B2B بقلم :إيفلين المصطفى
بعيداً عن كل ما يحدث من تغيرات تبقى أسعار السلع دون أي تغيير يذكر فهي لا تتأثر بأي انخفاض عالمي ولا تتأثر بانخفاض سعر الصرف وهذا ما جعل حرارة المناخ تزيد من ارتفاعها أكثر وأكثر وبالرغم من كافة الحلول التي طرحتها الحكومة سواء بالمراقبين للسوق أو نشرات تأشيرية إلا أنها ما زالت مستمرة في الصعود حتى باتت أبسط المأكولات بعيدة عن متناول المواطن .
أما اليوم وبعيداً عن حلول وزارة الاقتصاد التي باءت بالفشل قام حزب سورية الوطن بالدعوة لاعتصام أمام مقر وزارة الاقتصاد للمطالبة بضبط الأسعار وبعيداً عن غاية الحزب التي من الممكن أن تتضمن نوعاً من نشر دعاية للتعريف عنه كحزب جديد نطرح تساؤل هل سيفيد الاعتصام في ضبط الأسعار وهل هناك حلول ومقترحات بديلة يمكن للحزب طرحها على وزارة الاقتصاد لضبط الأسعار أم أنه سيكتفي بالاعتصام والذي ينطبق عليه قول (لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي ) . من هنا اقترح أن يقوم المواطنون بمقاطعة بعض السلع تيمناً بكثير من الشعوب التي اتبعت مثل هذه الحلول وكان لها أصداء قوية وهنا نشير إلى بعض الدول التي اتبعت شعوبها هذا النهج من الاستهلاك، فمثلاً نجد أن ما قام به الشعب الأرجنتيني تجاه تجار البيض حينما امتنعوا عن شرائه لفترة زمنية محددة، حيث تعود إحداثيات هذه التجربة لسنوات مضت حين فوجئ الأرجنتينيون من ارتفاع أسعار البيض بعد أن اتفق جميع التجار وأصحاب مزارع الدواجن لرفع سعر البيض في وقت واحد ما دفع بالشعب الأرجنتيني للتراجع عن الشراء بشكل جماعي دون أي دعوات أو حملات للمقاطعة حيث كان لسان حالهم يقول: "لن يضرنا عدم أكل البيض لفترة" وكانت آثار هذه الخطوة التي اتبعها الشعب حينها مفاجئة للتجار عندما علموا من موزعيهم رفض كافة المتاجر لاستقبال أي كمية بيض جديدة لعدم بيعهم أياً من الكميات القديمة التي تكدست على الرفوف، لقد تمكن شعب الأرجنتين حينها من الضغط على التجار الذين حاولوا في بداية الأمر بالإبقاء على الأسعار مرتفعة إلا أنهم خضعوا لإرادة شعبهم بعد معرفتهم بأن كميات البيض الموجودة في الأسواق قد فسدت بالإضافة لوجود كميات أخرى كبيرة، حيث إن الدجاج لا يعلم بعدم رغبة أصحاب المداجن في المزيد من البيض الجديد ليستمروا بالإنتاج ما اضطر التجار لإرجاع السعر لما كان عليه ولكن وعي الشعب لم يكتفِ بذلك حيث واصلوا المقاطعة ولم يشتروا البيض بهدف تلقين التجار درساً في أخلاقيات التجارة مرغمين التجار في أكثر من مرة لتقديم اعتذار رسمي في الصحف للشعب الذي تمكن من الانتصار على جشعهم واشتروا بذلك سلعة البيض بسعر مخفض بنسبة 75% من سعره الأصلي وكان هذا النهج بمثابة تحذير واضح وصريح لكافة تجار السلع الأخرى بعدم محاولة التلاعب بالأسعار، وبالطبع لم يكن شعب الأرجنتين وحده من اتبع هذه السياسة إنما كذلك الشعب الألماني حيث في الثمانينات حينما ارتفع سعر اللحوم من 1.70 مارك إلى 2.15 مارك قام الشعب الألماني أيضاً بمقاطعة شراء هذه السلعة أيضاً دون أية دعوات أو حملات للمقاطعة، ما دفع التجار لإعادة السعر إلى وضعه الطبيعي وبالطبع لم تكن هذه التجارب منحصرة في الشعوب الأوروبية حيث يلحظ المتابع للأخبار أنه في العام الماضي أطلقت الحكومة السودانية حملة لمقاطعة شراء اللحوم وبالرغم من أن هذه الحملة أثمرت نتائجها بانخفاض الأسعار إلا أنني وددت التنويه إلى المفارقة الكبرى بين تجربة شعب الأرجنتين والسودان حيث نوهنا أن المقاطعة في الأرجنتين تمت دون أي حملات من قبل أي هيئة وكانت عفوية وشعبية، في حين أن الأمر يتخلله بعض السلبيات في تجربة السودان لكونها نابعة من إطار حكومي وهذا باعتقادي فيه التفاف واضح للحكومة على تبرير عجزها وفشلها وفيه تبرئة لنفسها من ارتفاع الأسعار حيث لا أعتقد أن أي مسؤول سيطبق هذه الدعوة لكونه لا يتأثر بارتفاع الأسعار. وأقرّ هنا أن المقاطعة بحد ذاتها خطوة قوية وتحتاج لجرأة لكن وددت من المقارنة بين البلدين توعية المواطن والعمل على تغيير ثقافته الاستهلاكية لتكون نابعة منه قبل أن تطالبه الحكومة باتخاذ مثل هذه الخطوة، حيث إن الدعوة الموجهة من قبل هيئة حكومية فيه سرقة واضحة لفكرة المقاطعة الشعبية وتبديد لأهدافها ومن أجل أن لا يتم تفريغ هذه الثقافة من مضمونها الحقيقي وكي لا يتم استغلالها أدعو المواطنين للتكاتف والتضامن كي يحافظوا على شعبية هذا النهج وليبقى المواطن هو السباق لحل جزء من قضية يعيشها هو وأولاده وأصدقاؤه. كما يمكن لهم البحث عن بدائل تسعفهم في إخراجهم من حمى ارتفاع الأسعار.