
ذكرت صحيفة تشرين أن الهدر يشكل رقماً كبيراً على المستوى الوطني وتبلغ نسبته بحسب من التقيناهم ما بين 25- 40% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي قدر بحوالي 2714 مليار ليرة خلال العام الماضي وبالتالي لتتراوح قيمة الهدر على مستوى كامل اقتصادنا بين 678 مليار ليرة و1085 ملياراً، وهذه المبالغ الكبيرة تعود إلى أسباب عديدة أبرزها ثقافة الهدر الموجودة في مجتمعنا وكذلك غياب الأرقام والدراسات الفعلية عن هذه المشكلة الكبيرة وأسبابها.
وفي الحديث عن الهدر بالأرقام ذكرت تشرين أن أغلب المؤسسات تتحفظ عن ذكر هذه الأرقام باستثناء الشركات التابعة للمؤسسة الكيميائية، حيث تبلغ نسبة الهدر في شركة تاميكو 5% من الإنتاج الكلي والمنظفات 2% وهدر في شركة الزجاج مقدر بحوالي 20% من قيمة الإنتاج إضافة إلى 7% أثناء عملية النقل و5% للنخب الأول في صناعة الإطارات من الإنتاج النهائي، وعندما توجهنا إلى مدير الإنتاج في وزارة الصناعة لمعرفة أرقام الهدر بين أن الشركات الصناعية العامة تتجنب ذكر أي رقم عن الهدر وذلك لأن الجهات التفتيشية ستعده بلاغاً يستوجب المساءلة من قبل الجهات التفتيشية وحتى لو كان ضمن النسب المقبولة عالمياً.
30% الفاقد الكهربائي
الخبير الاقتصادي زياد عربش رأى في حديثه لصحيفة تشرين بأنه عندما تتم عملية الإنتاج ولم تبلغ الحلقات المتقدمة من سلسلة الإنتاج فإن هناك ضياعاً وهدراً وسوء استخدام للموارد وتؤدي إلى استغلال غير أمثل للموارد المتاحة، فمثلاً القطن يحتاج إلى الماء ويستخدم الطاقة ويتم حلجه في المحالج ويحول إلى خيوط ومن ثم إلى لباس، وهناك هدر في كل حلقة من حلقات الإنتاج هذه، حيث هناك هدر في الري لعدم استخدام وسائل الري الحديث والكهرباء كذلك عند ضخ المياه، وبعدها يتم تصدير القطن الخام الأمر الذي يعتبر هدراً لأن تكاليف إنتاجه أكبر من ثمن تصديره كما نفقد القيمة المضافة التي يمكن أن تنجم عن تصنيعه.
ولدينا أيضاً هدر في طاقة الكهرباء فحسب المعايير الدولية يجب ألا يتجاوز الفاقد الفني 7% لكنه 15% لدينا وهو ما يحتاج إلى ملايين الدولارات لاستقدام مواد فنية مناسبة للحد من الفاقد الفني هذا إضافة إلى الفاقد التجاري الناجم عن الاستجرار غير المشروع للكهرباء ليصبح مجموع الفاقد الكهربائي ما نسبته بين 25- 30% هذا إضافة إلى الفاقد المائي المقدر بين 20- 25% والفاقد الناجم عن عدم إعادة الاستثمار في الاقتصاد السوري للأرباح التي يحققها القطاع الخاص، حيث يتم تحويلها إلى الخارج على شكل ودائع أو استثمارات،
كما يعتبر التهريب فاقداً تنموياً حيث تهرب المواد المدعومة من الدولة إلى الخارج، كما نحقق فاقداً تنموياً نتيجة لعدم تصنيع بعض المواد الأولية التي نصدرها بشكلها الخام مثل النفط، والكمون الذي تنتج منه سورية 40% من الإنتاج العالمي ويصدر خاماً، في حين أنه يستخدم في أشهر الصناعات الدوائية، هذا إضافة إلى الفاقد الناجم عن هجرة الأدمغة عندما يخرج المتعلم للعمل في الخارج على حساب النفقات التي تكبدتها أسرته ومجتمعه والدولة، والهدر الناجم عن ضعف البنية التحتية وعدم كفاءتها، وعدم تطبيق الحكومة الالكترونية حيث يقوم السوريون بحوالي 92 مليون عملية دفع فواتير سنوياً تحتاج كل منها إلى نصف ساعة وسطياً، وإذا كان متوسط أجرة المواطن السوري في نصف ساعة 50 ليرة ستكون الكلفة 460 مليون ليرة وهي تعتبر هدراً، وبشكل إجمالي يمكن القول إن الفاقد التنموي في سورية هو أكثر من 25% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
