يعاني عدد كبير من العمال الذين يعملون في المحلات التجارية بدمشق، وخاصة في مناطق الشعلان والصالحية وشارع الحمراء، من غياب حقوقهم الأساسية التي نص عليها قانون العمل، فهؤلاء الأشخاص أصبحوا يعملون 12 ساعة يومياً، في حين حدد القانون عدد ساعات العمل بـ 8 ساعات فقط، كما أنهم يعانون من الاستغلال المادي، والحرمان من الإجازات والعطل الرسمية بشكل تعسفي من قبل رب العمل، وذلك في مخالفات علنية لقانون العمل، ومع البطالة المنشرة في صفوف العاملين والحاجة الماسة إلى العمل، وغياب دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على أرض الواقع، يبقى عمال المحلات التجارية في أسواق دمشق المادة الأولية لاستغلال التجار.
استغلال بساعات العمل وقطع إجازات
يشتكي وليد (31 عاما) وهو طالب في كلية الاقتصاد ويعمل في صالة ألبسة في سوق الشعلان لـ «لأيام» قائلاً: «نحن نعمل بمعدل 12 ساعة، من الساعة العاشرة صباحاً حتى العاشرة مساءً، لدرجة أنه لا يمكنني أن أمارس نشاطات الحياة اليومية نتيجة ضغط ساعات العمل الطويلة»، بالمقابل يعد يوم الجمعة يوم العطلة الوحيد خلال الأسبوع وهو يقضيه بالنوم نتيجة الإرهاق والتعب، أما بخصوص العطلة السنوية فيقول وليد: نحن لا نحصل إلا على 3 أيام عطلة خلال عيد الفطر و3 أيام مماثلة خلال عيد الأضحى فقط، في حين لا نعطّل خلال أيام العطل والمناسبات الرسمية مثل عيد الأم، أما عيد العمال العالمي، فيعتبره صاحب العمل يوماً له وليس لنا، وفي حال أخذنا إجازة ليوم واحد مبرر سيخصم رب العمل أجرة يوم كامل بنسبة 99%، أما في حال كانت الإجازة غير مبررة فيخصم أجرة يومي عمل، وهكذا يقابل يومي إجازة غير مبررة خصم أجرة 4 أيام عمل.
يقول وليد بأن أجرة ساعة العمل تصل إلى 200 ل.س، وهي تتفاوت بين محل وآخر، وبذلك تقدر الأجرة اليومية بنحو 2400 ل.س مقابل 12 ساعة عمل، ويتابع: إننا لا نطالب بزيادة الرواتب بل بتسيير دوريات على المحلات التجارية التي تخالف قانون العمل، فقبل الأزمة كانت المحلات تفتح أبوابها عند التاسعة صباحاً، وتغلق عند الثامنة مساءاً، حيث كانت الدوريات السيارة تخالف كل محل لا يلتزم بساعة الإغلاق، وكانت هناك لافتات تنظم بموجبها أيام العطل خلال الأسبوع، أما الآن فإننا نعمل في حالة فوضى، بل إن أصحاب المحلات يرون في زيادة ساعة إضافية لعمالهم مدعاة للفخر، من دون تقدير لظروف المواصلات حتى في رمضان، حيث نخرج من المحل قبل نصف ساعة من الإفطار فقط، على الرغم من ازدحام السير خلال هذه الفترة تحت (جسر الرئيس)، لمن يسكن في مناطق دمر وقدسيا وغيرها، فمتى سنصل إلى منازلنا؟! علاوة على ذلك أنا مطالب بالعودة إلى المحل بتمام الساعة 9 مساءً وتعويض ساعتي الإفطار والعمل حتى الساعة الثانية صباحاً، وعند هذا التوقيت أغادر إلى منزلي وأصل بحدود الساعة الثالثة والنصف، وهنا لديك وقت قصير للأكل والعناية الشخصية، والنوم عند الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة، ثم الاستيقاظ عند الثامنة والنصف ومتابعة العمل عند التاسعة تقريباً، ما هي هذه الحياة المتعبة التي لا نحصل فيها على قسط كاف من النوم؟! قسم كبير من العاملين في المحلات التجارية في الشعلان والصالحية من طلاب الجامعة والمعاهد، وعندما نطالب بزيادة الأجور خلال ساعات العمل الإضافية أو العطل يأتيك رد رب العمل جاهزاً «روح أنت، في ألف بنت غيرك»؟!
