علمت “الخليج” أن مصرف لبنان يواجه إشكالات كبيرة في الاستمرار في عملية التقاص بالدولار الأمريكي، وقد يضطر في النهاية إلى قفلها إذا ما أصرت السلطات الأمريكية على ذلك . المعروف أن لبنان من الدول النادرة في العالم التي يوجد فيه مقاصة لعملة غير عملته وتحديداً بالدولار الأمريكي إلى جانب المقاصة بالليرة اللبنانية . إذ من المتعارف عليه أن المقاصة تعد حقاً سيادياً نقدياً للدولة صاحبة العملة التي تحمل اسمها . بيد أن السلطات الأمريكية التي كانت على علم بالمقاصة على عملتها في مصرف لبنان منذ سنوات طويلة، باتت تميل إلى قفلها بعد قضية البنك اللبناني الكندي الذي أرغم بطلب من وزارة الخزانة الأمريكية وبإشراف مصرف لبنان على بيعه من سوسيتيه جنرال اللبناني، في إثر اتهامه مطلع 2011 بتبييض أموال لمصلحة “حزب الله” .
وفهم أن مساعد وزير الخزانة الأمريكي المكلف بشؤون مكافحة تمويل الإرهاب ديفد كوهين الذي زار لبنان على رأس بعثة من الوزارة في العام الجاري طلب إلى مصرف لبنان قفل المقاصة التي يجريها على الدولار الأمريكي . وكان الجواب بأن هذه المقاصة جاءت لكون الاقتصاد اللبناني ووودائع المصارف وتسليفاتها باتت مدولرة إلى حدود كبيرة . الأمر الذي حمل مصرف لبنان على اعتماد المقاصة بالعملة الأمريكية لتسهيل العمليات المصرفية والتبادل المالي بين عملاء المصارف والدورة الاقتصادية عموماً، لكن الخزانة الأمريكية بعد قضية البنك اللبناني الكندي باتت تحمل شكوكاً بأن من شأن هذه المقاصة إخفاء عمليات ملتبسة تتصل بتبييض الأموال والالتفاف على العقوبات المالية المفروضة على إيران وسوريا و”حزب الله” . المعروف أن مهمة غرفة المقاصة في أي دولة تبادل الشيكات المسحوبة على المصارف من خلال عملائها وفي ما بينهم . وفي المبدأ أن كل العمليات النقدية المشابهة في العالم تتم مقاصتها النهائية في دولة العملة . وفي وضع الدولار الأمريكي يمكن للسلطات النقدية والمالية الأمريكية معرفة أسماء المتداولين بالدولار الأمريكي لأي غرض كان، في حال إتمامها بحسب الأصول وشيكات أو تحويلات عبر المصارف . الأمر الذي لا يتوافر لها في مقاصة بعملتها خارج أراضيها .
وقد فتح ملف المقاصة في إثر ما تنامى إلى وزارة الخزانة الأمريكية أن البنك اللبناني الفرنسي، وهو في لائحة المصارف العشرة الأولى في لبنان، طلب إلى المصارف اللبنانية شفهياً، كما أبلغت مصادر مصرفية عليمة “الخليج”، تحويل العمليات المتعلقة به بالدولار الأمريكي إلى حساباته في مصرف لبنان وليس عبر المصارف المراسلة في نيويورك . وقد لجأ المصرف إلى هذه الخطوة بعد تردد معلومات عن تجميد حساباته في الولايات المتحدة لدى المراسلين لحجز 150 مليون دولار أمريكي قيمة حساب Escrow Account تستحق في 7 سبتمبر/أيلول المقبل في سياق إتمام صفقة بيع اللبناني الكندي من سوسيتيه جنرال . وهذا النوع من الحسابات المصرفية يفتح إلى حين تأكد المصرف الشاري بعدم ظهور التزامات على المصرف المباع لم تكن واضحة في قيوده، أو مخفية عن الشاري وقت إبرام صفقة الشراء . وقد ظهر هذا الحساب في قيود البنك اللبناني الفرنسي من خلال المصارف المراسلة في نيويورك . فكان القرار بتجميد حسابات اللبناني الفرنسي حتى لا يتم تحويل المبلغ إلى مساهمي اللبناني الكندي الملاحقين في الولايات المتحدة أو ل”حزب الله” . وهو كما يفترض الدفعة الأخيرة من صفقة بيع المصرف الباقية على سوسيتيه جنرال وكانت بلغت قيمتها 580 مليون دولار أمريكي .
ويشار إلى أن لا دعوى أمريكية على البنك اللبناني الفرنسي . وقد يكون سدد المبلغ المحجوز عليه في الولايات المتحدة لقاء الإفراج عن حساباته الاخرى لضمان تواصل عملياته المالية والمصرفية . فيكون الخاسر هم مساهمو اللبناني الكندي الذين قد يتنازعون قضائياً مع المصرف الشاري سوسيتيه جنرال . وتبقى القضية الأهم المقاصة بالدولار الأمريكي في مصرف لبنان . وقد بدأ مصرف لبنان اتصالاته لمعالجتها . علماً بأنه ليس في وسع السلطات الأمريكية مصادرة المبلغ من حكم قضائي لا يبدو عسيراً عليها في أي حال .