بدا لافتاً للانتباه التحولات السياحية، التي يمكن وصفها بالجذرية، مع تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية المؤثرة على القطاع محلياً وإقليمياً، أقلّه في السنتين الأخيرتين.
فعلى الرغم من ملامسة حجوزات الفنادق والمؤسسات السياحية في بيروت وجونية 60 إلى 70 في المئة عشية عيد الأضحى، إلا أن الحجوزات في مناطق الجبل بلغت صفراً في المئة. يضاف إلى ذلك خفض السيّاح مدة إقامتهم من 10 أيام إلى ثلاثة أيام حداً أقصى، من دون نسيان التغيّر الكبير في جنسيات السيّاح، والحسوم المرتفعة على الغرفة الفندقية.
أمام هذا الوضع، تجمع النقابات السياحية على أنه «لا يمكن مقارنة الأرقام السياحية الحالية مع الفترة نفسها من العام الماضي، لأن الأزمة نفسها مستمرة، محليًّا وسوريًّا، خصوصًا في ما يتعلق بسيّاح البر الذين خسرهم لبنان منذ العام 2011، ويقدّر عددهم بحوالي 400 ألف سائح»، ويضيفون «إنما مقارنة مع العام 2010 الذي بلغت فيه الحجوزات الذروة، فيمكن الإشارة إلى أن الحجوزات في ذاك الوقت تخطت في بيروت الـ100 في المئة، لإقامة 10 و15 يوماً، ما أدى إلى خروج الفائض إلى المناطق، ما رفع الحجوزات فيها إلى 80 و90 في المئة على مدى أسبوعين أيضاً».
غلاء تذكرة السفر
وفيما يبدو أن الحكومة ما زالت تنأى بنفسها عن هموم القطاع السياحي الذي يعدّ قاطرة أساسية لقطاعات تجارية وزراعية واقتصادية، يوضح أمين عام «اتحادات النقابات السياحية» جان البيروتي لـ«السفير» أن «المشكلة الأساس، بعد الوضعين الأمني والسياسي، تكمن في غلاء سعر تذكرة السفر إلى لبنان، ما يشكل عائقا جوهريا في قدوم شرائح سياحية من الطبقة المتوسطة وما دون، وهؤلاء الذين كانوا يأتون برّا، لتوفير كلفة النقل».
وإذ يشير إلى مدى تأثير فرق الوقت على الحجوزات، بين مصادفة وقوع عيد الأضحى في الخريف أو الشتاء، يفيد بيروتي بأن «الحجوزات حالياً تقتصر على يومين أو ثلاثة أيام حدا أقصى، أي عامل الوقت تراجع إلى حدود 70 في المئة، ولا تتوقف الكارثة هنا، بل تمتد لتشمل منح حسوم على تعرفة الغرفة تصل إلى 40 في المئة في عزّ الموسم، فمثلاً سعر الغرفة 200 دولار في اليوم تباع منذ فترة بـ120 دولاراً».
ويوضح صاحب فندق في بيروت لـ«السفير» أن «لجوء أصحاب المؤسسات السياحية، إلى هذه الحسوم المرتفعة التي لم تكن معتمدة في المواسم السياحية، ومنها العيد، هي بهدف جذب شرائح جديدة من السيّاح، وفي الوقت نفسه الحفاظ قدر الإمكان على إبقاء الحركة في المؤسسة مستمراً، بدلاً من الإقفال».
بعد العيد.. معدومة
وفيما علمت «السفير» أن الحجوزات بعد العيد معدومة، يُلحظ أن خريطة جنسيات السياح لهذا العيد، توزعت بين السوق السوري، الذي ما زال يشهد تغيرات مفاجئة بسبب الوضع الأمني في بلده، والسوق العراقي الذي يغذي منذ أكثر من سنة، القطاع، والسوق المصري الذي بدأ يتحرك أخيراً، إلا أن المشكلة تبقى في سعر التذكرة التي أفقدت القطاع شرائح واسعة من السيّاح الأردنيين، كما تشكل عائقاً في إمكانية زيادة قدوم السيّاح المصريين.
