المقدمة Introduction:
يحتل قطاع التجارة الخارجية أهمية كبيرة في مجال النشاط الاقتصادي لأي بلد كونه يعكس واقعه الاقتصادي، وقد ازدادت أهميته في عالم اليوم الذي يشهد تغيرات هامة وضعته أمام حقبة جديدة بصفته أحد الدعامات الأساسية للبناء الاقتصادي والدخل القومي، وقد استأثر باهتمام الاقتصاديين من خلال إعداد الدراسات والأبحاث حوله لم يحظ مثلها أي قطاع آخر من القطاعات الاقتصادية، حيث كان للتقدم الصناعي ووسائل الاتصال والثورة التكنولوجية الحديثة الأثر الأكبر في النمو المتزايد للتجارة الدولية وزيادة أهميتها، ومن جهة أخرى تعكس تطورات قطاع التجارة الخارجية البنية الإنتاجية للاقتصاد الوطني ومستوى التشغيل والأسعار والدخل وآثار السياسات الاقتصادية، وإذا كانت علاقته بفروع الاقتصاد القومي تنبع من طبيعة دوره ووظائفه في خدمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، فإن أهمية تلك العلاقة تبدو من خلال ارتباط النمو الاقتصادي ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على الاستيراد وبمقدار النقد الأجنبي المتاح لتلك الغاية من الصادرات باعتبار أن الصادرات إضافة أو "حقن" في الاقتصاد حسب التعبير الكينزي.
التجارة الخارجية:
تعتبر التجارة الخارجية معيار تطور وتوازن الدول في تأمين احتياجاتها من الاستيراد والقيام بتصدير البضائع إلى العالم، فهي التي تحكم بالأرقام على اتجاه تأثير وفعالية مختلف السياسات الداخلية والخارجية، إذ تعكس مؤشراتها البنية الهيكلية للاقتصاد الوطني، كما تعبر عن مستوى تطور ذلك الاقتصاد وموقعه في مجال التبادل التجاري مع بلدان العالم.
مفهوم التجارة الخارجية:
تعد التجارة الخارجية من القطاعات الحيوية في أي مجتمع (اقتصاد) من المجتمعات سواء أكان متقدماً أو نامياً، فهي تربط الدول والمجتمعات مع بعضها البعض إضافةً إلى أنها تساعد في توسيع القدرة التسويقية عن طريق فتح أسواق جديدة أمام منتجات الدولة، وتساعد كذلك في زيادة رفاهية البلاد عن طريق توسيع قاعدة الاختيارات فيما يخص مجالات الاستهلاك والاستثمار وتخصيص الموارد الإنتاجية بشكل عام، وبالإضافة إلى ذلك تعتبر مؤشراً جوهرياً على قدرة الدول الإنتاجية والتنافسية في السوق الدولي وذلك لارتباط هذا المؤشر بالإمكانيات الإنتاجية المتاحة، وقدرة الدول على التصدير والاستيراد ومستويات الدخل فيها، وانعكاس ذلك كله على رصيد الدولة من العملات الأجنبية وما له من أثر على الميزان التجاري.
وقد تطور مفهوم التجارة الخارجية بما يتماشى مع التطورات التي حصلت على النظام الاقتصادي العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية، فحركة التبادل التجاري بدأت بمفهوم بسيط (المقايضة) ووصلت إلى مفهوم أكثر تعقيداً (التجارة المتكافئة)، وفي عام 1947 تم التوقيع من قبل عدد من الدول (كانت سورية إحداها) على ما عرف حينذاك "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة" والتي سميت اختصاراً "الجات" وكان الهدف الاستراتيجي منها هو تحرير التجارة الدولية.