هدر العمالة الفائضة
وبرأي معاون المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية سهيل سعيد لصحيفة تشرين فإنه يوجد هدر في القطاع الإداري حيث يوجد هدر في استخدام الورقيات بنسبة 90% ولم تفلح لدينا عملية الانتقال إلى أتمتة العمل واستخدام الحواسب والتقنيات الحديثة إلى التوفير في استخدام الورقيات و«إنما ازدادت» وأكبر دليل على ذلك أن آلات التصوير في مواقعنا الإدارية أصبحت تعمل عشرات أضعاف ما كانت عليه قبل دخول الحواسب، والأهم هناك هدر في استخدام الطاقة والمياه ووسائل النقل والانتقال حيث يطلب القانون من الجهات العامة نقل عمالها ولذلك تمتلك منشآتنا أساطيل نقل بعشرات ومئات الملايين لنقل عمالها صباحاً وظهراً وفي خطوط نقل متباعدة، علماً أننا يمكن أن نوفر الكثير في حال تم إعطاء العمال بدل انتقال، وهنا يوجد لدينا أيضاً الهدر في استخدام المحروقات للنقل، كما يوجد في القطاع الاقتصادي هدر لمستلزمات الإنتاج بشكل كبير وبنسب متفاوتة، فعلى سبيل المثال في قطاعنا العام إذا أردنا تأمين المخزون المناسب من مستلزمات الإنتاج ونخاف من عدم تأمينها في الوقت المناسب نتيجة للصعوبات في الشراء مثل الروتين والبيروقراطية، عندها سنقوم بشراء كميات كبيرة تكفينا لفترات طويلة ما يؤدي إلى تجميد الأموال وقد تتغير المواصفات في السلع التي ننتجها وتصبح المواد المخزنة عديمة القيمة.
وأشار سعيد إلى الهدر الناجم عن وجود عمالة فائضة في أحد المواقع وخاصة في الأقسام الخدمية والفنية وأكبر هدر نجده في منشآتنا العامة عند وجود نقص في الأقسام التي تؤثر على الخطوط الإنتاجية مقابل الزيادة بالعمالة في المواقع التي لا تخدم عمليات الإنتاج.
وأضاف: إذا أردنا أن نحصي حالات الهدر التي تصيب مجمل أنشطتنا الاقتصادية وقطاعاتنا نجد لدينا نسبة كبيرة جداً تنعكس بارتفاع تكاليف الإنتاج بما يزيد على المعايير والمعدلات المقبولة ما ينعكس على قدرة هذه المنشآت في تصريف منتجاتها.
أما عن الوضع في صناعة النسيج فقد بيّن سعيد أن توجهات الحكومة القديمة الجديدة حول استراتيجيات صناعة النسيج يجب أن تركز على تصنيع كامل القطن السوري فإذا كنا في المؤسسة النسيجية معنيين بتصنيع الغزول المنتجة لدينا والمقدرة بحوالي 120 ألف طن ونصدر منها 50% بينما نصنع 50% في السوق الداخلية حيث يجب الوصول إلى المنتج النهائي في صناعة النسيج لأن القيمة المضافة في المنتجات الجاهزة من الألبسة هي أعلى ما تكون وتصل بالمعيار الطبيعي بين ثمانية أمثال وأربعة عشر مثلاً وذلك حسب مستوى تطور البلدان والصناعة، وعلى مستوى القطن في سورية بقي في أسوأ حالاته ففي القطاع الخاص من المفروض أن تصل القيمة المضافة إلى ما فوق 800% حتى تكون في مستوى البلدان غير المتقدمة كثيراً وإنما متوسطة النمو في هذا المجال لكن في القطاع العام نحن للأسف في المؤسسة غير متطورين في صناعة الألبسة الجاهزة, لذلك القيمة المضافة في صناعة الغزول التي تعتبر مادة أولية ضعيفة جداً وهي محكومة بمستوى الأجور وقد بكون مقبولاً إذا حصلنا على تكلفة الإنتاج إلا أن القيمة المضافة الكبيرة يجب أن تكون في مراحل النسيج المتقدمة والمنتجات الجاهزة فأكثر من 50% من طاقاتنا النسيجية هي في إنتاج الأقمشة الخامية ومعظم خطوط إنتاجنا قديمة ونمطية وبالتالي يؤدي ذلك إلى توجيه 50% من إنتاجنا إلى صناعة أكياس الدقيق والقيمة المضافة في هذا المجال لا تتجاوز 10% في حين يجب أن تكون بحسب المعايير العالمية بين 100% و300%.
