هل مداهمة دوريات الجمارك العامة للأسواق داخل المدن والمحلات التجارية مبرر منطقياً واقتصادياً؟.
هذا السؤال طرح منذ سنوات عندما حاولت مديرية الجمارك ملاحقة البضائع المهربة في الأسواق والمحلات التجارية، وآنذاك كان الجواب أنه لا يحق للجمارك مداهمة الأسواق لأسباب متعلقة بمتطلبات بنشاط الشركات التجارية والصناعية وتوسيع دائرة أعمالها، فالجمارك معنية بحماية البلاد والاقتصاد الوطني من التهريب على حدود البلاد ومن الجهات الأربع.
اليوم يعاد طرح هذا السؤال، لكن ضمن ظروف ومعطيات مختلفة، فدوريات الجمارك تداهم بعض المناطق والمحلات والمستودعات وتتجول في بعض شوارع المدن، وتفتش السيارات الشاحنة وتدقق في وثائق ما تحمله من بضائع وسلع...فما هو صحة هذا الأمر؟.
دون شك إن مسؤولية الجمارك تتمثل في مكافحة ظاهرة التهريب استيراداً أو تصديراً، إنما طبيعة الظروف التي عاشتها البلاد منذ نهاية العام 2011 وتطورات رقعة المعارك بين الجيش العربي السوري والمجموعات المسلحة والتنظيمات التكفيرية وتأثيرات العقوبات الاقتصادية الغربية الظالمة أسهما في انتشار واسع وعميق لظاهرة التهريب سواء عبر المنافذ الخاضعة لسيطرة الدولة أو تلك الواقعة تحت سيطرة المجموعات المسلحة، ولذلك لم يكن من خيار أمام الجمارك إلا أن تحاول ضبط التهريب في الأسواق، فكانت دورياتها التي تنشط هذه الأيام بخلاف الفترات السابقة، دون ألا ينال ذلك من مسؤوليتها في ضبط المهربات قبل أن تطرح في الأسواق، ومحاسبة المهربين الأصلاء أو من يطلق عليهم "التجار الكبار" لا الاكتفاء بالتجار الصغار.
أما غير ذلك، فإن نتائج مداهمة دوريات الجمارك للأسواق والمحلات والمستودعات التجارية والصناعية تبقى بلا الفائدة الموجودة ما لم تدعم بإجراءات جدية وفاعلة، لاسيما وأن توجهات الحكومة في ترشيد الاستيراد حالياً ستؤدي إلى زيادة وتيرة التهريب، فضلاً عن تكامل ذلك مع الخطوات والقرارات الاقتصادية الأساس في مواجهة التهريب، والتخفيف من حجمه إلى حدود يصبح معها خطره على الاقتصاد والمجتمع في حدود ضيقة جداً.
وما دامت الجمارك تجد نفسها مجبرة على دخول الأسواق المحلية بغض النظر عن صحة وسلامة هذا التوجه، فعلى الأقل عليها أن تكسب جميع الفعاليات الاقتصادية وتتعامل معها وفق أسلوب يتيح المحافظة على حقوق الأفراد والشركات وخزينة الدولة تحت أي ظرف كان، وتشجع على الاستثمار والتعاون مع مديرية الجمارك إلى أقصى حد ممكن.