الأهمية الاقتصادية للتجارة الخارجية:
ازداد حجم التجارة الخارجية خلال العقود الأخيرة بنسب فاقت معدل الزيادة في الإنتاج والدخل العالميين، وقد اهتم الاقتصاديين في تحليل أهمية دور التجارة الخارجية وخاصةً الصادرات كأحد مكونات الدخل القومي، حيث تسهم الصادرات من خلال عمل المضاعف بزيادة الدخل بصورة أكبر من قيمتها المباشرة، وظهر عدد من الاقتصاديين الذين يحملون وجهة نظر مغايرة لما سبقهم من الاقتصاديين إزاء دور الصادرات في عملية التنمية الاقتصادية، حيث أشار MARX إلى استحالة قيام التجارة الخارجية بدور فاعل في الإنماء الاقتصادي للدول النامية في ظل السيطرة الكبيرة للدول الرأسمالية على العلاقات الاقتصادية الدولية وما تمارسه هذه الدول من استغلال ونهب لثروات الدول الفقيرة (الضعيفة)، بالإضافة إلى المنافسة الكبيرة بين هذه الدول للسيطرة على الأسواق ومناطق النفوذ في العالم وتحكّمها في رأس المال العالمي، أما Myrdal فإنه يرى أن التجارة الخارجية بين الدول النامية والدول المتقدمة تعمل على زيادة التفاوت القائم في المستويات الاقتصادية بين اﻟﻤﺠموعتين، ويرى أن الأسواق الكبيرة التي تخلقها التجارة الخارجية تعمل في المقام الأول على تعزيز وضع الدول المتقدمة التي تتمتع أصلاً بصناعة قوية مقابل ضعفها في الدول النامية، إلى جانب أن الطلب على صادرات الدول النامية - وغالباً ما تكون مواد خام أو أولية- يتصف بعدم المرونة.
أما Nurkse فإنه يرى أن التجارة الخارجية أداة لانتشار النمو الاقتصادي فضلاً عن كونها وسيلة لتوزيع الموارد توزيعاً أكثر كفاءة، وضرب مثالاً على ذلك بالدور الذي لعبته التجارة الخارجية في البلدان الحديثة مثل كندا واستراليا وجنوب إفريقيا والأرجنتين، كما أكد على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب في الدول النامية خاصةً عندما تكون ظروف الطلب الخارجي على مواد التصدير غير مواتية، وإزاء ذلك بين تشاؤمه بما يتعلق بإمكانية قيام التجارة الخارجية بدور إنمائي للدول النامية، وذلك نتيجة ما تواجه صادراتها إلى أسواق الدول المتقدمة من عقبات عديدة.
هذا وتظهر الأهمية النسبية للتجارة الخارجية في اقتصاد بلد ما من جانب تبعية الاقتصاد الوطني للتجارة الخارجية، فكما زادت التجارة الخارجية بالنسبة إلى الدخل القومي، كلما زاد أثر الاتجاهات العالمية على التنمية، فالبلد الذي يصدّر للخارج نسبة مرتفعة من إنتاجه الكلي يقال أنه أكبر تبعية من البلد الذي يصدر نسبة أقل، ويكون أكثر حساسية للظروف الاقتصادية الدولية، كما أنه يعتبر بلد أكثر تبعيةً للخارج كلما كانت وارداته أكثر أهميةً بالنسبة لإنتاجه، ويمكن قياس الأهمية النسبية للتجارة الخارجية بمؤشر "معامل التجارة الخارجية e" والذي يسمى أيضاً بدرجة انفتاح الاقتصاد الوطني ويعبر عنه بالعلاقة التالية:
((الصادرات + الواردات)/2)/ الناتج المحلي الاجمالي) * 100
إلا أن هذه النسبة لا تدل- في حد ذاتها- على درجة التطور أو التخلف الاقتصادي لدولة ما، إذ يمكن لدولة متخلفة وأخرى متطورة أن تكون لهما نفس النسبة.
وفي سورية، ترتفع مكانة قطاع التجارة الخارجية في الاقتصاد الوطني ويتصاعد اعتمادها على الأسواق الخارجية _كسائر اقتصاديات البلدان النامية_ عود السبب في ذلك بشكل رئيسي إلى النمو المحدود لقوى الإنتاج وضعف العلاقات المتشابكة بين مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية، أي إلى قصور الإنتاج الوطني عن إمكانية تلبية حاجات التنمية وحاجات التبدلات الحاصلة في حجم وبنية الطلب الاستهلاكي والتي تجد مخرجها بزيادة الارتباط بالأسواق الخارجية لا سيما أسواق البلدان الصناعية الرأسمالية.
