أكد التقرير الاقتصادي للاتحاد العام لنقابات العمال أن التراجع الشديد في إيرادات الخزينة العامة للدولة وخاصة الإيرادات الضريبية والجمركية ورسم الإنفاق الاستهلاكي دفع الجهات الحكومية إلى تقليص نفقاتها الجارية والاستثمارية بنسبة 25 بالمئة على الأقل ما أدى بدوره إلى مزيد من الجمود في السوق. وسجل على الحكومة حالة تقصير وإهمال متعمدين لإيقافها مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي، الذي لا يزال -حسب التقرير- يواجه حرباً مكشوفة منذ عام 2005 هدفها القضاء على هذا القطاع ودوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويجب أن يكون إصلاحه من أولويات العمل الحكومي وأي تأخير أو إهمال لحال وضع هذا القطاع يندرج في خانة الإهمال الوطني.
وطلب التقرير التراجع عن السياسات الاقتصادية التي تدفع بالدولة إلى حالة من التراخي والتراجع عن التدخل في حماية الفئات الاجتماعية الفقيرة وإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية حيث فشلت الحكومة منذ عام 2005 في ترتيبها وتنفيذها، مع الإشارة إلى أن السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات منذ عام 2000 وحتى اليوم لم تكن منسجمة مع متطلبات الاقتصاد والمجتمع السوري فانعكس ذلك على مستوى المعيشة للطبقات الفقيرة وأدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم.
وأوضح التقرير أن العقوبات المالية والمصرفية الخارجية على المصارف الحكومية أشد إرباكاً للاقتصاد السوري من العقوبات الاقتصادية، نظراً للعرقلة أمام الاعتمادات المستندية وصعوبة تنفيذ الحوالات المصرفية وارتفاع كلفتها ولو أن هذا يمكن تجاوزه من خلال زج المصارف الخاصة السورية وغير السورية كطرف وسيط.
واعتبر التقرير أن الاقتصاد والمجتمع تأثرا سلباً بالعقوبات الاقتصادية الظالمة على المديين المتوسط والطويل، إلا أن مدى وعمق هذه الآثار السلبية سيكون محدوداً بالقدر الذي سيتم فيه تفعيل القدرة الإنتاجية السلعية الحقيقية للاقتصاد وإيجاد الأسواق البديلة للصادرات والواردات.
وحدد التقرير أهم منعكسات الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بتقلص الطلب الفعال في السوق على كل أنواع السلع والخدمات، عدا الغذائية والضرورية، بسبب الارتفاع المتسارع بمعدل البطالة ومن ثم انخفاض محدودية مصادر الدخل، وهذا ما أدى إلى انخفاض وتيرة النشاط الاقتصادي ومحدودية مصادر الدخل لمختلف القطاعات. وانخفاض وتيرة الصادرات، وبطء العجلة الإنتاجية في الكثير من المنشآت إلى حد تعثر بعضها عن دفع الرواتب والأجور ودفع الكثير منها إلى تقليص أوقات العمل أو تسريح جزء من العاملين لديها، وبطء حركة الاستثمارات ووتيرة أنشطة البناء المرخص والمشروعات العقارية والسياحية ما يعني مزيداً من التعثر المالي لأصحاب المشروعات ومزيداً من البطالة، وتضرر القطاع السياحي الذي مني بخسائر فادحة والذي تضرر معه مئات الآلاف من العائلات السورية وتضرر شريحة واسعة من المزارعين والفلاحين منتجي الخضراوات والفاكهة والحليب ومشتقاته.
وحول أضرار القطاع المالي والمصرفي أكد تقرير الاتحاد تزايد السحوبات المصرفية بمعدلات ووتائر عالية نسبياً وتزايد الطلب على العملات الأجنبية كسبب ونتيجة للتخلص من العملة المحلية خوفاً من انخفاض قيمتها فزاد التلاعب واتسعت حدة المضاربات في السوق السوداء وارتفعت أسعار جميع المستوردات، وتوقفت وتقلصت عمليات الإقراض من المصارف العامة والخاصة هذا أضاف مشكلة تمويل جديدة بدأ يعاني منها قطاع الأعمال الاقتصادي والمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وتعثر الكثير من المشاريع والمنشآت الإنتاجية والخدمية في تسديد التزاماتها تجاه المصارف. وتساءل التقرير الاقتصادي للاتحاد أين دور وزارة الاقتصاد والتجارة في ظل ارتفاع الأسعار؟ لماذا تقف موقف المتفرج طوال فترة الأزمة؟ هل انحصر دورها فقط في عملية الشراء المباشر لبعض المواد التي تحتاجها جهات القطاع العام كالاستهلاكية وغيرها؟ أليس من واجبها محاربة الاحتكار والغش وارتفاع الأسعار العشوائي؟
وشدد الاتحاد العام لنقابات العمال في تقريره الاقتصادي على أنه بات ضروريا القضاء على الأصوات التي تطالب بعدم إصلاح القطاع العام أو خصخصته أو غير ذلك، واقترح التوسع في الإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري عن طريق التمويل بالعجز، وتدخل المصرف المركزي بهدف استمرار المصارف في منح القروض والتسهيلات الائتمانية والحفاظ على استقرار سعر القطع الأجنبي، واتخاذ إجراءات عاجلة لتشجيع ودعم التصدير وإيجاد الأسواق الخارجية البديلة للسلع السورية ذات الأهمية الاستراتيجية، ودعم وتفعيل أنشطة القطاع العام الصناعي والتوسع في أنشطة التدخل الإيجابي من المؤسسات الحكومية لتأمين الاحتياجات الغذائية والأساسية للمواطن، وترشيد استيراد جميع أنواع السلع الجاهزة والمواد والمستلزمات الأولية والوسيطة والكمالية وغير الضرورية التي لها بديل محلي، ووضع ضوابط صارمة للرقابة على الأسواق الداخلية ولجم احتكار القلة لأهم المواد والسلع الأساسية والغذائية والعلفية ومواد البناء، والتوسع في مشاريع الإسكان والعمران والتطوير العقاري.