أما عن السيّاح الخليجيين، فتوضح مصادر نقابية لـ«السفير»، أنه «منذ إعلان دول الخليج تحذير رعاياه من القدوم إلى لبنان في العام الماضي، يلحظ غياب شبه تام للخليجيين عن الخارطة السياحية»، منتقدة تقصير الحكومة الفادح في هذا المجال، «إذ لم تسع إلى بذل أي مجهود لطمأنة السيّاح الخليجيين، وتحفيزهم مجدداً لاختيار لبنان وجهة لسياحتهم».
خطط حكومية ناقصة
في هذا الخصوص، يلفت بيروتي الانتباه إلى أن «الأزمة تتراكم، في ظل انعدام خطة للحكومة تجاه السفر إلى لبنان بهدف السياحة»، مؤكداً أن «سعر التذكرة إلى لبنان مرتفع جداً مقارنة مثلاً بين الأردن وتركيا، أو مصر وتركيا التي تبلغ حوالي 250 دولاراً في العيد، بينما التذكرة من مصر إلى لبنان في الأيام العادية، تبلغ حوالي 390 دولاراً».
ويذكّر بأن الخطط الحكومية المطروحة لإنقاذ القطاع السياحي، ما زالت ناقصة، وغير فاعلة، إذ لم يواكبها، تفعيل للحملات التسويقية خارج البلد، ويكون ذلك على حسابها، لا على حساب أصحاب المؤسسات الذين بدأوا يفقدون إيمانهم بمواصلة العمل في البلد، وتوظيف استثماراتهم فيه.
في سياق متصل، يفيد صاحب مطعم في بيروت «السفير» بأن «أزمة قطاع المطاعم لا تختلف كثيراً عن أزمة القطاع الفندقي». ويوضح أن «قطاعي المطاعم ومكاتب تأجير السيارات السياحية، يعتمدان في شكل أساسي، منذ فترة، على اللبنانيين المقيمين والمغتربين». وفيما يلفت الانتباه إلى أن «كازينو لبنان، ما زال يشكل وسيلة جذب أساسية لكثير من السيّاح»، يوضح أن «إقبال السيّاح الأجانب على المطاعم شبه معدوم».
في المقابل، يلحظ تقرير صادر حديثاً، لـ«أرنست أند يونغ» عن أداء الفنادق ذات فئة الأربعة والخمسة نجوم، أن بيروت سجلت تحسناً سنوياً في معدل إشغال الفنادق خلال شهر آب 2013، إلى 47 في المئة مقارنة مع 35 في المئة في شهر آب 2012. كما يلحظ تراجع متوسط تعرفة الغرفة من 196 دولاراً في آب 2012 إلى 179 دولاراً في آب 2013. أما على صعيد تراكمي، فيشير التقرير إلى تراجع متوسط إشغال الفنادق من الفئة نفسها في بيروت، بنسبة 5 في المئة سنوياً إلى 54 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2013، بعدما بلغت 59 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي.
كما شهدت بيروت تراجعاً بـ19.6 في المئة في متوسط تعرفة الغرفة إلى 167 دولاراً. في حين تراجعت الإيرادات المحققة عن كل غرفة متوافرة بنسبة 27.2 في المئة إلى 91 دولاراً.
ويظهر تقرير آخر، لـ«غلوبل بلو» عن المبيعات الخالية من الضريبة للفصل الثالث 2013، انخفاضاً سنوياً بنسبة 6 في المئة في المبيعات الخالية من الضريبة خلال الفصل الثالث، كاشفاً أن الإنفاق من قبل السياح السوريين تراجع 44 في المئة، مترافقاً مع انخفاض في إنفاق السياح الكويتيين 39 في المئة، والأردنيين 27 في المئة، والأميركيين 20 في المئة.
المصدر: السفير اللبنانية