كان من الأفضل، لو تجرأت وزارة التربية وألغت اللباس المدرسي الموحد نهائياً، بدلاً من التشدد فيه، وتبديد الوقت في عقد الندوات التوضيحية، واصدار التعاميم الصارمة التي تلزم الطلبة به. إذ أن كل موجبات هذا اللباس، لاسيما الطبقية، ذهبت بلارجعة.
لن يؤثر الغاء اللباس الموحد في التحصيل العلمي، أو يغير مسار الحصة الدرسية. ولن تعم الفوضى في الصفوف، وتتحول المدارس لدور أزياء، وتظهر الفوارق الطبقية. كما لن ينزعج المعلمون والتلاميذ، وستبقى نسب النجاح ضمن معدلاتها.
يتحول اللباس المدرسي إلى مصدر قلق للأسرة سنوياً، إذ تتجاوز حصته من حجم انفاق الأسرة على المستلزمات المدرسية أكثر من 80%، وتذهب النسبة الباقية للقرطاسية. ومع شظف العيش، وتغلغل الفقر، مقابل اصرار الناس على تعليم أولادهم، يغدو التخلي عن اللباس الموحد حاجة اقتصادية ومجتمعية وتعليمية ملحة، وضرورة وطنية بامتياز.
كانت الأسرة السورية تنفق 5.6% من دخلها على اللباس، أي ما يعادل 1720 ليرة شهرياً حسب مسح دخل ونفقات الأسرة 2009. الأن تغيرت العادات الاستهلاكية، وتبدلت أوليات إنفاق الأسرة، والأسعار تسير في اتجاه جنوني صاعد. ويعكس الرقم القياسي لأسعار المستهلك، الذي يصدره المكتب المركزي للاحصاء، حجم المأساة التي يقع فيها أكثر من ثلاثة أرباع الأسر المصنفة فقيرة. إذ وصل هذا الرقم في أيار العام الماضي، بالنسبة للملابس والأحذية، إلى أكثر من 923%، وزاد التضخم خلال الفترة ذاتها بين عامي 2016/ 2017 إلى أكثر من 34%.
تنظر وزارة التربية، إلى اللباس المدرسي، من خلال "تلسكوب" القرارات الجامدة، ما يضع الأسر في "خانة اليك" سنوياً. وهي تعلم يقيناً، أن المخرجات التعليمية لا علاقة لها باللباس، أو بطول الشعر وقصره، أو علو الكعب. هذه المخرجات ترتبط بالمناهج الحديثة، وبأداء المعلمين، وبتأمين مستلزمات العملية التعليمية من مختبرات ومكتبات وأبحاث وأدوات. وأخذت المتغيرات العالمية، على صعيد التعليم، مسارات أكثر انفتاحاً، وثمة بلدان خلقت فضاءات جديدة في التعليم المدرسي، كالتعليم في الهواء الطلق، بينما يدخل طلابنا إلى المدارس على ايقاع "المارشات" العسكرية، ودوي الشعارات القومية، التي أيضاً تحتاج إلى اعادة صياغة.
لنأخذ تجربة مماثلة محلياً، عندما تحررت الجامعات السورية من اللباس الجامعي الموحد، لم تتوقف العملية التعليمية، بل ارتاح الطلبة، وظلت الجامعات تخرج طلاباً أكفاء، ترفد بهم أسواق العمل في الدول المجاورة، وتخسرهم سورية.
بات الأمر مناسباً لتخطو وزارة التربية خطوة جدية نحو الأمام، وتفتح العقول، بدلاً من حصر همها في الشكليات. إذ يتطلب حق التعليم وكفالته، اجراءات مشجعة، وتسهيلات تتوازى مع عمق الأزمة المعيشية، والتطورات في مجال التعليم. والغاء اللباس المدرسي الموحد، هو فرصة للانفتاح، وطريقة لكسر الحواجز. اتركوا الأطفال يلبسون ما يحبون، ويرددون شعاراتهم وأغانيهم المحببة، ليبحروا بحرية في مراكب التعليم، ويصنعوا مستقبلاً مفيداً لوطنهم.
سوريانا
ثامر قرقوط