يتوقع معظم الاقتصاديين ورجال الأعمال والمصرفيون انخفاض سعر صرف الدولار إلى 80 ليرة اعتباراً من اليوم.. معولين آمالهم على قرار مصرف سورية المركزي الأخير وتأكيده أن التدخل في السوق سيكون حقيقياً لمصلحة الليرة والاقتصاد بالدرجة الأولى.
وأشارت صحيفة تشرين حسب تقريرها الصادر "أن المراقب للسياسات النقدية والقرارات المالية التي صدرت خلال الشهور الماضية لا يجد في هذا التفاؤل أمراً واقعاً ليس لأن المركزي غير قادر على تحويل هذه القرارات إلى مفاعيل قوية تلجم صعود الدولار وتشد من عزيمة الليرة نحو الاستقرار.. بل لأسباب أخرى نذكرها لاحقاً..
نعم استقرار الليرة.. تلك العبارة التي طالما رددها حاكم مصرف سورية المركزي خلال العام المنصرم دون أن تكون له اليد الطولى في تحقيق هذا الاستقرار لأن أمرها كان متروكاً للعرض والطلب ونيات بعض شركات الصرافة التي لم تعرف بعد أساليب خيانة العملة الوطنية والتوجه إلى بعض المحتكرين والمصارف المعادية التي باتت تدفع دون حساب من أجل احتكار أكبر قدر ممكن من الدولارات وربما تهريبها إلى بلدان الحقد الأعمى والعداء الواضح لسورية وشعبها واقتصادها.
وبالعودة إلى تصريحات حاكم المركزي السابقة نلاحظ أن معظمها ركز على تحقيق التوازن بين عرض الدولار وطلبه في السوق وبناء على هذا الإجراء اليومي للمصرف حافظت الليرة على استقرارها المعهود طوال سنوات تحت 50 ليرة مقابل الدولار وفق السعر الرسمي أو السوقي.
اليوم تضاعف سعر صرف الدولار مقابل الليرة وتجاوز خلال الأيام الماضية حدود 95 ليرة.. وجاء الوقت المطلوب لتدخل المركزي في خفض سعر الدولار إلى حدود حقيقية أو حتى معقولة خاصة أن معظم الأكاديميين والمعنيين بالشأن المصرفي يقرون بأن أسعار الدولار محلياً وهمية وارتفاعها ليس له أي مبرر... ويؤكدون كلامهم ببيانات وأرقام رسمية تشير إلى انخفاض الطلب على الدولار خلال اليومين الماضيين بينما سجل العرض منه ارتفاعاً طبيعياً بحدود نصف مليون دولار.. بمعنى أن الطلب على الدولار لم يزدد وأن المعروض منه فوق حاجة المتعاملين به.. فلماذا يرتفع سعره؟ ولماذا لم يستطع المركزي أو أي مصرف آخر مرخص يعمل على الأراضي السورية التدخل في عمليات بيع وشراء الدولار طالماً أن المبالغ المتداولة في حدود السيطرة؟
طبعاً لا ندعو المركزي إلى التخلي عن احتياطه من القطع الأجنبي ولا المضاربة في سوق الصرف بل ممارسة مهامه الاعتيادية والتي أشار إليها حاكم المصرف في أكثر من مناسبة والمتمثلة باستمرار التدخل الإيجابي في سوق صرف الدولار لتحقيق استقرار الليرة على طول الأيام وليس متى يشاء؟
إن رمي التهم على المواطنين وتحميلهم مسؤولية شراء الدولار حفاظاً على مدخراتهم من الليرات أمر غير مقبول وليست صائبة وخاصة أن الاتهام ذاته يلقى على كاهلهم عند ارتفاع سعر الذهب باعتباره الملاذ الآمن لقيمة هذه المدخرات.
ان الجميع يعرف نسبة محدودي الدخل والفقراء داخل المجتمع ويستطيع تحليل مدى قدرتهم على تغيير سعر صرف الدولار أو رفع سعر الذهب حتى لو نزلوا دفعة واحدة إلى الأسواق واشتروا بقيمة مدخراتهم ذهباً ودولارات..؟
إن المشكلة لا تكمن بمدخرات المواطنين ولا حتى بارتفاع الطلب على الدولار بل في بعض المحتكرين للدولار وإلا لكان الارتفاع ذاته سرى على سعر صرف اليورو الذي بقي بحدود 78.65 ليرة للمبيع وفق نشرة أسعار صرف العملات الأجنبية الصادرة عن المصرف المركزي أمس.
بكل الأحوال لا يمكن لوم المركزي لوحده على انخفاض قيمة الليرة دون الإشارة إلى تراجع الصادرات السورية وانخفاض الانتاج.. لكننا نلومه على وقوفه جانباً يطلق التهديدات ويتوعد المضاربين ويصدر القرارات في أوقات متأخرة لأيام وربما لشهور عن موعدها المناسب دون أن يتابع تدخله الحقيقي والفاعل في سوق الصرف كجهة رسمية مشرفة عليه وتمتلك 18 مليار دولار في زمن تشحذ بعض البلدان الدولار لتمويل مشروعاتها الاستثمارية وشراء الدواء والغذاء لمواطنيها ومع ذلك عملتها مستقرة.
إن تدخل المركزي مباشرة أو عبر المصرف التجاري السوري أو عدة مصارف أخرى وبشكل يومي بات أمراً ملحاً يماثله بالأهمية اتخاذ اجراءات وعقوبات مشددة وصارمة بحق المضاربين بالليرة والمهربين للدولار إلى خارج البلاد والمحتكرين له حتى لا ينتقل الاقتصاد الوطني إلى مرحلة أسوأ يدخل بعدها في أزمة معيشية يعاني منها معظم المواطنين خاصة أننا نسمع في وسائل إعلام محلية أن بعض مكاتب الصرافة رفضت شراء الدولار وبيعه ولجوء بعض البائعين إلى الأسلوب ذاته عبر طلب ثمن السلع التي يبيعونها دولاراً بدل الليرة في تصرف واضح لنشر ثقافة الخوف من انهيار قيمة الليرة وترويج فكرة أنها لم تعد كافية لشراء جهاز تلفاز أو غسالة أو حتى قميص أو بنطلون كما حدث في دولة مجاورة في التسعينيات من القرن الماضي ما ينبئ بأن الحرب الاقتصادية على سورية أخذت اتجاهاً آخر وعلى المعنيين بالشأن المالي والاقتصادي مواجهتها بما نملك من ادوات وإمكانات وهي كثيرة ويعرفها القاصي والداني.