كانت الحكومة السورية قد وعدت على لسان أكثر من مسؤول رفيع المستوى فيها بأن يتم «التوجه شرقاً» بالاقتصاد السوري بعد أن أوقفت كل الشركات الغربية نشاطها في الأراضي السورية بموجب عقوبات تبنتها الدول الأوروبية ضد سورية.
القيادة السورية لم تر في الأمر كارثة بل فرصة لتوجيه دفة الاقتصاد شرقاً وفتح الأبواب أمام الأصدقاء، الروس بالدرجة الأولى.
ووعدت بأن تمنح الأولوية للشركات الروسية كي تقوم بتنفيذ أكبر عدد من المشاريع في سورية، كجزء من مجمل سياسة «التوجه شرقاً» لمعرفة واقع العلاقات الاقتصادية الروسية-السورية، ومستوى التبادل التجاري بين البلدين في ظل الأزمة
توجهت «الوطن» إلى مدير القسم الاقتصادي في السفارة الروسية السيد ميخائيل ميدفيديف، الذي حرص خلال حديثه على عرض صورة واضحة تماماً لواقع هذه العلاقات بين البلدين.
استهل السيد ميخائيل ميدفيديف حديثه بإلقاء الضوء على ميزان التبادل التجاري للعام 2011، وقال: «لو تابعنا ديناميكية التبادل التجاري للعام 2011، فيجب علينا أن نؤكد بأنه وعلى الرغم من الوضع الصعب في سورية نتيجة العقوبات الاقتصادية والمالية، فقد بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين روسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية قرابة ملياري دولار وهذا مؤشر من أفضل المؤشرات في تاريخ التبادل التجاري بين بلدينا وهو قريب من مؤشر عام 2008. لكن للأسف فإن نمو حجم التبادل التجاري بين بلدينا سُجل بشكل رئيسي في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، وتمنينا أن يستمر النمو، إلا أن ديناميكية الربع الأخير من العام أظهرت تراجعاً ملحوظاً مقارنة بما تم تحقيقه في المرحلة السابقة من العام.
هنا ظهرت تأثيرات تلك العقوبات الاقتصادية التي أعلنتها دول غربية وخليجية وحلفاؤها ضد سورية، وذلك نظراً لظهور صعوبات في نقل المنتجات، وصعوبات في تصدير المعدات والتقنيات المعقدة لأن معداتنا وتقنياتنا المعقدة غالباً ما يكون فيها بعض القطع أو الأجزاء والتقنيات من صناعة شركات في الدول التي أعلنت عقوبات ضد سورية. مثلاً قد تكون 10% من القطع المستخدمة في تصنيع معدات ثقيلة ما من صنع أميركي، في هذه الحال لا يملك المنتج حق تصدير معداته إلى سورية بسبب العقوبات. وهذه عقوبات قديمة وتؤثر سلباً علاقاتنا التجارية مع سورية».
وحول المشاكل التي تعترض درب توسيع التعاون التجاري بين البلدين في المرحلة الحالية أشار السيد ميدفيديف إلى أن «هناك مشاكل جدية جداً في ما يتعلق بالحوالات المالية، التحويل إلى سورية ومنها يواجه صعوبات جدية بسبب العقوبات. حيث نواجه صعوبة في تحويل الأموال إلى سورية لتسديد ما علينا من التزامات، كما يواجه الجانب السوري ذات المشكلة». وقد ظن البعض أن إضافة الروبل الروسي إلى سلة العملات السورية قد يقدم حلاً لهذه المشكلة، إلا أن الأمر معقد أكثر مما توقع البعض.
ويرى ميخائيل ميدفيديف أنه «بالنسبة لإضافة الروبل إلى سلة العملات الصعبة في سورية فإن تأثير هذه الخطوة في تسهيل التعامل المالي بين البلدين يشكل نصف الطريق نحو الحل. بلغ حجم صادراتنا إلى سورية في عام 2011 قرابة 2 مليار دولار، وفي العام الفائت الذي نشير إلى أنه كان عاماً موفقاً للسوريين، بلغت قيمة الصادرات السورية إلى روسيا، حسب المعطيات الإحصائية لدى الجانب الروسي، 48 مليون دولار. والآن السؤال من أين سيأتي البنك السوري بروبلات لتغطية قرابة 2 مليار دولار؟ إذا يجب تسديد هذه المبالغ، بطريقة ما.
هنا لا بد من العلم بأنه يجري العمل على حل كل هذه المشاكل، مشكلة النقل والحوالات المالية وغيرها من مشاكل ومسائل تنظيمية على صلة بالعقوبات الاقتصادية والمالية، نعمل على حلها كلها حالياً بالتعاون مع الزملاء السوريين نبحث عن طرق لحل هذه المشاكل، أي بعبارة أخرى نبحث عن سبل استمرار التعاون التجاري الاقتصادي بين البلدين ضمن الظروف الحالية».
