الواقع البيئي لمحافظة دير الزور مصاب بملوثات تبدأ ولا تنتهي، فملوثات المحافظة لا تجد إلا نهر الفرات مصباً لها وهذا ما أدى إلى تدني جودة ونوعية نهر الفرات بسبب ما يصب في جوفه من منصرفات صناعية وزراعية وصحية وطبية..والأمر لا يقف هنا... بل وصل إلى تدهور المراعي وتدهور نوعية التربة وتزايد العواصف الغبارية وتعرض التنوع الحيوي والنباتي لخطر الانقراض والقائمة تطول.
سنوات عديدة مرت.. ويبقى السؤال: ما الذي تغير من هذا الواقع البيئي؟ للأسف المعطيات تشير وبشكل واضح إلى أن الملوثات على حالها والمشكلات تستمر من عام إلى آخر...
منصرفات
يعاني نهر الفرات من مشكلات بيئية عديدة أهمها عدم معالجة المنصرفات السائلة التي تصب فيه باختلاف أنواعها الصناعية والزراعية والصحية، حيث يوجد في المحافظة معملان تابعان للقطاع العام هما معمل السكر ومعمل الورق وينتج عن هذين المعملين مياه صرف صناعي ملوثة تصب في مجرى النهر والسبب المباشر عدم وجود محطة معالجة.
ولا توجد أية معالجة لمياه الصرف الصحي في المحافظة ومدنها وقراها ويتم صرفها مباشرة إلى النهر بما في ذلك الصرف الناتج عن المشافي العامة والخاصة والمسالخ وغيره، وكذلك بالنسبة للصرف الزراعي، إذ تصب قنواته ومن دون معالجة وعلى الجهتين كما تنتشر الأراضي المتملحة وبنسب متفاوتة لذلك لابد من ترشيد ومراقبة استخدام الأسمدة والمبيدات لتخفيف تلوث النهر بالصرف الزراعي والحد من تملح التربة.
أما مخلفات المشافي الطبية فلا توجد معالجة لها وجميعها تصرف إلى مجارير الصرف الصحي التي تذهب إلى نهر الفرات وهذا يستدعي ضرورة تأمين محطات معالجة خاصة بالنفايات الطبية السائلة لجميع المشافي العامة والخاصة والمراكز الصحية في المحافظة ومدنها.
بالعودة إلى مياة الصرف الصناعي نشير إلى أنه يوجد في المحافظة عدة معامل تابعة للقطاع العام وينتج عن هذه المعامل مياه صرف تصب في قنوات مكشوفة وقساطل بيتونية تنتهي إلى نهر الفرات من دون معالجة وأهم هذه المعامل معمل الورق ومعمل السكر وقد أكدت نتائج تحليل المراقبة والتفتيش لهذين المعملين لعام 2011 أن هناك ارتفاعاً كبيراً في بعض الملوثات وخاصة BOD و COD وهذا يؤثر سلباً على نوعية مياه الفرات.
ماذا عن النفايات؟
تشير معلومات مديرية الخدمات الفنية في دير الزور إلى وجود خمسة مطامر نظامية للنفايات الصلبة حتى نهاية عام 2011 في المحافظة ويتم التخلص من هذه النفايات عن طريق الطمر، وهذه المطامر موجودة في دير الزور والميادين وصبيخان والبوكمال وهجين وينتج عنها أكثر من 569 طناً من النفايات في اليوم.
وتكمن المشكلة في عدم وجود إحصاءات لكميات النفايات الطبية في دير الزور السائلة أو الصلبة، وحسب مصادر مديرية الصحة في دير الزور لا توجد معالجة للمخلفات الطبية السائلة مثل أمراض الكلى والأمراض السارية والمخابر وتصرف جميعها إلى مجارير الصرف الصحي التي تذهب إلى نهر الفرات من دون معالجة... وبالنسبة للمخلفات الطبية يتم جمعها ونقلها إلى المكب الرئيس بوساطة سيارات البلدية مع المخلفات المنزلية والتي يتم طمرها في الحفرة نفسها وكان ذلك حتى عام 2010 ولكن في عام 2011 أصبح يتم جمعها ونقلها إلى المكب الرئيس لتطمر في حفرة خاصة بها.
تدهور نباتي وحيواني و569 طناً من النفايات الصلبة يومياً
أما بالنسبة للنفايات الخطرة فهي توجد بشكل رئيس ضمن مواقع انتاج النفط وحسب تقارير رسمية فإنه يوجد في شركة الفرات للنفط وحدة للمعالجة ويوجد في شركتي الفرات ودير الزور للنفط مطامر خاصة.
