من جملة التغييرات التي تعمل الحكومة الجديدة على إحداثها ما يتعلق بالتشريعات الاستثمارية في البلد، ومنها ما زادت سرعته في الفترة الأخيرة، لكنه بقي دون المأمول، ومازال المستثمرون المحليون والعرب والأجانب يطالبون بمحفزات استثمارية غير المعمول بها حالياً مما يشجعهم على الاستثمار، وبعد أن شدد السيد رئيس الجمهورية على ضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعي في البلد وتنشيطه، علمنا من مصادر في هيئة الاستثمار السوريّة أن الهيئة تعمل على دراسة قوانين الاستثمار السابقة بما فيها مرسوم الاستثمار رقم (8) ومقارنته مع القوانين في الدول الأخرى لمعرفة المحفزات التي تمنحها هذه الدول للاستثمار، وذلك في إطار العمل على تعديل مرسوم الاستثمار. حيث تتم دراسة فرض إعفاءات ضريبية وجمركية لهذا النوع من المشروعات للتمكّن من استقطاب استثمارات في قطاع الزراعة خاصة وباقي القطاعات بشكل عام.
الاستثمار الزراعي:
رغم أن القطاع الزراعي حظي بإعفاءات وحوافز مشجعة للمستثمر الأجنبي مثل إمكانية تملك أرض المشروع وحفر الآبار إلا أن حجم الاستثمار الزراعي مازال دون الطموحات حسب تقرير التجارة الزراعية السوريّة للعام (2009) الصادر عن المركز الوطني للسياسات الزراعية، ويعوز التقرير أسباب ضعف الاستثمار الزراعي لطول فترة استرداد رأس المال وارتفاع عنصر المخاطرة فيها.
وكذلك يشير تقرير الاستثمار السنوي الرابع في سورية إلى أن قطاع الزراعة شهد تراجعاً خلال السنتين الماضيتين بسبب موجة الجفاف التي ضربت المناطق الزراعية في سورية، كما أن تحرير السوق من القيود أثر بشكل سلبي على المزارعين والمنتجين حيث ارتفعت أسعار الأسمدة بالتزامن مع تضاعف أسعار الطاقة والانكماش في الاقتصاد العالمي ما أدى إلى زيادة كلفة الإنتاج وإضعاف تنافسيته، لكن إحداث صندوق الدعم الزراعي في العام (2008) مع بعض الخطوات الحكومية المتواضعة لتشجيع القطاع الزراعي أدى إلى ارتفاع المشاريع الزراعية المشملة في العام (2009) إلى (40) مشروعاً حسب تقرير الاستثمار الرابع، نفذ منها (14) مشروعاً. ومن أصل (183) مشروعاً مشملاً تم تنفيذ (69) مشروعاً حسب الإحصاء الإجمالي للمشروعات المشمولة بأحكام قوانين الاستثمار للفترة من (1991) إلى (2009).
وحسب تقرير الاستثمار المذكور فإن التكاليف الاستثمارية للمشاريع المنفذة لذات الفترة المذكورة بلغت (10607.7) مليون ليرة سوريّة منها (1197) مليون ليرة للعام (2009) محققة بذلك (3048) فرصة عمل حقيقية منها (352) فرصة عمل في العام (2009) حسب ما ذكر التقرير
التشريع القديم أفضل:
أشاد العديد من رجال الأعمال من صناعيين وتجار في حديثهم لـ(أبيض وأسود) بقانون تشجيع الاستثمار رقم (10) لعام (1991) المعدل وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم (7) لعام (2000) حيث اعتبروه أفضل بكثير من مرسوم الاستثمار رقم (8) لعام (2007) من حيث الحوافز والإعفاءات الضريبية، فها هو عضو غرفة صناعة دمشق نبيل الجاجة يرى أن المرسوم رقم (8) خال من المحفزات والتسهيلات والإعفاءات التي وردت في القانون رقم (10) ما خفف من الثورة الاستثمارية في البلد، لافتاً إلى أن الصناعيين عندما يفكرون بالقدوم للاستثمار في سورية صاروا يضعون في حسبانهم اعتبارات كثيرة، حيث لم يعد هناك إعفاءات على المواد الأولية للآلات وغيرها، فالمرسوم رقم (8) نص على إعفاء الآلات والمعدات والتجهيزات المستخدمة في عملية الإنتاج ووسائط النقل الخدمية غير السياحية من الرسوم الجمركية شريطة استخدامها حصراً لأغراض المشروع. ورغم أن هذه الفقرة كانت متضمنة أيضاً في القانون رقم (10) إلا أن هناك محفزات أخرى في القانون القديم أسقطها المرسوم الجديد مثل إعفاء السيارات السياحية أيضاً من الرسوم، وليس الرسوم الجمركية فقط كما هو وارد في مرسوم الاستثمار رقم (8) بل إعفاء جميع المستوردات الاستثمارية من جميع الضرائب والرسوم المالية والبلدية أيضاً.
