الجديد في عام 2012 أُلغيت هوية الاقتصاد السوري، حيث كان النظام الاقتصادي في سورية نظاماً اشتراكياً بدخول عام 1973، ولكن بعد ذلك ألغيت هذه الهوية وبدأ الحديث عن ماهية الهوية التي يجب أن يقوم عليها اقتصاد سورية.
وبيّنت سيروب في تصريح لصحيفة "الوطن" المحلية أنه عندما يتم التحدث عن الهوية الاقتصادية لسورية فالمقصود ما النظام الاقتصادي الذي يمكن أن تطبقه الدولة بمعنى هل سنتجه نحو سياسات ليبرالية لاقتصاد سوق حرة باعتبار أننا نتحدث عن اقتصاد رأسمالي، أم إننا سنتجه نحو سياسات اشتراكية موجهة مركزياً، لافتة إلى أنه في كل دول العالم لم يعد هناك ما يسمى اقتصاد اشتراكي صرف أو نظام رأسمالي صرف، حيث تم الاتجاه إلى الاقتصاد المختلط الذي يجمع مزايا ما بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي.
وأضافت: «وبالحديث عن سورية، ووفق المؤشرات التي تم عرضها لم يعتمد على أي نوع من أنواع الاقتصاد، فقد كان هناك فوضى بالنظام الاقتصادي وذلك في ما قبل 2012 وما بعدها، وحتى عندما يقال بالدستور إن الهوية الاقتصادية في عام 1973 هي نظام اشتراكي ولكن على أرض الواقع لم تكن الهوية كذلك، فقد كانت كل القوانين تدعم القطاع الخاص وبالتالي تدعم النظام الرأسمالي، وفي عام 2005 تم تبني اقتصاد السوق الاجتماعي وهو أحد أنواع الاقتصاد الرأسمالي وبالتالي كان هناك تضارب في الهوية خلال فترة ما قبل 2012 وضياع في الهوية ما بعد 2012»، لافتة إلى أن دستور 2012 شكّل وثيقة اقتصادية واضحة، حدد فيها هوية الاقتصاد السوري بأنه اقتصاد حر.
ومن سياق أخر، بيّنت سيروب أن نسبة الإنفاق الاستهلاكي إلى الناتج المحلي في سورية يتجاوز 100% وبالتالي فإن معظم الدخل الذي تحققه سورية ينفق على الاستهلاك وليس على الاستثمار، وهذا دليل على أن الاستهلاك أكبر من الإنتاج وأحد مؤشرات الاقتصادات الرأسمالية لأنها اقتصادات مستهلِكة، ولكن في سورية فإن الاقتصاد مستهلِك وغير منتج في الوقت نفسه، وليس هناك توجه واضح لدى الدولة إلى اقتصاد تنموي إنما تتجه إلى اقتصاد استهلاكي بما أنها لم تعد داعمة لعملية الادخار.
وفيما يخص الإنفاق الاستثماري الحكومي إلى مجمل التكوين الرأسمالي الثابت، اعتبرت سيروب أنه يتراجع وينخفض وهذا دليل على انسحاب الدولة من الشأن الاقتصادي وبالتالي فهي تبنت فعلياً اقتصاد السوق الحر، مشيرة إلى أنها قامت بمقاربة الإنفاق الحكومي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في سورية مع عدة دول أخرى مختلفة بأنظمتها الاقتصادية كبريطانيا وأميركا والصين والنرويج ومصر، وتم التوصل إلى أن الإنفاق الحكومي في كل هذه الدول أعلى منه في سورية.
وتابعت أن ذلك يعد دلالة ضرورة أن تتدخل الحكومات بنسب مقبولة نسبياً لتدعم الاقتصاد والفئات الأكثر هشاشة وفقراً من خلال نفقات اجتماعية كالصحة والتعليم وغير ذلك، وهذا غير موجود في الدول النامية في الوقت الذي ما زالت فيه الدول المتقدمة تسهم في النشاط الاقتصادي، معتبرة أنه حتى تتحقق التنمية في سورية لا بد من التدخل الحكومي في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
فيما اعتبرت سيروب أن نسبة العبء الضريبي في سورية من أدنى المستويات، ونسب الإيرادات الضريبية بحدودها الدنيا إما بسبب انخفاض المعدلات الضريبية مقارنة ببقية الدول أو بسبب انخفاض التحصيل الضريبي، على عكس الدول الرأسمالية الفعلية، وهذا الأمر يشكل عائقاً أمام الحكومة السورية لتساهم بترميم الفجوة التي لم يستطع القطاع الخاص الدخول إليها، وهذا يعد أيضاً أحد أسباب عدم مقدرة الحكومة على زيادة إنفاقها وانخفاض إيراداتها الضريبية.
واعتبرت سيروب أن الأنسب للاقتصاد السوري بعد 11 عاماً من الحرب في ظل شح الموارد والخسائر للموارد الطبيعية في الوقت الراهن، أن يتم الاتجاه نحو اقتصاد رأسمالي موجه من الدولة أي يجب أن تكون الدولة هي العامل المؤثر الأساسي في الأنشطة الاقتصادية ليست كمتدخل وإنما موجّه يحدد ما المشروعات الواجب تنفيذها من القطاع الخاص ومن هم المستهدفون.