استغرب رئيس "مجلس الوزراء" المهندس "عماد خميس" ما طرحه مدير عام "المؤسسة العامة للسكر" المهندس "سعد الدين العلي" خلال أحد لقاءاته مع المعنيين بوزارة الصناعة منذ مدة ليست طويلة، وجود كمية كبيرة لدى المؤسسة العامة للسكر من مادة الخميرة الجافة المستوردة المقدّرة بـ6.5 آلاف طن وضمن الحدود الدنيا من الصلاحية واستيرادها كان من بلد صديق. ووجه رئيس الحكومة وقتها بضرورة معالجة الموضوع وتصريف المادة بالشكل الأمثل والمطلوب وقبل فوات مدة الصلاحية، والعمل على ضبط احتياجات المؤسسات العامة من المواد الداخلة في الصناعات الاستهلاكية وغيرها من الصناعات الأخرى حتى لا تقع المؤسسات في عجز لاستخدام المواد المستوردة وإدخالها في الصناعة المحلية.
ولعل اللافت في المشكلة هو أن المؤسسة العامة للسكر لم تطلب هذه الكميات على اعتبار أنها كميات كبيرة وليس بمقدروها التصرّف بها ضمن وقت محدّد وذلك ضمن مذكرة صادرة عن المؤسسة إلى وزارة الصناعة بخصوص هذا الموضوع، إضافة إلى أن معمل حمص للخميرة ينتج كميات من الخميرة الطرية تكفي لفترات طويلة..!.
خياران
وبقيت المؤسسة العامة للسكر هي الجهة الوحيدة التي جابهت مخاطر المشكلة وكانت أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تعمل على إيقاف معمل خميرة حمص عن الإنتاج مدة ستة أشهر، وإما خسارة ما يقارب 2.5 مليار ليرة قيمة الصفقة المشبوهة، مع الإشارة هنا إلى أن الحكومة قامت بتخفيض كمية العقد من 8 آلاف طن إلى 6.5 آلاف طن، وهذا ما سهّل من إمكانية تصريف هذه الكمية. أمام هذه الحالة الخطرة تكاد تكون الخيارات والحلول لتصريف هذه الكميات قبل فوات تاريخ انتهاء صلاحيتها قليلة، وعدم تحمّل الجهات المسؤولة من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمؤسسة العامة للتجارة الخارجية المسؤولية تجاه التصريف أوقع مؤسسة السكر في حرج كبير.!.
متوقف
مدير عام المؤسسة سعد الدين العلي كشف لـ”البعث” أنه تم إيقاف معمل الخميرة بحمص مدة 6 أشهر على أن يعاود العمل والإنتاج فيه مع بداية الشهر القادم، موضحاً أن مبررات التوقف ناتجة من التخوف من فقدان صلاحية مادة الخميرة المورّدة عبر الخط الائتماني، وبالتالي إتلاف هذه الكمية في حال انتهاء صلاحيتها، وحسب العلي فإنه تم تصريف 3.3 آلاف طن خلال العام الفائت وبقي 3.2 آلاف طن قيد التصريف.
وتشير المذكرة الصادرة عن المؤسسة لوزارة الصناعة، إلى أن المؤسسة العامة للتجارة الخارجية تعاقدت خلال العام الفائت على شراء كمية 8 آلاف طن خميرة جافة عن طريق الخط الائتماني الإيراني لمصلحة مؤسسة السكر دون أن يتم التنسيق مع المؤسسة لتحديد الكمية الفعلية المطلوبة لسدّ حاجة القطر، التي حدّدت فقط من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وأوضحت المذكرة التي حصلت “البعث” على نسخة منها أنه تم البدء بتوريد المادة من التجارة الخارجية في بداية العام الفائت بدفعات متقاربة وكميات كبيرة، ما أدّى إلى ارتفاع المخزون لدى المؤسسة، حيث بلغ حتى تاريخ الشهر السابع من العام الفائت أكثر من 2145 طناً من الخميرة الجافة على الرغم من أنه تمت مراسلة المؤسسة العامة للتجارة الخارجية أكثر من مرة من المؤسسة العامة للسكر لإيقاف التوريد والطلب إليها التنسيق معها من أجل توريد الخميرة، وضرورة وضع برنامج زمني للتوريد حرصاً على عدم انتهاء صلاحية الخميرة في مستودعات المؤسسة، ولكن دون أي ردّ إيجابي من التجارة الخارجية.
