النفط لا زال الهاجس الأكبر لدى اقتصادات العالم أجمع، فبعد ارتفاع أسعار خام النفط بشكل أثار مخاوف الدول عاد ليحوم حول مئة دولار مدفوعاً بأسباب وأحداث عديدة يتصدّرها زيادة التشاؤم بمستقبل الاقتصاد العالمي، والارتفاع الملحوظ للمخزون النفطي التجاري في الولايات المتحدة ويبقى السبب الأهم والرئيسي هو سوق العرض والطلب.
يرجع الخوف على الاقتصاد العالمي إلى زيادة حدة أزمة الديون السيادية في الدول الأوروبية، في اليونان وإسبانيا، مع احتمال انتقال العدوى إلى إيطاليا والبرتغال.وأدت هيمنة هذا الخوف إلى انكماش الطلب على النفط، وترافقت مع الحذر من قرب موعد تنفيذ العقوبات الغربية على الصادرات النفطية الإيرانية.
وقد سببت أزمة الديون السيادية الأوروبية الانخفاض السريع لأسعار النفط، إذ أن المخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو وتراكم الديون على المصارف الإسبانية زادت الضغط أكثر على الطلب النفطي ورفعت من حدة انكماشه.
ومما زاد أيضاً من مخاوف الأسواق القلق على صحة الاقتصاد الصيني، لا سيما مع صدور مؤشرات على تباطؤ الإنتاج الاقتصادي وانخفاض الاستهلاك المحلي.
ومن المؤكد ان لتباطؤ الاقتصاد الصيني انعكاسات سلبية على الطلب العالمي على النفط أكثر بكثير من أي انكماش اقتصادي في أوروبا.لكن على الرغم من المؤشرات السلبية الصادرة عن الصين حتى الآن، يعود تقلص الطلب على النفط إلى سياسات حكومية هادفة إلى الحد من التضخم ويتوقع الخبراء ان يعود معدل استهلاك الطاقة إلى معدلاته السابقة، أي بزيادة سنوية قد تبلغ نحو تسعة في المئة ما سيترك بصماته على أسواق النفط العالمية نهاية العام الجاري.
عزة الحاج حسن
د. حبيقة
الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة يعزو تحرّك أسعار النفط الى سوق العرض والطلب، وفي حديث لـ «اللواء» قال: إن برميل النفط العالمي يخضع للعرض والطلب بالدرجة الأولى، ففي الآونة الأخيرة كان الطلب في أوروبا ضعيفاً ما أدى الى انخفاض أسعار النفط.وأعرب الدكتور حبيقة عن مخاوفه من أن يتطور الوضع في ايران الى الأسوأ ويؤدي الى إغلاق مضيق هرمز «حينها سينخفض المعروض النفطي بشكل كبير على الرغم من محاولة المملكة العربية السعودية تعويض النقص في السوق العالمية»
وتابع: هنا تكمن المشكلة لأنه في حال إغلاق مضيق هرمز وانخفاض العرض ستهبّ أسعار النفط بشكل كبير.
وعما إذا كان سعر النفط سيستمر على انخفاضه الحالي قال حبيقة: بالمبدأ فإن سعر النفط العالمي ليس منخفضاً في الوقت الراهن وإنما هو سعر «معقول» ومن المتوقع أن يستمر على وتيرته الحالية المائلة الى الضعف طالما أن الطلب على النفط مستمر على ما هو عليه.أمل على مستوى لبنان لجهة انعكاس اسعار النفط العالمية على أسعار المحروقات فقال حبيقة: في لبنان يتم تحديد أسعار المحروقات بناء على متوسط سعر النفط في أربعة أسابيع ومن المتوقع أن تستمر أسعار المحروقات بالإنخفاض الى حين استقرار سعر صفيحة البنزين عند 30 ألف ليرة.
وفي سياق آخر اقترح حبيقة فرض ضريبة بقيمة 3 آلاف ليرة على صفيحة البنزين بدلاً من رفع الضريبة على القيمة المضافة والتي بدورها تنعكس ارتفاعاً على كافة المنتجات في السوق اللبنانية بما فيها المواد الأساسية.
النفط والنمو
بالعودة الى النظريات التي تنطبق على سوق النفط وعلاقته بنمو الإقتصاد العالمي فإن دراسة تبيّن أن أثر ارتفاع أسعار النفط لا يتمثل فقط في زيادة إنفاق المستهلك أو إنفاق الشركات إنما يمتد إلى أمور أكثر أهمية.
