خاص B2B-SY | رؤى علي إسماعيل
لا شك أن ما تتعرض له أسواقنا بات أمراً منهكاً اقتصادياً مع تحوُّل التضخم إلى كابوس مرعب يهدّد لقمة عيش الكثيرين، فالحال اليوم اسوأ مما كان عليه إبان الحرب، وأكبر المتشائمين ما كان ليتوقع كل ضيق الحال هذا.. الارتفاعات المتسارعة للأسعار في سورية لم تعد يومية بل لحظية ولا شيء يقابلها سوى ترهل حكومي يفتقر لدراسة استهلاك أو خطط مستقبلية، ما جعل الأوضاع المعيشية لأصحاب الدخل المحدود تزداد سوءا مع مضي كل يوم واقتراب كل غد.
مطالب السوريون واستنجادهم بحكومتهم ذهب مهب الريح.. طبعاً، فـ «شماعة» العقوبات الدولية حاضرة دوماً على لسان المسؤولين والتجار وهو ما ينفيه الخبراء الاقتصاديون حين أكدوا أن إجراءات الحكومة لها المسؤولية الأكبر لما آلت إليه الأمور، وأن سوء الإدارة يوحي بفقدان الأمل بإيجاد الحلول.
لقد بات غالبية المواطنين «لا حول لهم ولا قوة» وسط انهيار قوّتهم الشرائية مقارنة بهشاشة قيمة رواتبهم ومداخيلهم التي هي أضعف من أن تتصارع على «حلبة القوة» مع حاجاتهم الاساسية، فهي بلا أي شك خاسرة بـ «الضربة القاضية».. فأي موظف يستطيع اليوم في سورية أن يلبي براتبه الحاجات اليومية الاساسية للاستمرار من مأكل وملبس، من قارورة غاز أو بضع ليترات من المازوت أو حتى تكاليف المواصلات أو شراء البنزين لمن استطاع إليه سبيلا ..! هي حالة اصطلح على تسميتها وبالإجماع «بالكارثة» والتي على ما يبدو عصية على الحل!
وليزداد السوء سوءاً، تقرر رفع الدعم التدريجي عن بعض المواد المدعومة عبر رفع أسعارها بطرق قاسية ومفاجئة، ما يرفع منسوب التدهور في اقتصاد يعاني داء التضخم، ومن عوارضه ما يظهر جلياً على المواطنين بصورة سلبية، وها هو التضخم يزداد.. فما الذي يحصل.. وإلى أين تتجه الأمور.. وهل هناك من حلول.. جميعها أسئلة تدور في ذهن المواطن.
وبدورنا، نقلنا تلك الأسئلة للخبير المصرفي والاقتصادي عامر شهدا فأوضح في تصريح خاص لموقع «بزنس 2بزنس» أن موضوع التضخم بسوق الاقتصاد السوري تعمقت أثاره بين عامي 2021 و2022 حيث خسرت الليرة 80 بالمئة من قيمتها، وإذا ما تمت مقارنتها بالأعوام السابقة نجد أن الليرة خسرت أيضا بنسب أقل تتراوح من 10_30 بالمئة منذ عام 2015 وحتى 2019 مرجعاً سبب ارتفاع نسبة التضخم خلال العام الفائت والحالي إلى قرار رفع الدعم وضرب الليرة السورية.
شهدا أكد أن الأثار السلبية التي نتجت عن رفع الدعم سببها عدم وجود سياسة تسبق القرار، موضحاً أن أي دولة تقرر رفع الدعم عن بعض السلع والمواد الأساسية يفترض أن يكون لديها خطة واضحة ومسبقة تتضمن آلية محددة لتعويض -ولو بشكل مؤقت- بعض شرائح المجتمع من آثار القرار وهذا ما لم تفعله الحكومة في سورية، بحسب تعبيره.
وبالإضافة إلى ذلك، شدد شهدا على مدى أهمية أن يكون هناك وفرة في الموازنة العامة من أجل تحقيق التوازن في معدلات الرواتب والأجور، وهو ما يتعارض أيضاً مع القرار الحكومي في سورية حيث تم رفع الدعم في الوقت الذي كانت فيه الموازنة لا تزال تعاني من عجز كبير.
وما بين رفع نسبة الرواتب أو خفض الأسعار في السوق المحلي، أوضح شهدا أن رفع الدخل يؤدي لرفع الطلب في الأسواق وبالتالي رفع عجلة الإنتاج ما يساهم في توفير المواد وخلق توازن ما بين العرض والطلب محلياً وبالتالي تشجيع التصدير وبأسعار منافسة لتمكن تلك الأسعار من رفع قدرة المصدرين على التصدير وما ينتج عنه من تأمين موارد قطع أجنبي للخزينة العامة.
وفي ظل القرارات الحكومية الأخيرة التي ساهمت برفع تكلفة الإنتاج يرى شهدا أنه من المناسب رفع الأجور والرواتب ولو أدى ذلك إلى زيادة التضخم مبيناً أن الاقتصاد سيمر بمرحلة تضخم قوية جداً على أثر زيادة الأجور لكنها لن تدوم أكثر من 6 أشهر حتى نعود ونشعر بتراجع هذا التضخم وتحسن الاقتصاد تدريجيا بدفع من ارتفاع الطلب الكلي في السوق ودوران عجلة الإنتاج.
في المقابل، لفت شهدا إلى ضرورة وجود نظام عمل من أجل امتصاص العمالة وتخفيض نسبة العاطلين عن العمل وأن تكون الحكومة جاهزة لرفد نظام التأمين الاجتماعي بكتلة نقدية من أجل مساهمته في العمليات الاجتماعية في ظل موازنة تعاني من عجز كبير والبدء بمشروعات كبيرة- ولو كانت غير منتجة- وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد من الأيدي العاملة.
وبالتالي لو تمت دراسة كل الأمور والإجراءات التي تم ذكرها سابقا بوجود وفورات بالموازنة ورفع للأجور لما آلت الأمور إلى ما وصلت إليه، بحسب شهدا، إلا أن تلك الإجراءات لم تكن ضمن خطة الحكومة ما يكشف عن عدم وجود آلية متبعة سبقت إلغاء الدعم لذلك نرى اليوم أن الاقتصاد السوري يدفع ثمن تغييب هذه السياسة وهذه الإجراءات.
وبينما يجري الحديث بشكل دائم عن العقوبات كسبب رئيسي للمشاكل الاقتصادية وارتفاع الأسعار تحديدا، اعتبر شهدا أن فرض العقوبات يؤثر بنسبة 30 في المئة فقط على الاقتصاد السوري مفسراً أننا في سورية اليوم نملك مقومات ولدينا بدائل وما وصلنا إليه سببه سوء الإدارة بنسبة 70 بالمئة والتقوقع بقوقعة نمطية تفكير تقليدية غير قادرة على التفكير خارج الصندوق.