وكذلك يشير رئيس غرفة تجارة وصناعة دير الزور مازن كنامة لـ(أبيض وأسود) إلى أن المنطقة الشرقية كان عليها حوافز ضريبية مشجعة حسب قانون الاستثمار رقم (10) لكنها سحبت منها حسب المرسوم الحالي، فالقانون القديم كان ينص على فترة إعفاء إضافية قدرها سنتان للمشاريع الاستثمارية الصناعية أو الزراعية التي تقام في الرقة أو الحسكة أو دير الزور لترتفع فترة إعفاءها إلى (7) سنوات بدلاً من (5) لبقية المشاريع، بينما اقتصر مرسوم الاستثمار (8) في دعمه للمشاريع في المنطقة الشرقية على تخفيض المعدل الضريبي بنسبة درجتين للمنشآت الصناعية القائمة أو المرخصة في الرقة ودير الزور والحسكة وإدلب والسويداء ودرعا والقنيطرة، ودرجتان للمشاريع الصناعية المرخصة بأحكام المرسوم رقم (8) لعام (2007) في حسياء ودير الزور الصناعيتين.
وتمنى كنامة أن لا تكون الحوافز ضريبية فقط بل تتعداها لمنح تسهيلات على القروض وتمويل المشروعات وخلق المناخ الملائم لها، فالإعفاء الضريبي لا يكفي لوحده، والاستثمار يدور في العالم، وهو سيرسو على البيئة الأكثر تحفيزاً وملائمة.
وانتقد كنامة انكباب الاستثمارات على المجالات العقارية فقط، مطالباً الحكومة بعرض المزيد من الفرص المشجعة أمام المستثمرين ليقبلوا عليها بحيث لا ترتفع أسعار العقارات.
من جانبه رئيس غرفة صناعة حمص محمد لبيب الإخوان أكد لـ(أبيض وأسود) أن قانون الاستثمار رقم (10) لعام (1991) أحدث نواة صناعية لسببين أولهما أنه تضمن إعفاءات ضريبية كثيرة وثانيهما أن القانون ألغى التعقيدات المفروضة على الآلات ومستورداتها، كما أنه لم يهمل المنطقة الشرقية.
وليس هذا فقط بل إن القانون القديم شمل إعفاءات أخرى كثيرة مثل السماح للمستثمر أن يفتح لصالح مشروعه المرخص حساباً بالنقد الأجنبي وغيرها من التسهيلات المتعلقة بالشركات المساهمة المغفلة والقابضة.
مقترحات يقدمها مستثمرون محليون:
في الوقت الذي يجري فيه تعديل مرسوم الاستثمار رقم (8) استقصت (أبيض وأسود) آراء بعض المستثمرين المحليين بالتعديلات التي يرون ضرورة إدراجها في التشريع الاستثماري الجديد، فنائب رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها عصام زمريق يشدد في حديثه للمجلة على أن التعديل لا يجب أن يكون من أجل التعديل فقط، بل لابد من تهيئة عوامل كثيرة له أهمها توفير البيئة الاستثمارية والتي تبدأ من استقبال المستثمر في المطار إلى تفعيل النافذة الواحدة إلى تغيير التشريعات المتضاربة المتعلقة بالاستثمار، مؤكداً أن إيجاد محاكم عسكرية في الوقت الراهن لا يشجع الاستثمار، ومشكلات الجمارك لا تشجع الاستثمار، وحذر زمريق من هروب المستثمرين المحليين من البلد ولا أدل على ذلك إلا قيام العديد من مصنعي السيراميك السوريين بترك البلد وافتتاح مصانع في مصر للاستفادة من التشريعات الاستثمارية هناك.
