أوضحت مصادر مصرفية أنّ ودائع السوريين في المصارف اللبنانية تُقدّر بما لا يقل عن 10 مليارات دولار حتى 15 ملياراً، وذلك بإضافة الاستثمارات السورية في بعض قطاعات الاقتصاد اللبناني.
وأثبت “معهد ليفانت للدراسات”، أنّ هذه الأقام قبل 10 سنوات كانت أكثر من 18 مليار دولار، وكان التجار السوريون يعتمدون على المصارف اللبنانية في فتح اعتماداتهم التجارية للاستيراد، إلا أنّ ودائع السوريين في المصارف اللبنانية تراجعت مع ظهور المصارف الخاصة والسماح بالتعامل في العملات الأجنبية، إذ بيّنت مصادر سورية خروج أكثر من 20 مليار دولار من سورية، إذ عمد المستثمرون السوريون لإخراج أموالهم إلى البلدان المجاورة ومنها لبنان.
وعن نقل المستثمرين السوريين أموالهم من لبنان إلى بلدان أخرى، فكان ذلك نتيجة لاصطدامهم بتطبيق نظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة عمليات تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، ما أدى لرفض المصارف في لبنان فتح حسابات مصرفية جديدة للسوريين بشكل عام، وذلك تنفيذاً لإجراءات المقاطعة الأميركية والأوروبية.
وفي الصدد ذاته، فقد اصطدم المستثمرون أيضاً بتطبيق قانون الامتثال الضريبي الأميركي، المعروف باسم الـ”فاتكا”، لاستيفاء الضرائب من الأميركيين أو الذين يحملون الإقامة في الولايات المتحدة ويقيمون في الخارج، الأمر الذي حمل بعض السوريين على نقل أموالهم من لبنان، ما أدى لتراجع حجم الودائع السورية.
هذا، وقُدّرت الودائع السورية في لبنان 16 مليار دولار قبل فترة الأزمة التي واجهت سورية، ويعدّ هذا الرقم من أصل 144 مليار دولار من حجم الودائع في البنوك اللبنانية، ومع بداية الأزمة السورية ارتفع رقم الودائع ورقم احتياطي “مصرف لبنان” بشكل خاص من 29 مليار إلى 37 مليار، رغم أنّ هذه الفترة شهدت انخفاضاً في واردات السياحة اللبنانية وضعف التحويلات من الخليج وأوروبا، ما يدل أنّ مصدرها سورية.
ولفتت المصادر إلى أنّ معظم الاقتصاديين يؤكدون أنَّ نسبة مرونة تأثير الاقتصاد السوري المباشرة على الاقتصاد اللبناني هي بحدود 20%، وهو ما يعني أنَّ انخفاض معدل النمو السوري 1% يقابله فوراً 0.2% من الجانب اللبناني، والنظام النقدي اللبناني لا يستطيع تحمل ودائع كبيرة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي لما سيكلفه من فوائد مالية عالية.
وعن الاستثمارات السورية في لبنان، أشارت المصادر إلى أنّ الاستثمارات السورية المباشرة في لبنان بقيت قليلة وضعيفة، فأغلبها ورشات ومطاعم صغيرة، وإنَّ هروب رؤوس الأموال السورية إلى لبنان لم يكن للاستثمار بل من أجل الأمان، وعودتها ممكنة إذا استرجعت سورية استقرارها.
وبما يخص العقارات في لبنان، أكدّت المصادر أنّ المال السوري أثر على سوق العقارات اللبنانية بشكل أساسي، فهناك واقع ديموغرافي تشكل مع وصول أعداد كبيرة من السوريين يملك معظمهم صلات قربى مع عائلات لبنانية، وهذا الأمر مُرشح للتطور وذلك من خلال الإقبال على شراء العقارات.
وأفادت المصادر أنّ ظاهرة الإقبال على شراء العقارات اللبنانية، شهدها لبنان منذ عشرات السنين عندما حصل التأميم في سورية وهجرت الرساميل دمشق إلى بيروت، وتركيز رؤوس الأموال السورية على الاستثمار في القطاع العقاري رفع الطلب المحلي، وزاد الأسعار في بعض المناطق خصوصاً في الشمال.
وأوضحت المصادر، أنّ المستثمرين توجهوا نحو سوق فاعلة من خلال استبدال الاستثمارات في المشاريع العقارية الضخمة بالاستثمار في مشاريع صغيرة تُجاري الطلب الحالي، إذ يضم السوق العقارية، القطاع السكني الذي يشهد نمواً متزايداً، القطاع التجاري الذي يشتمل على المكاتب والمساحات المخصصة لتجارة التجزئة والذي ينمو إنما بوتيرة أبطأ من القطاع السكني.
والواضح أنَّ عدد العمليات العقارية انخفض منذ بداية العام 2011 بنسبة 30% مقارنة مع الأعوام الخمسة الأخيرة، لكنه عاد وارتفع اعتباراً من شهر أيار من نفس العام.
وأكدّت المصادر أنّ الأزمة السورية أثرت بشكل جليّ على الواقع النقدي في لبنان، رغم أنّ حجم نقل الأموال السورية إليها لم تكن بحجم تلك التي نقلت إلى تركيا أو مصر، إلا أنّ العوامل الجغرافية والاقتصادية المتجانسة بين سورية ولبنان، لعبت دوراً جازماً في الأداء.
وفي الاتجاه ذاته، فإنّ الاستقرار السوري سيؤثر أيضاً على الإيداعات المصرفية في لبنان عموماً، كما أنّ إعمار سورية سيستخدم بشكل أساسي القطاع المصرفي اللبناني وفروعه في سورية، ما يدفع الخبراء إلى الحديث عن ضرورة تعزيز قوة المصارف اللبنانية في سورية رغم الأزمة التي تعيشها هذه المصارف.
وكان التداخل في العلاقات السورية اللبنانية، وعلى الأخصّ القطاع المصرفي، ساعد في تدفق المال السوري باتجاه لبنان منذ بداية الأزمة؛ “فرأسمال جبان” حسب تعبير كارل ماركس، ولكن انتقال الأموال لا يؤثر سلباً على الاقتصاد السوري، حيث أدى إلى تحول واضح في طبيعة الاستثمارات داخل لبنان، علماً أنّ هذا البلد يحوي ما يقارب 16 مليار دولار من ودائع السوريين وذلك وفق تقديرات 2010.
الجدير بالذكر، أنّ العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة منذ ثمانينات القرن الماضي تؤثر سلباً على أي استقطاب لأموال السوريين في الخارج التي يقدرها بعض الخبراء بما يتراوح بين 120 و180 مليار دولار، وهناك تقديرات تتحدث عن 80 إلى 100 مليار دولار، وهو رقم كبير مقارنة للودائع في المصارف السورية التي كانت تُقدّر بحوالي 26 مليار دولار.