في تطور لافت لا يخلو من دلالات اقتصادية وسياسية عميقة تؤسس لنظام اقتصادي عالمي جديد،بدأت الدول الصاعدة ترفع أصواتها لقيادة الاقتصاد العالمي من خلال محاولة كسر «التقاليد الدارجة» لسنوات طويلة المتمثلة بهيمنة الولايات المتحدة وأوروبا على رئاسة البنك وصندوق النقد الدوليين ..فهل ستفلح هذه الجهود وتحقق انعطافا عالميا غير مسبوق؟ أم أن الغرب لن يسمح بمثل هذه الخطوات وسيشكل حاجزا قويا يمنع اقتحام آخر معاقله ؟
فقد كشف مسؤولون بدول «البريكس» أن المجموعة ستناقش إمكانية التقدم بمرشح مشترك لرئاسة البنك الدولي خلفا لروبرت زوليك الذي تنتهي ولايته حزيران المقبل،وأعربت المجموعة عن رفضها التقليد المتبع القاضي بانتخاب شخصية أميركية لشغل أعلى منصب بالمؤسسة المالية الدولية. واتفق وزراء مالية البريكس على فتح مجال التنافس على منصب رئيس البنك الدولي أمام كافة الدول، مؤكدين أن الترشح للمنصب يجب أن يتم على أساس الكفاءة وليس الجنسية .
ويأتي كلام تكتل «البريكس»على هامش اجتماعات مجموعة العشرين ,التي عقدت مؤخرا بالعاصمة مكسيكو سيتي، متزامنا مع موعد الترشيح لهذا المنصب حيث أمام الدول فرصة حتى 23 آذار الحالي للتقدم بمرشحيها لرئاسة البنك الدولي، ويتوقع أن يتم اختيار رئيس جديد باجتماعات البنك وصندوق النقد الدولي خلال نيسان المقبل.
وقال وزير مالية جنوب أفريقيا برافين جوردهان حان الوقت لكسر التقليد المتبع بأن تتولى الولايات المتحدة وأوروبا الرئاستين (رئاسة البنك وصندوق النقد) ونحاول جاهدين في الوقت الحالي إيجاد توافق بهذا الشأن».
وقد شغل أميركيون رئاسة البنك الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ضمن تفاهم غير معلن بين واشنطن وأوروبا، إلا أنه جوبه في السنين الأخيرة ببعض المعارضة من الاقتصاديات الناشئة التي تطالب بدور أكبر في المؤسستين الماليتين العالميتين.
قيادة العالم
ورغم أن دول البريكس التي تضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا, لا تشكل تحالفا سياسيا على غرار الاتحاد الأوروبي, لكنها تنسق سياساتها التجارية والاقتصادية بفعالية مؤثرة ويتوقع لها أن تلعب دوراً بارزاً في السنوات القادمة ويمكن أن تنضم بعضها إلى مجموعة الدول الصناعية الكبرى نظراً لثقلها الاقتصادي .
و انطلقت المجموعة عام 2008 وفي العام التالي عقد زعماؤها أول قمة لهم في روسيا ودعوا في ختام اجتماعهم إلى إقامة نظام عالمي عادل وديمقراطي ومتعدد ثم توالت الاجتماعات في عواصم هذه الدول لتشكل تكتلا قويا ومتماسكا .
وتحتل مساحة دول البريكس اليوم حوالي 30 % من مساحة العالم ويشكل عدد سكانها 42 % منه, ويفوق إجمالي اقتصادها اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وسيتجاوزه عام 2020 وبالنتيجة تعتبر هذه الدول من أكبر الاقتصاديات الناشئة مما يرشحها بقوة لقيادة العالم عام 2050 .
ويتوقع في غضون السنوات العشر المقبلة أن تعيد هذه الدول هيكلة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الدولية, وفي تلك الفترة سيكون من الصعب أن ترتد قوتها إلى الوراء ويشكل هذا الصعود الاقتصادي أخباراً «سارة للعالم لوضع نظام اقتصادي أكثر عدلاً ومعقولية بيد أن النظام الاقتصادي الجديد المرتقب لا يمكن أن يحل محل النظام الراهن ما بين عشية وضحاها» .
ومما يسرع من أهمية هذه الدول هو الأزمة الاقتصادية العالمية التي تمر بها أوربا ومن خلفها أمريكا وقد اتفقت دول «البريكس» في آخر قمة لها على تعزيز إصلاح النظام النقدي والمالي الدولي القائم وتنويع نظام عملة الاحتياط الدولي الذي يسيطر عليه حالياً الدولار الأمريكي, كما خرجت بخطط عمل لمراجعة المشروعات التعاونية القائمة وتعميق التعاون المستقبلي بين دول المجموعة.
حاجز وقائي
ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى دعوات غربية «تحفظ» التفوق الاقتصادي الغربي على ماعداه من تجمعات اقتصادية أخرى, على غرار البريكس, فقد دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية,الدول الصناعية إلى التعاون لإنشاء حاجز مالي ضخم يستخدم آلية لدرء الأزمات المالية, لتكون دول المنظمة في منأى عن الحاجة لأموال الإنقاذ «القادمة من آسيا» .
«خوزيه أنغيل غوريا» قال أمام اجتماع في مكسيكو سيتي لمعهد المالية الدولي الذي يضم أكثر من 450 مصرفا ومؤسسة مالية وشركة تأمين عالمية, إن هناك حاجة لبناء أكبر حاجز مالي حتى لو جاء ذلك متأخرا.
وأكد «غوريا» أنه كلما كان الحاجز أكبر قلت الحاجة إلى استخدامه، مشيرا إلى أن كلفة التراخي في اتخاذ قرار ستكون باهظة وأن هناك ضرورة لاتخاذ قرار سياسي لتنفيذ مثل هذه الخطة.
وقال إنه ليس لديه تصور حول مبلغ محدد لكنه أشار إلى أن هناك حاجة إلى نحو 1.5 تريليون دولار من الأموال الأوروبية وأموال صندوق النقد الدولي لاستعادة الثقة.
المصدر: وكالات