شيئا فشيئا، جرت بلاد الإغريق جيرانها الأوروبيين، ومن خلفهم باقي العالم، إلى غرق اقتصادي.
فقبل أيام، حذر الدكتور جاسم المناعي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي من أن هناك خطراً مقبلاً على الاقتصاد العالمي، وهناك أيضاً أزمة جديدة ستكون تداعياتها قاسية على الأسواق العالمية إذا ما فشل الاتحاد الأوروبي خلال الشهر الجاري بالتوصل لحلول حاسمة بشأن أزمة ديون اليونان السيادية.
أكثر من عام مضى حتى الآن على ظهور مشكلة الديون السيادية لليونان، ولدول أوروبية أخرى، لكن الحل لا يزال غائباً، إن لم يكن مستحيلا. اليونان :بلاد الحكمة وبلاد سقراط، على حافة الإفلاس، إن لم تكن قد أفلست فعلاً.
يقول يانيس فاروفاكيس رئيس قسم الاقتصاد والعلوم بجامعة أثينا "لا يوجد أمل بأن يحقق برنامج التقشف والإصلاحات الاقتصادية الذي وضعته الحكومة حلا لأزمة الديون. وحتى لو حصلنا على حزمة الإنقاذ الأوروبية الجديدة، فستظل بلادنا تواجه خطر الإفلاس". نعم هذا صحيح. فليس هناك سبيل لإنقاذ بلاد الإغريق من خطر الغرق. ولكن كيف يغرق الإغريق؟.
الدائنون الدوليون يطالبون اليونان بخفض الحد الأدنى للأجور وبإلغاء مكافآت الموظفين وبتحرير أسواق العمل اليونانية إلى جانب تسريح أعداد كبيرة (عشرات الآلاف) من موظفي الدولة. وطبعا كل هذه الإجراءات ترقى إلى حالة انتحار اقتصادي بالنسبة لليونان. يأتي ذلك فيما تلقت أثينا (إلهة الحكمة والقوة و الحرب وحامية المدينة) تحذيراً حاداً من العاصمة الفرنسية باريس (تروي الأسطورة الإغريقية،أن الآلهة فينوس وجونو ومينيرفا، قد علمن بوجود تفاحة ذهبية مكتوب على جانبها (للأجمل) وكانت كل واحدة منهن تطمع في الحصول على تلك التفاحة. ولحسم الأمر تقرر أن يقضي بينهن رجل اسمه باريس. وحيث كن متساويات في جمالهن فان ذلك لم يساعد باريس على الحكم بينهين، حيث حاولت جونو استمالة باريس إلى جانبها بوعده أن تجعله رجلاً قوياً، وحاولت مينيرفا استمالته بوعده أن تجعله حكيماً، أما فينوس فعرضت عليه هيلين التي كانت أجمل امرأة في العالم. وهكذا، ولأنه كان متيماً بالجمال، فقد قضى باريس باختيار فينوس. لكن ولسوء الحظ كانت هيلين متزوجة من شخص آخر, ولما خطفها إلى بيتها في طروادة جاء زوجها ورجاله لإستعادتها حيث قتل باريس وجنوده ودمرت طروادة).
فباريس وبلسان الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي وضيفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أكدا أن الوقت ينفد أمام أثينا من أجل قبول شروط حزمة القروض الجديدة، وانه لن يكون هناك برنامج إنقاذ ثانٍ لأثينا، إلا إذا ضمنت القدرة على الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها المالية.
نعم لقد صار واضحاً، أن بلاد الإغريق، لن تحصل على أي قروض إنقاذ جديدة، مالم تلتزم بشروط الترويكا الدولية (صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي).
ومرة أخرى فان التزام أثينا بهذه الشروط هي بمثابة انتحار. فالمفوضية الأوروبية قالت هي الأخرى، أن الوقت يوشك على النفاد لإنقاذ اليونان من العجز عن سداد ديونها، بعد أن فشل ساستها في التوصل لاتفاق بشأن إجراءات التقشف التي يطالب بها الدائنون الدوليون مقابل تقديم المساعدة. كما أن أمادو ألتافاج، المتحدث باسم المفوض الأوروبي للشئون الاقتصادية قال "في الواقع، تجاوزت اليونان بالفعل المهلة للحصول على حزمة إنقاذ جديدة، وهي دولة عاشت كثيرا بما يتجاوز قدراتها المالية، والنتيجة الطبيعية لهذا الموقف لابد أن يكون الافلاس".
هناك استحقاق ديون على أثينا بقيمة 5 .14 مليار يورو (19 مليار دولار) يجب أن يدفع في 20 مارس/آذار المقبل . أما مجموع ديون اليونان للمؤسسات المالية العالمية فقد تجاوز عتبة 300 مليار يورو (413 مليار دولار). هو غرق الإغريق إذاً. المصدر: أريبيان بزنس