من جانبه عضو غرفة تجارة دمشق برهان الدين الأشقر قال: (طالبنا ولازلنا نطالب بأن يكون للمستثمر المحلي ميزة كما المستثمر الأجنبي والعربي تماماً، دون تمييز الثاني عن الأول لأن العملة التي يضعها المستثمر المحلي بالاستثمار تبقى بالبلد بينما هي ستخرج بيد المستثمرين الأجانب، كما أن نجاح أي مشروع بيد المستثمر المحلي يدفعه لتوسيع مشروعه لمشاريع عديدة وبالتالي خلق فرص عمل أكثر، داعياً إلى خلق تشاركية بين الوزارات المعنية بالاستثمار في سورية، فالمستثمر له علاقة مع وزارة الشؤون الاجتماعية لأنه يشغل اليد العاملة، وله علاقة مع وزارة المالية التي تقتطع منه الضرائب، ومع وزارة الاقتصاد لأنها تهتم بتشجيع التصدير ومسألة التبادل التجاري، ومع وزارة الصناعة المهتمة بخلق منشآت صناعية جديدة، والتشاركية بين هذه الوزارات يسهل الأمور على المستثمر وخاصة أن التنسيق القائم بينها حالياً ضعيف ما يتعب المستثمر ويجعله يصطدم بجهلها بقرارات بعضها البعض.
ويقترح رئيس غرفة تجارة وصناعة اللاذقية فاروق جود خلق برنامج موجه لتحفيز كل الشركات العالمية المستثمرة في سورية، فإذا كان الهدف هو تشجيع الاستثمار السياحي فلابد من خلق برنامج لتحفيز الشركات السياحية، وإن كان الغرض تحفيز السياحة الطبية فلابد من تطوير الخدمات الطبية، لافتاً إلى ضرورة صدور قوانين تخصصية تحفز كل نوع من أنواع الاستثمارات بعيداً عن القوانين الشاملة، كما لابد من تهيئة المناخ والأرضية الملائمة للاستثمار والأسلوب والإدارة السليمة لتكون الحكومة جاهزة حقاً لتلقي طلبات الاستثمار، ويقول: (نحن مثلاً لدينا بيئة ملائمة لإقامة مشاريع طاقوية مثل توليد الطاقة الريحية والكهربائية لكن تمديدات الكهرباء والغاز غير كافية ما يعرقل العملية الاستثمارية والإدارة السليمة تتغلب على هذه العقبات).
ويتحدث رئيس غرفة صناعة حمص محمد لبيب الإخوان لـ(أبيض وأسود) عن أهمية خلق ما يسمى بالصناعة الزراعية فهذا النوع من الاستثمار مهم جداً في البلد لكن القوانين الحالية تمنع تطبيقه، فالصناعة الزراعية تحتاج لملكيات كبيرة ما يستدعي إحداث دمج بالأراضي وهذا يمنعه قانونا الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية اللذين يفتتا الملكيات، كما اقترح محمد لبيب الإخوان صدور قانون تأمينات اجتماعية عاجل وجديد يعفي مستثمري المنطقة الشرقية بموجبه من رسوم التأمينات الاجتماعية ورسوم الصادرات وإلا فلن يكون هناك استثمار مجدٍ بسورية وستزداد الفجوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة وستنحسر الطبقة الوسطى أكثر.
وأشار إلى أن أي تدخل بحق المستثمر لتحديد مجال الاستثمار سواءً عقاري أو زراعي أو صناعي هو جريمة بحقه، فالاستثمار العقاري لا علاقة له بارتفاع أسعار العقارات كما قال، بل يعود سبب الغلاء إلى وعود طرحت ببناء ضواحي سكنية ومنتجعات سياحية، وهذه المشاريع توقفت حالياً وحينما تنشط من جديد سترتفع أسعار العقارت مجدداً حسب الإخوان، مؤكداً أن الاستثمار العقاري أيضاً غير محفز بسورية فالشروط المفروضة على المطورين العقاريين تصلح لبيئات مثل النمسا أو السويد، وجذب المستثمر لاستثمارات صناعية أو سياحية أو زراعية يكون بتطوير هذه القطاعات لا يفرض مجال استثماري معين عليه.
المصدر: رغد البني ـ مجلة أبيض وأسود