عندما بدأ الإنتاج وتجميع السيارات في سورية كان لابد من التساؤل إلى أين نريد أن نصل في هذا القطاع؟ وما الفوائد الحقيقية للاقتصاد من هذه الصناعة النوعية؟،
ولكن نجد أن هذا الأمر لم يكتمل حتى الآن, فمثلاً يجب تحديد ما السيارة التي نريد إنتاجها؟ وهل نريد أن يبقى إنتاجنا للسوق السورية فقط أم نريد التصدير إلى الأسواق العربية والأجنبية؟ وتالياً، ما الميزة النسبية التي تؤهلنا للمنافسة وفي أي مرحلة يجب أن ننتقل إلى التصدير؟.
الأسئلة السابقة وضع أجوبتها تقرير صادر عن مركز الدراسات الاقتصادية في غرفة تجارة دمشق بعد أن أعده المحلل الاقتصادي محمد عثمان، إذ حدد التقرير المطلوب لوضع الأسس الراسخة لصناعة مزدهرة للسيارات في سورية وبدأ أولاً بتحديد مواصفات السيارة التي يجب إنتاجها في هذه المرحلة لتتلاءم مع حاجات السوق والقوة الشرائية للمستهلك والإمكانات الصناعية في سورية.
إذ تحوي سورية صناعة تجميع السيارات، وهي تلبي جزءاً من حاجات السوق المحلية فقط ولم تحقق حتى الآن نتائج كبيرة على صعيد أسواق التصدير، فضلاً عن أنها تتعرض لمنافسة قوية من جانب السيارات المستوردة، فهناك حالياً أربعة معامل لتجميع السيارات.. طبعاً، إن دخول سورية هذا المجال لابد من أن يترافق مع تطوير في مختلف نواحي البنية التحتية اللازمة لنجاح هذه الصناعة ولاسيما أن الإحصاءات تشير إلى أن سورية تستورد حوالي 75 ألف سيارة كل سنة وسطياً من مختلف الأصناف بقيمة تقريبية حوالي (600 مليون دولار أمريكي) وهذا يدل على أننا نتحدث عن صناعة إستراتيجية ببعدها المحلي (إن لم نتحدث عن التصدير)، وبناء عليه، يجب على الحكومة وضع استراتيجية واضحة لهذه الصناعة لضمان استمرارها ونجاحها.
لكن نجاح هذه الصناعة- حسب التقرير - يتوقف على معالجة عدد من نقاط الضعف التي تعانيها هذه السوق أهمها:
- عدد فرص العمل التي تم تحقيقها يكاد يكون مهملاً، وتالياً فالقيمة المضافة المحلية ضعيفة.
- التقنيات التي يستخدمها المصنعون في عملية التجميع قديمة ولا تتلاءم مع متطلبات المنافسة، وهذا الأمر غير مقبول في صناعة السيارات شديدة التنافسية.
- لا يوجد ما يشير إلى تحقيق بعض النماذج المختارة لمعايير السلامة والأداء في المحيط الإقليمي (دول الخليج وبعض الدول الأوروبية)، ما يجعل الاستهداف للسوق المحلية فقط.
- الاتجاه لزيادة القيمة المضافة المحلية لا يقع في سياق جدوى واضحة لهذه الاستثمارات، لأننا لا نتمتع بخيارات واضحة لاستخدام المكونات نفسها في نماذج متعددة وربما يمكن تعويض ذلك بشفافية أكبر حول استخدام المكونات في سوق قطع الغيار المحلي.
- لا يوجد أي اهتمام بنقل المعرفة رغم أن تحويل جزء من الاستثمارات لنقل المعرفة هو الحد الأدنى الذي يسمح بعدّ هذه الصناعة (محلية).
- عدم وجود قانون خاص بتصنيع السيارات، إضافة إلى الغياب الكلي لنسبة التصنيع المحلية، والتي من دونها لن تتمكن السيارة السورية من الخروج إلى الأسواق العربية فضلاً عن العالمية، والتي تشترط تحقيق نسبة 40% كمنشأ محلي لتدخل البضاعة ضمن الاتفاقيات.
