يقال التجارة شطارة وباعتبارها شطارة فهي لا تصلح لأي كان أن يمتهنها، ومن هذا المبدأ أخذ البعض يبحث عن الطرق الكفيلة التي توصله لها بضمانة الربح غير المقترن بالخسارة، ومع البحث والتمحيص، استقطبت التجارة أنواعاً عديدة وافدة إليها ومنها تجارة العلم التي تعتبر حالياً أحد أنواع التجارة الرائجة والمربحة.
حيث تحولت نسبة كبيرة من كوادرنا التعليمية لتجار علم يستقطبون الطلاب من المدارس لإعطائهم الدروس الخصوصية في المنازل بأسعار كاوية تتفاوت بين مادة وأخرى وبين مرحلة تعليمية وأخرى، حيث وصل سعر ساعة الرياضيات مبلغاً يفوق ألف ليرة سورية للثانوي وأقل بقليل للتعليم الأساسي ومادة اللغة العربية ثمانمائة ليرة، واللغات الأجنبية كذلك الأمر، كما يختلف السعر حسب خبرة وشهرة المعلم أو فكلما ازدادت خبرته ارتفعت تسعيرته، فيما دروس مرحلة التعليم الأساسي للصفوف الأولى تحدد براتب شهري للتحفيظ والتسميع اليومي يتراوح بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ليرة شهريا، وهذه التجارة باتت تستشري بكثرة وتسبب العدوى ما بين ذوي الطلاب للسباق والمنافسة وإظهار من يبذخ على ابنه أكثر حتى ولو اقتطع عنه وعن بقية أسرته قوت يومه، وأمام هذا البذخ يقوم الكادر التعليمي برفع أسعاره عاماً تلو الآخر تحت ذريعة ضيق الحال وعدم كفاية الدخل الشهري لتسديد الالتزامات، ما جعل مهنة التعليم تتحول لتجارة بحق تنعكس على المستوى التعليمي للمدارس العامة لعدم تمكن المدرس من تحقيق العدل في مستوى التعليم نتيجة الإرهاق فيصبح دوامه في المدرسة مكرساً للحصول على بعض الراحة لاستعادة نشاطه ما بعد الدوام المدرسي لمصلحة الدروس الخصوصية دون وجود رقيب أو حسيب لعمله، وهنا لسنا ضد الاسترزاق وخاصة في هذه الظروف (حرام بدهن يعيشوا) لكننا بصدد الأسعار المبالغ بها وعدم العدل في التعليم ما يدفع للقول رفقا بأبنائنا وأجيالنا المستقبلية حتى لا يضطروا أمام هذا الواقع للاستغناء عن التعليم مستقبلاً.