أشكال التجارة الخارجية:
تتخذ التجارة الخارجية شكلين أساسيين يتمثلان في حركتين متعارضتين هما حركة الصادرات وحركة الواردات، وليس هناك ما يدعو لتساوي هاتين الحركتين، فقد يوجد بينهما تفاوت وعندئذ نجد فرقاً بين القيمتين الذي قد يكون موجباً (حينما تزيد الصادرات عن الواردات) أو سالباً (حينما تزيد الواردات عن الصادرات)، ولا يعني الفرق السلبي دائماً علامة سيئة وليس أيضاً الفرق الايجابي دائماً علامة حسنة.
وانتقال السلع في هاتين الحالتين يمثل حركة انتقلت فيها السلع انتقالاً نهائياً، بمعنى أن البلد المعيّن حينما يصدّر سلعة من سلعه يتنازل عنها نهائياً، فهي تخرج منه نهائياً، وهذا ما يفرق بين التجارة الخارجية بمعناها المتمثّل بالصادرات والواردات، وبين تجارة أخرى تعتبر تجارة دولية ولكنها لا تعتبر نهائية، ومثالها تجارة إعادة تصدير الواردات،وتجارة السلع العابرة.
التصدير:
تمثل الصادرات شكلاً من أشكال التجارة الخارجية فهي جزء من الإنتاج القومي لبلد معين يوضع لإشباع حاجات البلاد الأخرى، وتتمثل بالمنتجات التي تم إنتاجها خلال فترة زمنية معينة ولم تستهلك، هذا وتؤدي الصادرات دوراً هاماً في النهوض بمجمل الأداء الاقتصادي في الدول التي تعتمد على هذا القطاع لتوفير الغذاء والمواد الخام للصناعات التحويلية وكمصدر للمواد الأولية، وتتمثل أهميتها بالفوائد التي تعود على البلد من خفض العجز في الميزان التجاري، وتوفير العملات الأجنبية لمواجهة أعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تؤدي إلى حسن استغلال موارد البلد الطبيعية والبشرية، وتزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص العمل وتحقيق نتائج ايجابية لعدد من المؤشرات الاقتصادية والمالية بما في ذلك تحقيق فائض في ميزان المدفوعات واستقرار أسعار الصرف.
وللصادرات دور كبير في النمو الاقتصادي، فمن ناحية تساهم في زيادة الدخل القومي من خلال الموارد المعطلة وعلاقات المدخلات والمخرجات والتقدم التكنولوجي، ومن ناحية أخرى يؤدي نموّها بمعدلات متزايدة إلى التوازن في ميزان المدفوعات في مراحل التنمية الاقتصادية، ففتح المجال أمام الصناعات وتنمية الصادرات من أكثر المكاسب التي تعود على الدولة، إذ بعد أن تصل تلك الصناعات إلى نقطة الفائض في الإنتاج والفائض عن حاجات السوق المحلية فإن السبيل أمامها هو تصريف هذا الفائض في الأسواق الخارجية من أجل النمو والتوسع والبقاء في السوق، والتصدير من هذا المنطلق يؤدي إلى كسب قومي واضح، كما أن تنمية صناعات التصدير لا تؤدي إلى توفير مورد مستمر للاستثمارات الرأسمالية فقط، بل تؤدي أيضاً إلى رفع مستوى المعيشة للدولة، فنمو تلك الصناعات كنتيجةً لتوسيع أسواقها محلياً ودولياً يعني توسيع قاعدة تحميل التكاليف الثابتة مما يؤدي إلى تخفيض التكلفة الإجمالية وبالتالي تخفيض الأسعار ومن ثم أجور أعلى نسبياً للعاملين في هذا القطاع.
وقد تناولت دراسة (United Nation Conference for Trade and Development UNCTD 2005) محددات أداء قطاع الصادرات بناءً على تحليل تجريبي شمل عدداً من الدول النامية، حيث أوضحت الدراسة أن أداء الصادرات يرتكز على توفر البنيات الأساسية والبيئة الاقتصادية الكلية الداعمة وتدفق الاستثمارات الأجنبية ووجود المؤسسات المؤهلة، وتوفر القدرة على النفاذ للأسواق الخارجية.
هذا وتؤثر التقلبات في قيم الصادرات على الدخل القومي، ففي حال انخفاضها ينخفض الطلب الفعال على السلع والخدمات ويتناقص كل من الاستثمار الخاص والعام، وتنقص المقدرة على استيراد ما نحتاج إليه من السلع والخدمات من العالم الخارجي، كما أن التقلبات الحادة في قيم الصادرات تؤدي إلى خلق مشاكل وصعوبات في تنفيذ مشروعات الاستثمار.
