انتظرنا مؤخراً أن يصدر مصرف سورية المركزي عدداً من الإجراءات النقدية بعد أن أطلق السيد حاكم المصرف تصريحات نارية توعّد فيها المضاربين على الليرة في السوق السوداء بمفاجأة غير سارة.
لكن الانتظار باء بالفشل ولم تترجم التصريحات أفعالاً وإجراءات، ولم يرشح سوى دعوة رئيس جمعية الصاغة بدمشق لتغيير العملة داعماً دعوته بأنها سوف تؤدي إلى رفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بمقدار 30 ليرة، وهذا الأمر رفضه واستهجنه عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين رأوا في هذه الخطوة أمراً مستبعداً نظراً لنتائجها السلبية.
لا يمكن تبديل العملة
أوضح أحد الخبراء الاقتصاديين لصحيفة "تشرين" رافضاَ الإفصاح عن اسمه أن بعض الدول تجد نفسها مضطرة لإلغاء العملة السابقة فقط عندما ينهار النقد، وذلك مقابل عملة تستحوذ ثقة الناس ويكون لها دور نقدي أفضل.
وفي التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الأولى كان لدينا ثلاثة أمثلة فقط لاستبدال العملة:
- -عندما انهار الفرنك الفرنسي حيث حذفوا عدة أصفار من العملة وذلك في إطار الإصلاح النقدي الذي أجراه «ديغول» عندما ترأس الجمهورية الفرنسية.
- وفي تركيا بعد أن كانت كل عشر ليرات تساوي دولاراً في الستينيات من القرن الماضي أصبحت كل مليون ليرة تركية تساوي دولاراً بعد أن انهارت الليرة ما اضطرهم لإلغاء ستة أصفار وأصبح كل مليون ليرة يساوي ليرة واحدة وأصبح الدولار مساوياً لـ1.40 ليرة تركية.
وأضاف الخبير الاقتصادي: إن هذه الظاهرة أجراها الرئيس الراحل معمر القذافي في ليبيا وفشلت عندما انهار الدينار الليبي وكان هناك فرق كبير بين السعر الرسمي للدينار وسعره في السوق السوداء.
مؤكداً أن تغيير العملة هو حكم إعدام على العملة السابقة ولم يجرِ هذا الأمر مؤخراً إلا في أوروبا عندما تم تحويل العملات الوطنية إلى يورو في عام 2000.. ورغم أن «البنكنوت» كانت يومها ضئيلة في أيدي الناس حيث كانت تتركز 75% من الكتلة النقدية في المصارف والحسابات البنكية مع ذلك استغرق استبدال العملات عاماً وثلاثة أشهر حيث تقلب الحسابات في المصارف أوتوماتيكياً..
ورأى الخبير في اقتراح تبديل العملة بأنه مجرد «تهيؤات» لأن الاستبدال سيؤدي لهزّ الثقة بالنقد السوري متسائلاً: إن كان فكّر هؤلاء الناس بما يعنيه «إعدام» الليرات السورية على صعيد احترام النقد الوطني والثقة به؟.
ورأى أنه على العكس عندما تقوم دولة ما بتغيير عملتها فهذا سيحطّ من قيمة العملة، وتمنى التخفيف من التصريحات غير المدروسة وغير المتزنة وخاصة من بعض السلطات النقدية..
وأردف أن هبوط النقد بأقل من قيمته الحقيقية (كأن يكون 30 ليرة مقابل الدولار) يجعل التصدير والصادرات مستحيلة وينعكس سلباً على المدينين الذين يسترجعون ديونهم بأقل من قيمتها.
ورأى أنه من الضروري اتخاذ إجراءات أخرى تتصل بالكتلة النقدية وإجراءات على الصعيد المالي تتصل بعجز الموازنة والعودة لفترة انتقالية بتقنين المواد الأمر الذي اتبعته إنكلترا عندما قامت بتقنين المواد في الحرب العالمية الثانية، ومراقبة حركة العملة ومنع التحويلات، ولابد من المجيء بقيادة للسياسة النقدية تستحوذ على ثقة المواطنين.
ضمان قيمة النقد
الدكتور أكرم حوراني الأستاذ في كلية الاقتصاد والتجارة بجامعة دمشق رأى أن اقتراح تغيير النقد هو أمر غير معقول.. فالنقد هو تعبير عن سيادة الدولة ولا مجال أبداً لهذه الخطوة.. وأضاف: إن الدولة التي قامت بإصدار النقد مسؤولة عن ضمان قيمته بموجب القانون الذي تم وفقه إصدار هذا النقد.
ولا يمكن للحكومة أن تقلص من التزاماتها التي قامت بها عندما أصدرت هذه العملة.. لكن تغيير العملة أمر غير منطقي.
وأضاف الحوراني: إن من مهمة المصرف المركزي التدخل في سعر الصرف لكن المشكلة أن السياسات النقدية تتخبط منذ بداية الأزمة ما أعطى عدم ثقة للمتعاملين والتجار، وعلى حاكم مصرف سورية المركزي أن يهدئ الأوضاع لا أن يقوم بالتهديد، وأن يقوم بطرح الدولارات عبر المصارف.
ثقة بالإمكانيات
أبو الهدى اللحام عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق رأى أنه بعيداً عن الاقتراحات التي لا تفيد، من الممكن أن تعطي الإدارة النقدية انطباعاً بأن لديها إمكانيات لتلبية الطلب في السوق على العملة ما يؤدي إلى وجود ثقة لدى الناس ولدى التجار على حدّ سواء، وركّز على ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر واقعية وفعالية مما يطرح «جزافاً».