فإن الأثر الأكبر لارتفاع أسعار النفط في اقتصادات الدول المستهلكة لا يتمثل في نقص دخول المستهلكين، إنما في الصدمة التي تجبر الأفراد والشركات على تغيير سلوكهم، بما في ذلك تغيير خطوط الإنتاج.
هذا التغيير يعني انخفاض إنتاجية الأفراد من جهة، وتوقّف أو تباطؤ خطوط الإنتاج في المصانع من جهة أخرى فالكل يبحث في النهاية عن طريقة لتخفيض التكاليف.
وعملية البحث هذه تعرقل الكفاءة التي تم الوصول إليها نتيجة التكرار والخبرات السابقة. وخلال عملية البحث عن حل، قد يتم الوصول إلى طريق مسدود، فيتوقف الإنتاج مؤقتا، وعملية العودة إلى ما كان الأمر عليه تتطلب بعض الوقت. باختصار، ارتفاع أسعار النفط يسبب هزة في الاقتصاد نتيجة قيام الجميع بالبحث عن طريقة للتخفيف من أثر هذه الهزة. فإذا كانت هناك سياسات ووسائل جاهزة تمنع حدوث الهزة أو تخفف منها، فإن الأثر السلبي لن يوجد، أو يكون ضعيفا.
وتقول الدراسة أن ما يؤثر في الإقتصاد بشكل كبير هي عملية الارتفاع الكبير نفسها، بغض النظر عن كمية الارتفاع. لهذا فإنه يكاد يكون من المستحيل الربط بين مقدار ارتفاع أسعار النفط والنمو الاقتصادي، لكن يمكن الربط بين عملية الارتفاع والنمو الاقتصادي. ولهذا فإنه من الخطأ اعتبار أن أثر ارتفاع أسعار النفط بمقدار20 دولاراً في نمو الاقتصاد العالمي، مثلاً، يساوي أثر انخفاض الأسعار بالكمية نفسها، فالبيانات والتحليلات الإحصائية تشير إلى أن أثر ارتفاع أسعار النفط في اقتصادات الدول المستهلكة أكبر من أثر انخفاض الأسعار بالكمية ذاتها. لماذا؟ لأن ردة الفعل أثناء فترة الهلع أكبر منها في الحالات الأخرى.
وتضيف الدراسة ارتفاع أسعار النفط لا يؤثر في اقتصادات الدول المستهلكة إذا كان هناك ما يمنع الآثار السلبية لارتفاع أسعار النفط مثل زيادة الإنفاق الحكومي وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيض الضرائب، وزيادة الإنتاجية، وزيادة الدخول، وزيادة معدلات الاستهلاك. أما إذا تم تخفيض الإنفاق الحكومي ورفع أسعار الفائدة ورفع الضرائب، فإنه من الطبيعي أن تنخفض معدلات استهلاك، وبالتالي فإن البيئة مظلمة وهو ما سنشهده خلال السنوات القليلة المقبلة.
وتتابع الدراسة الى أنه من هذا المنطلق فإن أسعار النفط الحالية، بعد انخفاضها، ما زالت مرتفعة، وجو الاقتصاد العالمي مظلم ورطب وحار. ونتيجة لذلك فإن طلب على النفط سيستمر في الانخفاض، وإذا انتقلت العدوى إلى الأراضي الآسيوية، فإن الانخفاض في الطلب على النفط سيكون كبيرا لدرجة أن العدوى سينتقل إلى الدول المنتجة للنفط.
وتخلص الدراسة الى أن أسعار النفط ما زالت مرتفعة رغم الانخفاض الأخير، وأن المستوى الحالي في الجو الحالي يجعل البيئة ملائمة لأسوأ الاحتمالات.
بورصة الأسعار
وفي جولة على أسعار النفط العالمية في الفترة الأخيرة فإنها سجلت انخفاضاً بلغ أكثر من ثلاثة في المئة الأسبوع الماضي لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عام ونصف العام بعدما أظهرت البيانات ارتفاعا مفاجئا في مخزونات الخام الأمريكية وعقب شعور المستثمرين بخيبة الأمل إزاء الإجراءات التي أعلنها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمساعدة اقتصاد البلاد.
إذا فإن الأحداث العالمية وما يليها من تغيرات في سوق العرض والطلب يؤثر بشكل مباشر في أسعار النفط فما بالك إن أقفل مضيق هرمز وانخفض المعروض النفطي بشكل كبير؟
نقلا عن صحيفة اللواء اللبنانية