مظاهر الهدر:
وتحدث الخبير الاقتصادي نضال طالب عن مظاهر الهدر في الاقتصاد السوري حيث قال: ذكرت الدراسات أن نسبة الهدر المثبتة في دمشق هي 35% وتتجاوز ذلك في بعض المحافظات لتصل إلى 40% وهو من أعلى النسب في العالم وقدرت قيمة الهدر في الطاقة الكهربائية بأنها تتجاوز ملياري دولار سنوياً، كما أن استثمار الفاقد لمدة عام واحد يكفي لإعادة هيكلة وتطوير قطاع الطاقة الكهربائية في سورية والخروج من أزمة الحاجة من الطاقة ومن جهة هدر المياه فإن نسبة الفاقد تتجاوز 25% من الإنتاج وتتبلور هذه النسبة من خلال شكلين الأول يرتبط بالهدر غير الحقيقي أو الضياع غير الفيزيائي أو غير الملموس لمياه الشرب وهو كمية المياه الزائدة عن الحاجة المستهلكة ضمن المنزل أو المكتب أو المتجر وهي مسألة ترتبط بسلوكية الأفراد والجماعات وتعود إما لعادات مكتسبة أو عدم معرفة أو ضعف مسؤولية.
وأما الشكل الثاني فهو الهدر الحقيقي أو الفيزيائي أو الملموس وهو هدر المياه في أنظمة التزويد من المصدر حتى المستهلك نتيجة خلل في إحكام ضبط المياه بسبب تآكل الأنابيب واهترائها وقدمها أو عدم تركيبها بشكل جيد والنوع الثاني من الهدر هو الهدر المعنوي ويتجلى في هدر للوقت بعشرات الملايين من ساعات العمل يومياً مقيمة بمئات المليارات من الليرات السورية سنوياً يهدرها الموظف الحكومي في مكان عمله وهناك هدر كبير يطول الطاقات البشرية المعطلة التي تقف على الحياد أو تنزوي في الظل وتصبح عائقاً أمام التطوير راضخة لإدراجها ضمن قوائم البطالة.
وأما النوع الثالث من الهدر في الاقتصاد السوري فهو الهدر التعليمي المتمثل بانقطاع أو اضطراب المراحل الدراسية عند التلميذ ويمكن تعريفه على أنه حجم الفاقد من التعليم نتيجة الرسوب والتسرب ومشكلة الهدر التعليمي بصورتيه الرسوب والتسرب تكمن في آثارها السلبية التي تحيط بالطالب والأسرة والمؤسسة التعليمية والمجتمع وتمتد إلى النواحي التربوية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والهدر التعليمي يسوقنا إلى تشبيه التربية والتعليم بالصناعة نظراً للإمكانات والموارد التي تستخدم في سبيلها وإلى الإنفاق الذي يبذل للاستثمار في هذا المجال
ولذلك فإن النظرة إلى العملية التربوية أصبحت غير قاصرة على أنها نوع من الخدمة للمجتمع وإنما هي استثمار له عائده تلعب فيه المؤسسات التعليمية دوراً مؤثراً في تكوين الثروة التعليمية من القوى والطاقات البشرية ويمثل الهدر التعليمي قضية شائكة ويشكل قوة مدمرة لكفاءة النظام التربوي والجهود المبذولة لتطويره، حيث أشارت إحصاءات التعليم في الدول العربية إلى أن الهدر التعليمي أو ما يسمى بالفاقد التربوي يستحوذ على أكثر من 20% من مجمل ما ينفق سنوياً على التعليم في هذه الدول ولا تختص مشكلة الهدر التعليمي بالدول العربية فقط إذ إنها ظاهرة عالمية تعانيها معظم بلدان العالم ولكن بنسب متفاوتة وعلى هذا أخذت الجهود الدولية في العمل على خفض نسب الهدر كما أكدت توصيات المؤتمرات الدولية على الأعضاء في اليونسكو بالعمل على التقليل من نسب الهدر العالية.
وأضاف طالب: تشير الدراسات إلى أن الهدر في الكيان الاقتصادي السوري يتسبب في ضياع نحو 30% من حجم الناتج الإجمالي وهذا يعني إنه من باب ضبط الهدر وحده كان يمكن تأمين موارد مالية داعمة لخزينة الدولة في حال معالجته وقوننة اقتصاد الظل الذي يساعد على تفشي ظاهرة الهدر.