التجارة الخارجية
وأشار التقرير إلى أن مساهمة قطاع المركبات ولوازمها على نحو نشط وفعال في حركة التجارة السورية بشقيها (الصادرات والمستوردات)، يحقق من خلال حركة استيراد وتصدير المركبات دوراً مهماً في زيادة معدلات التجارة الخارجية السورية ورفع وتيرة نموها وانفتاحها على الأسواق العالمية، إذ بلغت قيمة المستوردات السورية في عام 2011 حوالي 650 مليون دولار أي حوالي 32 مليار ليرة سورية، من عدة دول أهمها: (ألمانيا, بريطانيا, اليابان, كوريا الجنوبية, ايطاليا, فرنسا, السويد, أمريكا, الصين, تايلاند).
فيما بلغت قيمة الصادرات السورية من لوازم وقطع غيار السيارات نحو (542.031) مليون ليرة سورية، وتصدر لعدد من الدول أهمها: (ليبيا, الإمارات العربية المتحدة, السعودية, السودان, اليمن, الجزائر, العراق, الكويت, مصر, سورية, سلطنة عمان).
لكن نجد أن سوق السيارات شهد خلال العام الماضي تباطؤاً في حركة البيع، إذ ألقت الأزمة الأخيرة بظلالها على الاقتصاد الوطني ومنه سوق السيارات إضافة إلى تأثير الأزمة المالية العالمية، نتيجة عدد من الأسباب منها:
- ارتفاع أسعار النفط العالمية وسعر اليورو الذي نتج عنه ارتفاع في الأسعار العالمية للسلع ولاسيما المستوردة منها، ما أدى إلى ضعف القوة الشرائية لدى الأغلبية العظمى من المواطنين، و عزوف عدد كبير منهم عن الشراء.
- تشدد البنوك في منح القروض, والذي يعد عائقاً كبيراً أمام تجار السيارات، ولاسيما أن الأغلبية العظمى من المواطنين تعتمد في تمويل شراء سياراتها على القروض البنكية، التي تعد من أهم المحفزات لنشاط سوق السيارات.
90% تراجع السوق
وأكدت دراسة خاصة أن حجم المبيعات الإجمالي تراجع في السوق بنحو 90% وكان ذلك على ضوء عدة عوامل:
ـ تمركز أهم أسواق السيارات في دمشق وريفها في عدد من المناطق /حرستا ـ القابون -الحجر الأسود/ إضافة إلى أسواق بعض المحافظات والتي مرت بالظروف نفسها: حمص ـ حماة ـ درعا.
أول مرة في سورية.. تقرير يوصّف حالة سوق السيارات بناء على معطيات ميدانية
وأشارت الدراسة إلى أن تجار السيارات يعتمدون على نحو كبير على هذه الأسواق الثلاث لتصريف بضاعتهم لأن أغلبية الزبائن في هذه المناطق تعمل في مهن زراعية وتنتظر موسم جني المحصول والحصاد مع أواخر الصيف لشراء السيارة.
ـ توقف معظم البنوك عن منح قروض السيارات بحجة أنها لا تضمن تحصيل أموالها من المقترضين في حال تفاقمت الأوضاع الداخلية واستمر عدد قليل منها في منح هذه القروض بشروط أصعب إضافة إلى قلة من شركات بيع السيارات والوكالات التي تقوم ذاتياً بمنح قروض شراء السيارات لزبائنها... وهذا وحده كفيل بعرقلة 90% من حجم المبيعات.
ـ أدى تراجع سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وتحديداً الدولار الأمريكي من 49 ليرة إلى 59 ليرة وفق أسعار الصرف التي يعلنها مصرف سورية المركزي يومياً إلى زيادة إضافية في أسعار السيارات.
وأوضح التقرير أن تسديد قيمة أي زيادة حصلت في أسعار السيارات كان من جيب المستهلك لأن التاجر أو الوكيل سيضيف النفقات التي تكبدها في استيراد السيارة سواء أكانت من ارتفاع سعر صرف الدولار أم زيادة قيمة الجمارك والرفاه إلى سعر بيع السيارة النهائي.
سباق المبيعات الورقية والمالية
وبالعودة إلى بيانات وزارة النقل نجد أن عدد المركبات المسجلة في سورية حتى نهاية عام 2010 بلغ 2051978 مركبة، منها 1501301 مركبة تعمل على البنزين، و550676 سيارة على المازوت.
مقترحات
ووضع التقرير عدداً من النتائج والتوصيات لتحسين واقع سوق السيارات وصناعتها محلياً، يمكن إجمالها بالآتي:
- تعدد الضرائب والرسوم المفروضة على استيراد وبيع السيارات إلى درجة تكاد تتفرد بها السوق السورية عن بقية أسواق السيارات في العالم.