للتنوع الحيوي حكايته
مخاطر عديدة تصيب التنوع الحيوي النباتي والحيواني في المحافظة وذلك لأسباب عديدة منها العوامل المناخية وتعاقب نوبات الجفاف والتغيرات المناخية، وهذا أدى إلى تعرض الحياة البرية في المحافظة- والتي كانت تزخر بالأنواع النباتية والحيوانات البرية مثل الغزال السوري- لمواسم جفاف طويلة وانحباس الأمطار إضافة إلى الممارسات البشرية غير السليمة كالاستثمار الخاطئ لموارد الطبيعة واستغلالها كالرعي الجائر والاحتطاب والصيد الجائر والتطور العمراني على حساب الأراضي الزراعية وحرائق الغابات، وهذا أدى إلى تراجع الغطاء النباتي وانقراض بعض الأنواع النباتية والحيوانية وأحدث خللاً في التوازن البيئي وتدهور الموارد الطبيعية في المحافظة.
فيما يتعلق بالمحميات الطبيعية في المحافظة هناك أربع محميات طبيعية وهي حويجة أبو حردوب وحويجة عياش درك وحويجة الصبحة والدحلة وحويجة الصالحية وتؤكد مديرية البيئة في دير الزور أن الهدف من إقامة هذه المحميات حماية البيئة والمحافظة على الأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض والمحافظة على الأصول الوراثية وتطوير السياحة البيئية والنهوض بالحياة البرية وتوفير موائل ملائمة للحيوانات والطيور والحد من عمليات الصيد الجائر... ويكفي أن نذكر ان هذه الحوائج عبارة عن أراض وسط نهر الفرات، حيث يمتاز النهر بوجود أراض ضمن مجراه ناتجة عن ترسيب المواد المحمولة من حصى رمال وطمي بوساطة التيار المائي وهذه الأراضي اسمها الحوائج ومعناها الجزر النهرية المحوطة بالمياه من جميع جوانبها او من معظمها والهدف من هذه الحوائج حماية النظام البيئي الحراجي المائي أي هي عبارة عن غابات نهرية وأيضاً هذه الحوائج تحمي الطيور المهاجرة والمستوطنة وتحمي الحياة البرية النهرية.
مراع وغابات
تراجعت مساحة المراعي الطبيعية في دير الزور نتيجة النشاطات البشرية والزحف العمراني على الحزام الأخضر، وحسب الهيئة العامة لإدارة تنمية البادية في دير الزور فإنها تسعى إلى تأهيل البادية من خلال المحميات الرعوية الطبيعية وتحسين الغطاء النباتي والحياة البرية وزيادة الإنتاجية للحيوانات وتحسين الظروف المعيشية للسكان وحماية الطبيعة.
وتشكل مساحة البادية من مساحة المحافظة 95% أما الغابات في دير الزور فتتركز بالحوائج النهرية الموجودة ضمن سرير النهر وعددها 77 حويجة بمساحة تقدر بـ3200 هكتار وتتكاثر فيها الأشجار التي تنمو طبيعياً مثل الحور الفراتي والصفصاف والعوسج، كما تبلغ مساحة الأحراج الصناعية في المحافظة حوالي 5400 هكتار وعدد الأشجار حوالي 1800 شجرة موزعة في عدة مواقع حراجية أي أن مجموع الغابات الطبيعية الاصطناعية 8600 هكتار ونسبة مساحة الغابات من مساحة أراضي المحافظة 25% من مساحة المحافظة.
وتجدر الإشارة إلى أن العواصف الترابية تزايدت خلال السنوات الماضية سواء في فصل الشتاء أو الصيف، وهذا يدل على التغيرات المناخية الحاصلة وكذلك تدني الهطولات المطرية إضافة إلى سرعة الرياح الكبيرة...
ولعل منطقة جبل البشري والمناطق المحيطة بها خير نموذج لذلك حيث كانت تعد هذه المنطقة من أفضل المراعي في البادية ونتيجة للتوسع في الزراعة البعلية للشعير فقد تدهور الغطاء النباتي الشجري في مساحات واسعة من الجبل، الأمر الذي ساهم في تفاقم ظاهرة الانجرافات الريحية وتكوين الكثبان الرملية على امتداد مساحات كبيرة من الجبل والمناطق المجاورة له ما جعل جبل البشري المصدر الأكبر للرمال الزاحفة في البادية.
15%
محافظة دير الزور الواقعة في المنطقة الشرقية من سورية والتي تشكل 15% من إجمالي مساحة القطر تمتاز بحوائجها النهرية وطبيعتها الخلابة وسياحتها البيئية... هذه المحافظة تستحق الاهتمام ببيئتها وألا يتم تسويف معالجة مشكلاتها البيئية عاماً بعد عام.