في مشهد يعكس تداعيات الأحداث التي تعصف بالسودان، يقف صبية بأعمار متفاوتة يحملون "قنينات" معبأة بالوقود وهم يلوحون بها على المارة من سائقي المركبات في أنحاء متفرقة من العاصمة الخرطوم، الأمر يفيد إلى نشوء سوق تقليدية سوداء للمواد البترولية بعد إغلاق محطات الخدمة الرسمية بسبب المواجهات العسكرية الدائرة.
وبحسب ما نشره " سكاي نيوز عربية" فإن أصحاب السيارات يضطرون إلى مواصلة سيرهم دون شراء بعد أن تصدمهم الأسعار المحددة للبيع، إذ يبلغ سعر القنينة سعة 2 لتر من البنزين 12 ألف جنيه سوداني وبذلك يصل سعر الغالون 24 ألف جنيه سوداني ما يعادل نحو 41 دولاراً أميركيا، بنسبة ارتفاع تصل لأكثر من 1000% وهي أسعار خرافية مقارنة بأسعار البيع في محطات الخدمة قبل اندلاع الأحداث والتي كان فيها لتر البنزين في حدود 528 جنيهاً، أي أقل من واحد دولار.
هذا وأغُلقت محطات خدمة بيع المواد البترولية تماماً خشية التعرض للإتلاف، لكن الوقود ظل يتسرب بشكل ملحوظ إلى السوق السوداء.
وتشير مصادر محلية مقربة إلى أن المتاجرين تربطهم صلة ببعض العاملين في محطات الخدمة البترولية يقومون بمدهم بمادتي البنزين والغازولين ليلا لبيعها في السوق السوداء.
مبالغ طائلة
ولم تكن تجارة الوقود بـ"القنينات" بالأمر الجديد فهي نشأت إبان الأزمة الحادة في المواد البترولية التي شهدها السودان خلال السنتين الماضيتين قبل أن تتوقف مع زوال الأزمة وتعود مجدداً مع اندلاع المواجهات العسكرية الحالية.
ويقول المواطن الصادق فضل، إنه ظل يتنقل إلى عدد من المواقع في الخرطوم بحثاً عن وقود لسيارته ووجد أن كافة المحطات متوقفة، واصطدم بغلاء سعر البنزين في السوق السوداء، حيث يتراوح سعر الغالون بين 24 ألف جنيه وحتى 30 ألف، مما يعني أن ملء خزان سيارته الصغيرة يحتاج إلى 300 ألف جنيه (نحو 500 دولار).
وألقت أزمة الوقود بظلالها على خدمات النقل المختلفة في ظل رغبة الآلاف من سكان العاصمة الخرطوم السفر إلى الأقاليم فراراً من الأحداث الدائرة في العاصمة الخرطوم ، إذ ارتفعت قيمة التذاكر السفرية بشكل خرافي يفوق طاقة غالبية السكان، خاصة الشرائح الضعيفة ومحدودي الدخل.
جحيم التذاكر
وبحسب آدم إسحاق – أحد العاملين في ميناء السوق الشعبي بمدينة أم درمان، فإن سعر تذكرة السفر إلى ولايات دارفور وبورتسودان تتراوح بين 120 – 150 ألف جنيه سوداني، وإلى كسلا شرقي البلاد 85 ألف جنيه. كما بلغت تذكرة المناطق القريبة نسبيا من العاصمة مثل مدينة مدني بولاية الجزيرة والأبيض في شمال كردفان نحو 30 ألف جنيه، وهي زيادات كبيرة يصل متوسط نسبتها 140 في المئة، عن الأسعار التي كانت سائدة قبل اندلاع الأحداث.
ويشير إسحاق الذي تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن سبب ارتفاع أسعار التذاكر هو أن الباصات والمركبات السفرية تحصل على الوقود من السوق السوداء وبأسعار عالية، مما دفعها إلى رفع قيمة النقل حتى لا يتعرض أصحابها لخسائر مالية.
وأضاف: "رغم هذه الزيادات يضطر كثير من المواطنين للبقاء في الموانئ البرية ساعات وأيام حتى يتمكنوا من الحصول على مقاعد شاغرة ويسافرون". ولم تتوقف تداعيات الوقود عند المغادرين إلى الولايات، لكنها أثرت على عمليات التنقل داخل العاصمة الخرطوم كذلك، إذ ضاعف سائقو سيارات الأجرة قيمة رحلاتهم، كما زاد أصحاب المركبات العامة الذين ينشطون في نقل الركاب في المناطق الآمنة، قيمة التذكرة بنسبة تفوق الـ100 في المئة.
ويقول الشفيع أحمد – مواطن في أم درمان لموقع "سكاي نيوز عربية": "ارتفعت قيمة تذاكر المواصلات العامة بصورة مبالغة، نعتقد أن هناك جشعا كبيرا من أصحاب المركبات واستغلالا للمواطنين في محنتهم الحالية، وذلك بسبب غياب الرقابة الرسمية.
لم نتمكن حتى الذهاب إلى الأسواق القريبة لأن الأمر مكلف للغاية، لقد صرنا سجناء بسبب المواجهات العسكرية وغلاء المواصلات".