- غياب وجود قاعدة بيانات أو معلومات تعطي صورة دقيقة وحقيقية عن سوق السيارات المحلية وحركتها، فالأرقام التي تعلن سنوياً عن عدد المركبات المسجلة في البلاد متضاربة في بعض الأحيان ولا توضح في كل الأحيان أنواع أو أسماء أو حتى فئات السيارات السياحية المسجلة حديثاً أو سعات محركاتها عدا عن اختلاف الأرقام المعلنة من سنة لأخرى. وتمكن في هذا الصدد الاستعانة بالتجربة المصرية -مجلس معلومات سوق السيارات المصري.
- يساهم الوكلاء وشركات السيارات في ضبابية السوق لرفضهم الإعلان عن أرقام مبيعاتهم بحجة صعوبة ضبطها، وهذه سابقة تتفرد بها سوق السيارات في سورية عن بقية العالم والتي تعلن أرقام المبيعات ولكل الطرازات دورياً.
- تباين نسبة الأرباح لدى الوكالات والشركات لعدم وجود جهة تضبط هامش الربح، ووفق دراسة أجرتها جهة خاصة ولاسيما تبين وجود تباين كبير في أسعار بعض الطرازات ذات المميزات والصفات المتماثلة بين وكالة وأخرى عدا عن الفارق الواضح الذي يسجله سعر طراز معين في سورية عن سعره في الأسواق المجاورة مع احتساب الزيادة الناتجة عن الرسوم والضرائب.
- ضعف التسهيلات والحوافز المقدمة لإنشاء صناعة سيارات وطنية سواء من حيث غياب البيئة القانونية والتشريعية المشجعة أو تفضيل المنتج الوطني على المستورد، ما يجعل هذه الصناعة رغم توافر الإمكانات والسوق المتعطشة أضعف من أن تنافس الطرازات المستوردة من جهة السعر أو الجودة.
- عملياً، السوق السورية متعطشة جداً للسيارات السياحية فحسب الأرقام والإحصاءات نجد أن لكل 1000 مواطن 28 سيارة سياحية فقط، بينما في دول مجاورة كالأردن يبلغ الرقم 102 سيارة سياحية لكل ألف شخص، أما في الدول المتقدمة كإيطاليا مثلاً، فإن الرقم يصل إلى 596 سيارة للعدد نفسه من الأشخاص.
- الحاجة كبيرة للسيارات لكن الرسوم والظروف تجعل العرض بعيداً كلياً عن طموح وأحلام الطلب.
- تعزيز مستوى الوعي والإرشاد للمقبلين على بدء نشاط تجاري معين، عن طريق إنشاء وتنفيذ آلية مرنة و فعالة تقدم النصح و المشورة من خلال غرف التجارة، قبل بدء التاجر في إجراءات تسجيل نشاطه, للاطلاع على المعلومات والإحصاءات المتوفرة عن طبيعة القطاع المنوي العمل فيه، ومن ثم التنسيق مع ممثل القطاع التجاري المعني في هذه الغرف لأخذ النصح و المشورة بشأن جدوى تأسيس نشاط تجاري جديد ضمن هذا القطاع.
- صدور القرارات الحكومية على نحو متسرع ومتناقض أحياناً ومن دون دراسة واستشارة العاملين والمتأثرين بهذا القطاع.
- ضرورة قيام الجهات الحكومية المختصة بوضع حد أعلى لعمر السيارات المستوردة, وعلى نحو يضمن ألا يزيد عن ثلاث سنوات من تاريخ صنعها.
- ضرورة قيام الجهات الحكومية المختصة بتخفيض وتوحيد التعرفة الجمركية المفروضة على قطع غيار السيارات و لوازمها .
- تعزيز قدرات موظفي الجمارك و تأهيلهم و تدريبهم على نحو متقدم (ولاسيما العاملين في المعابر الجمركية) فيما يتعلق بجميع اللوائح و التشريعات الجمركية و طرق التخمين المتقدمة، والتركيز على تطوير معرفتهم في مجال تصنيف السلع ضمن فئات تعرفتها الجمركية الصحيحة، ولاسيمافي مجال السلع المتعددة و الدقيقة كقطع الغيار و غيرها.