
لم تتعرض المصارف السورية لخسائر تذكر -العام الماضي- جراء الظروف الاستثنائية، هذا ما دفع البعض إلى تأكيد صوابية الخيارات التي اعتمدتها الحكومة طوال الفترة الماضية،
بل أن البعض ذهب إلى حد المبالغة في نقل النموذج المالي إلى بقية دول المنطقة باعتباره النموذج الذي أثبت قدرته على الصمود في مواجهة التحديات مستشهداً ببورصات ومصارف عربية عريقة يزيد عمرها عن 100 عام أغلقت عند أول أزمة!
فالمصارف السورية في وضع لا بأس به مقارنة بالمصارف الأخرى ، وان الثقة التي تزعزعت كثيرا خلال الأشهر المنصرمة عادت نسبيا إلى عهدها، كما لا تزال سيولتها ونوعية التسليفات «خط الدفاع الأول» يحد تسرب الآثار السلبية بحسب مصرفيين.
لا مناعة مطلقة
تنعم المصارف بنمو ودائعها بنسبة 25 % خلال العام الماضي وهي نسبة جيدة بالرغم من انسحاب بعض المودعين ووجود الأزمة المتزايدة في الداخل.. هذه الميزة(نمو الودائع) - تكملها ميزة أخرى وهي سلامة التسليفات وتوزعها , فودائع المصارف العامة مثلاً موزعة كالآتي:
التسليفات للقطاع العام أي القروض المصرفية للدولة القسم الثاني من التسليفات موظف في تمويل القطاعات الاقتصادية المختلفة وهو ما يعرف بالتوظيف في الحركة الاقتصادية أو إقراض القطاع الخاص من الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات علماً أن نسبة لا بأس بها من هذه الديون متعثرة لكنها مضمونة من الدولة.
إضافة إلى ذلك حققت المصارف الخاصة العام الماضي أرباحا نتجت عن فرق تقييم العملة باعتبار أن الشريك الاستراتيجي المساهم الذي تتراوح نسبته بين 49-60٪ يدفع حصته من رأس المال بالقطع الأجنبي.
ولكن بقاء المصارف بعيدة عن التأثيرات المباشرة للأزمة له أسباب لا تمت بصلة للعمل المصرفي نفسه.
فالمصارف استفادت من مجالات التوظيف في الدين العام الحكومي ما أعفاها من المخاطرة في السوق، لا سيما أن السياسة النقدية - الساعية للحفاظ على سعر صرف الليرة - فرضت اعتماد معدلات فائدة مرتفعة لم يكن ممكنا الحصول عليها في أي مجال آخر للتوظيف ، وعمدت على تقديم ضمانات لطمأنة المصارف إلى هذه التوظيفات ما قلل من مخاطرها.. لكن، هذا المشهد الايجابي يخفي بعض مكامن الضعف، اذ أن المصارف قد تواجه استحقاقات غير متلائمة وستتعرض لمخاطر التوظيف بالقروض السيئة في ضوء التباطؤ الاقتصادي الحالي..!
وبحسب مصادر المصرف الصناعي «للثورة» فإن المصرف لمس تراجع الطلب على قروض التأسيس بشكل ملحوظ خلال النصف الثاني من العام الماضي في حين تزايد الطلب على القروض الصغيرة، والمصرف يخشى الآن التوسع في هذا النوع من القروض بينما يفاقم في الوقت ذاته من مشكلة الصناعيين باعتبار أن هذه القروض ستذهب إلى غايات كسداد مديونية أو عجز أو غير ذلك من الأمور».
من جانبه اعتبر مدير مصرف خاص :«أن المصارف الخاصة وان حققت أرباحا العام الماضي –لا تمتلك مناعة مطلقة من تأثيرات الأزمة الحالية على صعد مختلفة لا سيما أن منعكسات سعر صرف الليرة السورية جراء الظروف الاستثنائية أدى إلى انتشار ظاهرة دولرة الاقتصاد نتيجة تخلي الأفراد عن الليرة والتوجه نحو التعامل بالدولار، وفي حال تفاقم هذه الظاهرة ستهدد المصارف المحلية بالإفلاس ناهيك عن منعكسات رفع أسعار الفائدة التي أدت إلى رفع الفوائد المدينة على التمويل وبالتالي ارتفاع تكلفة الإقراض بالنسبة للمستثمرين مما ينعكس تراجعاً في عمليات الاستثمار ويحرم مصارفنا من فرص توظيف الأموال.»
التوازن المطلوب
إذاً.. رغم التطمينات الخجولة التي قدمها أقطاب القطاع المصرفي فإنهم لم ينكروا خشيتهم من التأثر في حال استمرار الأزمة ودخول الاقتصاد مرحلة التباطؤ خصوصاً أن هناك من توقع أن تكون دورة الركود الاقتصادي أطول مما يشار إليه.. هذا الواقع يستحضر بناء نظام مصرفي مرتبط بالاقتصاد الحقيقي، وتطوير أدوات فعالة لإدارة الإخطار ، ورعاية النظام النقدي والمالي والرقابي على المعاملات لتحقيق التوازن .