وبينما تعمل الجهات المعنية في البلدين لتذليل كل العقبات على درب توسيع التعاون بينهما، وفق تأكيدات السيد ميدفيديف فإن «القيادة السورية تتخذ وبنشاط كل التدابير اللازمة لإعادة توجيه الجزء الرئيس من التعاون التجاري الاقتصادي باتجاه روسيا والدول الصديقة الأخرى»، تنفيذاً للوعود التي أطلقها أكثر من مسؤول سوري، والكلام ما زال للمسوؤل في السفارة الروسية الذي أضاف: «نحن نعلم ورأينا وثائق تؤكد بأن أكبر الوزارات قد أعدت قوائم كبيرة بتلك المشاريع التي يرغبون في منحها للشركات الروسية كي تقوم بتنفيذها، وقد تم إرسال هذه العروض إلى الجانب الروسي.
هذه العروض تشمل الصناعة النفطية والطاقة، وجزءاً كبيراً من الزراعة، والنقل. بشكل عام يصعب تذكر مجال في الاقتصاد لا تشمله العروض المقدمة. على سبيل المثال كان هنا منذ أسبوع ممثلون عن شركتين الأولى واحدة من أضخم الشركات في تصنيع معدات معامل الدقيق، والثانية شركة سيبيرية عملاقة في مجال الطاقة والكهرباء، وقد أجرت الشركتان محادثات في دمشق حول مشاريع محددة، لم يكن مجرد لقاء للحديث، بل للبحث في مشاريع محددة. الجانب السوري يأمل في أن يتم تمويل بعض هذه المشاريع برؤوس أموال الشركات الروسية، وهذا احتمال ينظر الجانب الروسي فيه».
ولخص ميدفيديف كلامه بالقول: «أي أنه بعد الإعلان السياسي عن إعادة توجيه سورية لتعاونها الاقتصادي نحو الشرق فإن الجهات الحكومة المعنية قد باشرت وبنشاط ملحوظ العمل على هذا الاتجاه، حتى في مجالات لم تعمل فيها شركات روسية من قبل ولم تكن ضمن المجالات التقليدية للتعاون بين بلدينا».
التعاون التجاري الروسي-السوري لا يقتصر على التعاون الحكومي، وهناك حركة تجارية نشطة بين المصنعين السوريين، ولاسيما في مجالات الجلديات والأقمشة ومنتجاتهما. وهذه التجارة تعاني منذ سنوات من صعوبات تعود إلى القوانين الروسية والضريبة الجمركية المرتفعة على هذا النوع من المنتجات السورية، الأمر الذي يدفع التجار من الجانبين إلى البحث عن طرق التفافية تضمن لهم استمرار التعاون بنسبة أرباح معقولة.
بهذا الشأن أشار ميخائيل ميدفيديف مدير القسم الاقتصادي في السفارة الروسية إلى أن حل هذه المشكلة قد يتم عبر إقامة منطقة تجارة حرة، التي «تجري محادثات بشأنها منذ عامين، وهي الآن على مستوى الخبراء، حول إقامة منطقة تجارة حرة بين سورية ودول منظمة الاتحاد الجمركي (روسيا، بيلاروسيا وكازاخستان)، وهذا من شأنه أن يقدم حلولاً جذرية لهذا النوع من المشاكل».
وفي ختام حديثه توقف ميدفيديف عند أمر يؤكد أنه غاية في الأهمية، وهو الاجتماع الذي من المتوقع أن تعقده اللجنة الروسية-السورية الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي-التجاري في النصف الأول من هذا العام، بعد أن تم الاتفاق على عقد هذا اللقاء خلال محادثات أجراها رؤساء اللجان عن الجانبين في تشرين الأول من العام الماضي. «نحن في السفارة الروسية نرى أن هذا الاجتماع حدث على درجة من الأهمية، وعلى الرغم من الوضع المعقد في سورية اليوم، فإننا نأمل بأن ينظر الجانب الروسي بكل الأفكار والاقتراحات التي تصلنا ونرسلها إلى روسيا، وفي أن تُعد اقتراحات بشأنها. وهناك مجلس الأعمال الروسي السوري، هو الآخر يعمل بنشاط في هذه الفترة. خلاصة القول إن الاتصالات الاقتصادية التجارية على المستوى الرسمي كما على مستوى رجال الأعمال تجري وعلى أعلى مستويات، وبنشاط ملحوظ».