خيارات مرة أمام الفتاة
تقول نجوى (24 عاما) خريجة معهد، وتعمل في صالة حقائب نسائية في الشعلان لـ «لأيام»: «نعمل من الساعة 10 صباحاً حتى وقت متأخر ليلاً، وهذه ليست مشكلة لدى شاب يستطيع العودة إلى منزله في الليل، لكنها مشكلة كبيرة لدى الفتاة ضمن مجتمعنا المحافظ، إذ يفترض برب العمل أن يأخذ وضعنا بعين الاعتبار لنغادر إلى منازلنا باكراً، لاسيما مع بعد المسافة بين مكان العمل في الشعلان وبيتي في ركن الدين، فلولا أن أخي يأتي لاصطحابي يومياً لقدمت مكرهة استقالتي من العمل، فماذا سيبقى من يومي باستثناء ساعة للعشاء إلى أن أضع رأسي على الوسادة وأستسلم للنوم بعد ساعات عمل مجهدة ومرهقة؟ تضيف: «أنت أمام خيارين أحلاهما مرّ إما أن تمضي بقية حياتك بهذا النوع من العمل واصلاً الليل بالنهار، أو تترك العمل وتلتفت لتطوير نفسك عن طريق إقامة دورات لغة وحاسب، لكن ألا تحتاج هذه الدورات إلى مال؟!»
وتتابع نجوى: «بعد كل هذا الجهد يسألك رب العمل، لماذا تبدو عليك علامات التعب، وتتأخرين عن العمل؟! يختلف الأمر مع صديقتي التي تعمل في محل ألبسة في بيروت بشارع الحمرا من الساعة 9 صباحاً حتى الساعة 6 مساء، إذ لديها متسع من الوقت لممارسة بعض الأنشطة مع صديقاتها هناك، كما تحصل على عطلة أسبوعية، نصف يوم السبت وكامل يوم الأحد. كذلك يختلف العمل في محلات أبو رمانة التجارية عنه من محلات الحمرا والشعلان والصالحية التي تعتبر أهم مراكز عرض الماركات التجارية؛ حيث تلتزم محلات أبو رمانة بالعمل من الساعة 9 صباحاً حتى الـ 5 مساء، كما تلتزم بالعطل الرسمية كافة مقابل نفس الراتب، حتى في مصر والتي لا تختلف كثيراً عن سورية لا تزيد ساعات العمل فيها عن 9 ساعات كما أخبرتني صديقة لي هناك».
قانون العمل معطل
بحسب المادة 155 من قانون العمل السوري، رقم 17 لعام 2010، يحق للعامل إجازة سنوية مأجورة لمدة 14 يوماً، لمن لديه سنة من العمل، تزاد إلى 21 يوماً بعد أن يمضي العامل 5 سنوات في العمل، كما تزاد الإجازة إلى 30 يوماً عندما يتجاوز العامل 50 سنة من العمر أو 10 سنوات من العمل، بينما يلتزم صاحب العمل بإعطاء العامل 6 أيام عطلة متصلة ضمن السنة، لكن يجب أن تحصل بالتنسيق بين العامل وصاحب العمل، بحيث لا تكون لكل العاملين سوية بما يؤثر على أداء العمل، وبالمقابل يحدد صاحب العمل بحسب المادة 157 مواعيد منح الإجازة السنوية لعماله حسب مقتضيات العمل وظروفه؛ على أن يتم إعلام العامل عن مواعيد استعمال الإجازة قبل شهر على الأقل من مواعيد استعمالها، وعلى صاحب العمل تمكين العامل من الحصول على هذه الإجازة إلا إذا وجدت أسباب جدية تتعلق بطبيعة العمل وظروفه تستدعي التأخير في منح الإجازة شريطة استعمال 6 أيام متصلة من إجازته المنصوص عليها بالمادة 160، وفي هذه الحالة تُضم أيام الإجازة المتبقية لإجازاته السنوية في السنة اللاحقة، أو يعوض له صاحب العمل عنها نقداً، كما يحظر بحسب المادة 158 كل اتفاق يقضي بالتخلي عن حق العامل في الإجازة المتصلة المنصوص عليها في المادة 160، أو التنازل عنها لقاء تعويض مادي.
ويعاقب أي صاحب عمل طبقاً للمادة 272 بغرامة لا تقل عن 5000 ل.س ولا تزيد عن 10000 ل.س، لأي مخالفة لأحكام هذا القانون لم ترد عقوبة خاصة بها في هذا الباب، وفق لقانون العمل لعام 2010، وتعمل لجنة على تعديل القانون الآن ليتناسب مع الظرف الحالي، كما يغرّم كل من يخالف أحكام الباب العاشر المتعلق بوقف العمل بغرامة لا تقل عن 25000 ل.س ولا تزيد عن 50000 ل.س، ومن جهة أخرى تفرض غرامة 50000 ل.س لكل منشأة لا تملك نظاما داخليا، كما تفرض غرامات عن كل عامل لم يحصل على تعويض معيشي، يضاف إلى ذلك زيارة المنشأة مرة أخرى للتأكد من تلافي صاحب العمل للمخالفات السابقة، وفي حال عدم الالتزام تضاعف الغرامة.
