قللت مجلة الايكونوميست من الدور الذي لعبه صندوق النقد الدولي خلال عام 2006، اذ انه طيلة عقد من الاستقرار المالي شهدت عمليات الاقراض التي قدمها الصندوق تراجعا سريعا، غير ان ذلك لم يدم طويلا فالصندوق التزم حتى الآن بنحو 103 مليارات دولار لليونان وايرلندا والبرتغال.
وهذا المبلغ يتجاوز بكثير ما قدمه لمواجهة الازمة المالية الاسيوية خلال تسعينات القرن الماضي عندما بلغ اجمالي القروض التي قدمها 35 مليار دولار. وفي ضوء تنامي الاحتياجات الاسبانية للاقتراض تمهيدا لانقاذه من الازمة، فمن المتوقع ان تشهد الارقام مزيدا من الارتفاع.
واضافت المجلة ان الصندوق يعتبر ان عددا من المساهمين فيه قلقون من تزايد وتيرة الاقراض للدول الاوروبية، التي تعتبر قادرة تماما على الاعتناء بنفسها وادارة شؤونها المالية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فان ثمة خلافات نظرا لان الدول الاوروبية تملك حصصا غير متناسبة فيما يتعلق بحقوق التصويت على القرارات التي يزمع الصندوق اتخاذها.
تساؤل مشروع
وتساءلت المجلة بالقول: الى اي مدى يمكن اعتبار مثل هذه الانتقادات لصندوق النقد الدولي صحيحة؟ من المؤكد ان الصندوق قد اصبح داخلا في علاقات مالية متشابكة مع المؤسسات المالية الاوروبية جراء ازمة منطقة اليورو. انه الشريك الاصغر في ترويكا المؤسسات التي عملت معا على كل واحدة من عمليات الانقاذ، اما الشريكان الاخران فهما البنك المركزي الاوروبي والمفوضية الاوروبية.
وقد وفرت دول منطقة اليورو ذاتها حصة الاسد من اموال الدعم المالي، ومع ذلك فإن الارقام التي تتحدث عن عمليات الاقراض التي يقوم بها الصندوق مازالت كبيرة. فقد التزم الصندوق بنحو 30 مليار يورو او 37 مليار دولار لليونان في مايو عام 2010، فضلا عن قروض لكل من ايرلندا والبرتغال بعد ذلك بعام واحد. وقد اعتبرت كل هذه الارقام بمثابة ارقام قياسية جديدة تتفوق على الرقم القياسي السابق الذي سجله الصندوق في السابق والبالغ 30 مليار دولار عندما قدمه قرضا للبرازيل عام 2002.غير ان التهم التي وجهت للصندوق بانه كان يبعثر الاموال يمنة ويسرة ليست منصفة. فقد تخلت رئيسة الصندوق كريستين لاغارد عن الوعود السخية التي كان قطعها على الصندوق سلفها دومينيك شتراوس - كان، الذي وعد ان يقدم الصندوق نحو ثلث النقد السائل التي ستحتاجه منطقة اليورو، كما بذلت جهودا لكسب وعود من الدول الغنية الاعضاء في الصندوق مثل الصين، بتقديم تمويلات جديدة. ويبلغ الدعم الذي قدمه الصندوق لليونان وايرلندا والبرتغال نحو %10 من الطاقة الاقراضية الاجمالية للصندوق والتي تبلغ قرابة تريليون دولار. وباعتباره راعيا للاموال التي يقدمها المساهمون فيه، فانه يمكن القول ان الصندوق كان ملتزما جانب العقلانية والحصافة.
نصائح معيبة
وتقول الايكونوميست ان الانتقادات الموجهة لصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بنوعية النصائح التي يقدمها للدول تبدو اكثر بروزا واعلى صوتا، ذلك ان سجل الصندوق يبدو مختلطا بصورة تبدو مع سبق الاصرار. ولنأخذ ايرلندا على سبيل المثال، فقد نجمت ازمتها المالية عن قطاع مصرفي منهار نقل عدواه الى الماليات العامة للدولة، وارتفعت عائدات السندات الايرلندية اواخر عام 2010. وعندئذ قدمت الترويكا برنامج انقاذ بقيمة 68 مليار دولار تم تصميمه لتاجيل وقوع دبلن في براثن اسواق الدين العالمية اذا ما اقترضت منها. وبعد اقل من عامين، كانت الامور تبدو افضل بكثير، حيث عاد القطاع المصرفي الى سابق نشاطه بعد ان بلغت اصوله عند ذروتها خمسة اضعاف الناتج المحلي الايرلندي، حيث تم تحجيمها وتقليصها واعادة رسملتها. وفي الوقت ذاته، فان ثمة برنامج تحسين الميزانية البالغ قوامه 15 مليار يورو الذي كانت اثاره موجعة تماما.