وهذا الأمر أدّى إلى تفاقم مشكلة ارتفاع المخزون نتيجة ضعف استجرار الخميرة من الجهات المستجرة للمادة والتابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وخاصة الجمعيات الحرفية لصناعة الخبز، وذلك بعد رفع سعر طن الخميرة من 52 ألف ليرة إلى 737 ألف ليرة بدءاً من عام 2015، كما أنه تمت مخاطبة وزارة حماية المستهلك أكثر من مرة لإلزام الجهات المستجرة للخميرة باستلام مخصصاتها وفقاً لكميات الدقيق الموزعة دون أي تجاوب أيضاً.
حلول
وأشارت المذكرة إلى أنه حرصاً على عدم انتهاء صلاحية الخميرة الجافة في مستودعات المؤسسة، ونظراً لارتفاع أسعار الخميرة وانخفاض الاستجرار، وبعد مناقشة الموضوع بمجلس إدارة المؤسسة وافق المجلس على مقترح إيقاف معمل الخميرة بحمص الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 24 ألف طن خميرة طرية سنوياً، وتعادل إنتاجية 6.7 آلاف طن من الخميرة الجافة ويغطي حاجة محافظات حمص واللاذقية وحماة من مادة الخميرة لمدة 6 أشهر إلى حين تصريف أكبر كمية ممكنة من الخميرة الجافة الواردة عن طريق الخط الائتماني الإيراني على أن يعاد النظر بإيقاف المعمل في ضوء استهلاك الخميرة الجافة.
ليس جديداً
أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق أكد أن ظاهرتي الغش والتلاعب في الصلاحية بالمنتجات الغذائية الاستهلاكية لم تعُد جديدة، وقد أصبحت علامة فارقة في الأسواق المحلية، إلا أن الجديد في الموضوع هو أنها أخذت تشقّ طريقها تجاه المؤسسات الحكومية ذات البعد الاقتصادي الإنتاجي، مبيّناً أنه في العام الفائت تمّت صفقة الشاي المشبوهة للتجارة الداخلية المقدّرة بـ5 ملايين طن، حيث أثبتت الكشوف المخبرية عدم صلاحيتها للاستعمال البشري وخسارة المؤسسة العامة الاستهلاكية نتيجة هذه الصفقة ما يقارب 2 مليار ليرة، مشيراً أيضاً إلى صفقات مادتي الرز والسكر للتجارة الخارجية في عام 2015 حيث استوردت المؤسسة العامة الاستهلاكية عبر الخط الائتماني الإيراني عدة آلاف الأطنان من مادتي السكر والرز ليتبيّن أن المواد ذات مدة صلاحية محدودة وتحديداً الرز، فوجّهت المؤسسة العامة الاستهلاكية، مديرياتها في المحافظات بتاريخ 9 أيلول 2015 ببيع 1408 أطنان من الرز، و5000 طن من السكر على وجه السرعة، والسعي للبيع بالمفرق عبر المنافذ.
وأمام ما طرحناه من وقائع تشير إلى عدم تحمّل بعض الجهات مسؤوليتها تجاه بعض الصفقات والعقود التي تبرمها المؤسسة العامة للتجارة الخارجية على اعتبار أنها هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إبرام عقود الاستيراد للجهات الحكومية، لابد من التنسيق الكامل بين الجهات المعنية لتفادي ما حصل في هذه الصفقات وضرورة تجاوب التجارة الخارجية مع الجهات الحكومية الأخرى الراغبة باستجرار بعض المواد وذلك ضماناً لوصول تلك المواد ضمن شروط مناسبة.