العمال لا يتقدمون بشكاوى للوزارة
يوضح مدير العمل المركزي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود الدمراني لـ «لأيام» أنه بحسب قانون العمل رقم 17، نصّت المادة 90 أنه يتوجب على كل شركة يتجاوز عدد عامليها 15 عاملاً، أن تملك نظاماً داخلياً بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية، ويتوجب أن يتضمن النظام الداخلي فقرة تتضمن التزامات صاحب العمل، منها منح العامل الإجازات والأعياد والعطل الرسمية المنصوص عليها بأحكام هذا القانون.
ويقول الدمراني «إنه أثناء القيام بزيارات تفتيشية من قبل مديريات الشؤون الاجتماعية في المحافظات ومفتشي الوزارة، يتم مخالفة وفرض غرامة على كل رب عمل يفرض على عماله ساعات عمل زائدة، على الساعات المنصوص عليها في القانون، وهي ثمانية ساعات فقط يتخللها نصف ساعة استراحة، حيث يسأل مفتش مديرية العمل بموجب النشرة التي يحملها العامل عن الأجر والعطل والإجازات، وفي حال لم يحصل العامل على حقوقه بموجب قانون العمل يخالف صاحب العمل، حيث نحاول أن يكون تواصلنا مع العامل بشكل منفرد مباشر، كيلا يكون هناك تأثير لرب العمل عليه، وبالمجمل ترسل نتائج الزيارات التفتيشية من مختلف المناطق والمحافظات إلى الوزارة، وفي حال ورود أي شكوى ترسل لجنة تفتيشية للمنشأة المذكورة أو المحل التجاري وتعالج مباشرة».
مليون ليرة غرامات على أصحاب العمل
يبين الدمراني أن الغرامات المفروضة على صاحب العمل تصل أحياناً إلى مليون ل.س، وفي حال عدم تسجيل عقود للعمال تفرض غرامة مثل ونصف من الحد الأدنى للأجر الذي يبلغ 16175 ل.س، وبذلك تكون الغرامة بحدود 24000 ل.س تقريباً لكل عامل غير مسجل بعقد وفي حال كان لدى رب العمل 10 عمال تصل الغرامة إلى 240000 ل.س.
يضيف الدمراني: «يفترض على العامل أن يقدم شكواه لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإذا كان العامل يرفض ذكر اسمه خوفاً من رب العمل، يستطيع تقديم الشكوى من دون ذكر اسم، من خلال موقع وزارة الشؤون الاجتماعية، وسنرد على الشكوى مباشرة بزيارة تفتيشية، من جهة أخرى يصعب القيام بزيارات تفتيشية ليلاً إلا في حال ورود شكوى، وفي حال تلقينا شكوى من أي عامل، وقام رب العمل بطرد العامل بشكل تعسفي أو كيدي بعد تقديمها، يغرم صاحب العمل عن كل سنة بمعاش شهرين حتى إذا لم يكن هناك عقد بين الطرفين، إضافة إلى ذلك بمقدور العامل اللجوء للقضاء حينها، كما أكد القانون أنه لا يعتد باستقالة العامل إلا كانت مسجلة من قبل العامل في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل».
في سياق متصل يؤكد الدمراني بأن إغلاق المحل عند ساعة معينة من اليوم كما كان معمولاً به قبل الأزمة، هي مسؤولية المحافظة وليست وزارة الشؤون الاجتماعية.
أكثر من 13 مليون ل.س بحق أصحاب العمل المخالفين للقانون
يشار إلى أنه في 2017 صدر 141 قرار غرامة بحق أصحاب العمل المخالفين لقانون العمل في مختلف المحافظات، وأغلبها في دمشق وريفها، في حين تجاوز مجموع الغرامات 13 مليون ل.س، وتتراوح الغرامات بين عدم تسجيل عقد للعمال، وعدم وجود نظام داخلي، بالإضافة لعدم منح إجازات وعطل، وعدم منح تعويض للعمل الإضافي. كما شملت الغرامات مختلف الشركات والمنشآت والمعامل. ويلاحظ أن مجموع الغرامات قليل جداً مقارنة مع العدد الكبير لمخالفات قانون العمل التي يرتكبها أرباب العمل بدمشق فقط.
بالمحصلة سيبقى عمال القطاع الخاص ومن ضمنهم عمال المحلات التجارية عرضة للاستغلال، وقرارات الفصل التعسفي، والحرمان من الإجازات والأجور تبعاً لهوى رب العمل، مادام قانون العمل لا يملك القوة على الأرض لفرضه، ومادام العمال يجهلون حقوقهم الأساسية.
المصدر: صحيفة الأيام السورية