ومن جهة أخرى، فالزيادة في الصادرات تؤدي إلى زيادة الدخل القومي حيث أن الزيادة في الإنفاق تؤدي إلى ازدياد الطلب على السلع والخدمات ويكون هذا دافعاً ومنشطاً للمستثمرين، ويعد مؤشر أهمية الصادرات من أهم مؤشرات الانكشاف الاقتصادي والذي يعبر عنه كما يلي:
درجة أهمية الصادرات= الصادرات / الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة.
الاستيراد:
تشكل المستوردات إحدى الأدوات الهامة للتنمية، فهي وسيلة الاقتصاد الوطني في الحصول على مختلف السلع الإنتاجية والحاجات الاستهلاكية غير المتوفرة محلياً، وتمثل إنفاقاً من الدخل القومي وزيادةً في إيرادات العالم الخارجي حيث يرتبط الإنفاق عليها بمستوى الدخل القومي فزيادته تعني زيادة قدرة الاقتصاد القومي على زيادة الواردات وزيادة الإنفاق على السلع والخدمات المحلية والأجنبية، والعكس بالعكس، لذا تعد الواردات تسرّب من الدخل المحلي إلى الخارج، ولها تأثير سلبي على الإنفاق الكلي حيث ينخفض بزيادتها لأنه ليس إنفاقاً على سلع محلية بل إنفاقاً على سلع أجنبية، إلا أنها تساهم في نمو الدخل القومي بشكل غير مباشر عن طريق تمكين الاقتصاد القومي من مواجهة أعباء التنمية من حيث التموين بالمواد والسلع الصناعية، وكذلك السلع الاستهلاكية، مما يساهم بزيادة وتوسيع الإنتاج وتوزيعه، ومن ذلك يمكن القول أنه يوجد علاقة طردية بين الدخل القومي والمستوردات سواء أكانت هذه المستوردات لتكملة النقص في المعروض السلعي من المنتجات اللازمة، أم بغرض استيراد سلع استثمارية ورأسمالية وتكنولوجيا متقدمة، وفي بعض الحالات تضطر الدولة إلى الاستيراد رغم عدم وجود دخل مرتفع لديها لتلبية احتياجاتها الأساسية، وعموماً يمكن قياس مدى اعتماد البلد على الاستيراد من العالم الخارجي بمؤشر "متوسط ميل الاستيراد" الذي يعبر عنه بالعلاقة التالية:
متوسط ميل الاستيراد= المستوردات / الناتج المحلي الإجمالي.
وإن هذا المؤشر لا يعكس خطر التجارة الخارجية، لأن زيادة الاستيراد قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في الدخل بمعدل أسرع مما يحدث في اقتصاد مغلق، وهذا يرجع لطبيعة الواردات.
تطورها في سورية:
نظهر في الجدول التالي مكونات التجارة الخارجية (الصادرات والواردات) في سورية خلال السنوات 1990_ 2010، أي خلال الفترة السابقة للأزمة الحالية وما رافقها من عقوبات اقتصادية على سورية أثرت سلبا على صادرات وواردات البلد:
السنوات |
الصادرات (ملايين ل.س) |
الواردات (ملايين ل.س) |
1990 |
47,282 |
26,936 |
1991 |
38,504 |
31,066 |
1992 |
34,720 |
39,178 |
1993 |
35,318 |
46,469 |
1994 |
39,818 |
61,374 |
1995 |
44,562 |
52,856 |
1996 |
44,887 |
60,385 |
1997 |
43,953 |
45,211 |
1998 |
32,443 |
43,725 |
1999 |
38,880 |
43,010 |
2000 |
216,190 |
187,535 |
2001 |
243,149 |
220,744 |
2002 |
301,553 |
235,754 |
2003 |
265,039 |
236,768 |
2004 |
346,166 |
389,006 |
2005 |
424,300 |
502,369 |
2006 |
505,012 |
531,324 |
2007 |
579,034 |
684,557 |
2008 |
707,798 |
839,419 |
2009 |
488,330 |
714,216 |
2010 |
569,064 |
812,209 |