في الوقت الذي اعتبر فيه بعض المصرفيين من جملة مصارف حكومية بأن قرار مجلس الوزراء بتجميد القروض ليس في مكانه، وذلك لسببين أساسين :
الأول: أن إصرار مصرف سورية المركزي على الاحتفاظ بنسبة ( 30% ) من سيولة المصارف كاحتياطيات لا يُسمح للبنوك كلها – عامة أو خاصة – منح أي قرض إن لم يكن هذا البنك مُحققاً لتلك النسبة، ويرى المصرفيون أنفسهم أنَّ هذا الإصرار من المركزي مُبالغ فيه لاسيما أن أياً من البنوك الموجودة على الساحة المصرفية السورية حالياً ليست قادرة على تحقيق هذه النسبة، وبالتالي ليس بمقدورها منح أي قرض لأي من المتعاملين، وكان يكفي لهذه النسبة أن تكون بحدود ( 10 % ) وهذا كافٍ للغاية التي من شأنها الاحتفاظ بمثل هذه الاحتياطيات، ولكن الأنكى من ذلك أنَّ أيَّاً من البنوك لو استطاع الوصول إلى تحقيق نسبة الـ ( 30 % ) من الاحتياطيات فإنه غير قادر على منح القروض أيضاً وذلك مع حضور وفاعلية قرار مجلس الوزراء بمنع منح القروض .
الثاني: إن استسهال منعكسات قرار إيقاف القروض في هذه الأثناء ليس دقيقاً، لاسيما أنَّ هذه المنعكسات تلعب دوراً كبيراً على الصعيد النفسي، فهي توحي للمتعاملين وللمواطنين جميعاً بأن المصارف باتت عاجزة عن منح أي قرض لأحدٍ منهم، والأمر ليس كذلك إطلاقاً، الأمر لا يعدو أكثر من زيادة في الحيطة والحذر من أجل ضمان قدرة المصارف على تلبية طلبات المودعين عند طلب مدّخراتهم، غير أن هذه النسبة التي يفرضها المركزي على البنوك تفوق بالأساس كثيراً عن حجم الإيداعات التي يمكن أن تُوضعَ على محك الطلب، ولاسيما في هذه الأثناء التي فشلت فيها كل محاولات هزّ الثقة بالمصارف السورية، فبعد السحوبات الكبيرة التي تعرّضت لها إيداعات المصارف السورية فإن هذه المصارف تشهد اليوم حركة معاكسة تتمثّل بإقبال كبير على الإيداعات وذلك بعد قرار المركزي برفع نسبة الفوائد عليها، وبعد أن تيقّنَ المتعاملون والمواطنون – وهذا هو الأهم – بأنَّ الأمان الحقيقي على أموالهم يتمثّل بوجود هذه الأموال في البنوك، حيث هاهم قد أمضوا عاماً كاملاً على بداية الأحداث في سورية وأثبتوا بأنفسهم بأن أي طلب من المصارف للأموال المودعة هو طلب مُستجابٌ وبشكل فوري ودون أي تلكّؤ، في حين تعرّضت أموال العديد من المواطنين – بعد سحبها من البنوك – للسلب والنهب والسرقة من قبل العصابات المسلحة وبقيت أموال مواطنين آخرين في مأمن حقيقي عندما تركوها مودعة في البنوك.
وبحسب صحيفة الثورة فإنه في هذا الوقت يرى بعض المصرفيين الآخرين أن الأزمة الحالية قد أثّرت فعلياً على العمل المصرفي بشكل عام، ولاسيما على المصارف الخاصة، ما أدّى إلى تراجع عملها وإحجامها عن منح القروض، وبشكل خاص بعد مساهمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية في تراجع التحويلات عن طريق المصارف بشكل كبير، وفيما رأى البعض أن المصارف الخاصة لم تتأثر كثيراً باعتبارها تقوم بتشغيل الكثير من أموالها في استثمارات خارجية ، ولكن هذا لم ينطبق مع رؤية اقتصاديين آخرين رأوا أنها تأثرت سلباً لعدة أسباب أخرى.
في هذه الأثناء رأى بعض المتابعين أن المصارف الخاصة تعاني حالياً من عدة عقبات أهمها تراجع سعر الأسهم عن قيمتها الاسمية بنسبة 20 إلى 30% وعن قيمتها في السوق بنسبة 75% فقد تراجع سعر سهم أحد المصارف منذ فترة من 2600 ليرة إلى 1600 ليرة وآخر من 1700 إلى 650 ليرة ومصرف ثالث من 1200 إلى 340 ليرة سورية، معتبرين أن مشكلة ارتفاع سعر الفائدة على الإيداعات في هذه المصارف أدت إلى تراجع أرباح هذه المصارف الأمر الذي جعل وضعها صعباً، غير أن هؤلاء المتابعين أغفلوا – ربما من شدّة اللهفة – أنَّ هذه التراجعات ناجمة في أكثر أسبابها عن حالات نفسية مشوّهة لا تنسجم مع وقائع الأمور على الأرض أصلاً.
واعتبر بعضُ المتابعين أنَّ المصارف السورية تعاني من تحول النشاط التجاري في التصدير والاستيراد من حيث فتح الاعتمادات وغيرها إلى دولٍ أخرى مجاورة، إلى حدّ اعتبارهم أنّه في حال كان حجم حركة النشاط التجاري 20 مليار دولار – مثلاً – فإن المصارف المجاورة تربح حوالي 4 إلى خمسة مليارات دولار من هذا النشاط.. غير أن بعض هؤلاء المتابعين أشاروا إلى أن حركة الصيرفة والتحويلات تتم في أغلب الأحيان من خلال شركات الصرافة وليس عبر المصارف الخاصة، وهذا يُشكّل خطراً حقيقياً لأنَّ لدى هذه الشركات دفترين، واحداً للعمليات النظامية وآخر للعمليات السرية, وهذا الأمر ينعكس سلباً على عمل المصارف الخاصة .
ولكن يرى أولئك المتابعون أنْ لا خوف على المصارف الخاصة باعتبار أن لديها ما فيه الكفاية من الموجودات والعقارات المرهونة لصالحها، وتلك التي تمتلكها أيضاً.