أقل نجاحاً
الا ان المجلة تستدرك بالقول ان دور الصندوق في اليونان كان اقل نجاحا، ذلك ان الخطة الاولى لم تكن كافية وادت بدورها الى استمرار الازمة وايجاد الخطة الثانية للانقاذ. ويعزى جانب من فشل الخطة الاولى الى النطاق الواسع للديون التي ترزح البلاد تحت وطأتها فضلا عن مشاكل تتعلق بالتنافسية، ولكن برغم ذلك فقد كانت ثمة اخطاء ايضا.
إخفاق متتال
وكان اخفاق برنامج الانقاذ الاول قد اصاب خزائن دول الترويكا التي قدمته في مقتل اضطرت في ضوئه الى رفع قيمة برنامج الانقاذ الثاني الى 130 مليار دولار. غير ان هذا الامر قد اضر بصندوق النقد الدولي بطريقة اخرى حيث سادت مخاوف من ان تؤدي الاجراءات المؤيدة للسياسات التقشفية الى استقواء البنك المركزي الاوروبي والمفوضية الاوروبية على الصندوق. وبطبيعة الحال فان للصندوق تأثيرا لا يستهان به فقد دفع في اتجاه اعادة جدولة الديون الخاصة في اليونان، كما قام الجيش الذي يملكه الصندوق من الباحثين باصدار توجيهات مفيدة جاء مضمونها في ورقة عمل اصدرها الصندوق أخيرا وتقول ان عمليات الاندماج المالي التي تتم بصورة ثابتة قد تؤتي ثمارا افضل من تلك العمليات التي تتم بشكل حاد والتي يفضلها البنك المركزي الاوروبي.
ولكن ارفيند سوبرامانيان، الباحث في معهد بيترسون يرى ان المفهوم الذي يبقى قائما هو ان وجهات نظر الصندوق لم يعد ينظر اليها بنفس الاعتبار الذي تؤخذ به وجهات نظر الاطراف الاخرى، وقد ادى ذلك الى تدمير سمعة الصندوق باعتباره يتبنى مفهوما اقتصاديا مستقلا.
امتحان أصعب
وثمة امتحان اصعب تلوح بوادره في الافق حيث من المتوقع ان تبادر اسبانيا الى طلب الانقاذ في المستقبل القريب، ويبلغ الاقتصاد الاسباني ضعفي حجم الاقتصادات اليونانية والايرلندية والبرتغالية مجتمعة، وتحتاج اسبانيا الى 207 مليارات يورو خلال العام المقبل بمفرده.
ونسبت المجلة الى المسؤول في الصندوق محمود برادهان قوله انه لما كانت اسبانيا تشكل اقتصادا كبيرا، فان برنامج الانقاذ الخاص بها قد يشكل ضغطا هائلا على مالية صندوق النقد الدولي، ومن المهم الاشارة الى ان مدريد تملك سهولة الوصول الى الاسواق بدلا من انغلاقها والحيلولة دون دخولها. وهذا الامر يستدعي تغيير الاسلوب والمسار من قبل الصندوق، فينبغي الا يقدم اي اموال لأي برنامج انقاذ اسباني حيث ان دول منطقة اليورو لديها المصادر الذاتية الكافية لتمويل هذا البرنامج، ويمكن لبرنامج آلية الاستقرار الاوروبي البالغ قوامه 500 مليار يورو، والذي يتمتع بدعم دول منطقة اليورو، ان يشتري مباشرة سندات الدين الاسبانية ويقلص بذلك الضغوط على مزادات السندات.
واذا ما وافقت اسبانيا على برنامج الاصلاحات الاقتصادية، فان البنك المركزي الاوروبي يعتبر الآن على اهبة الاستعداد للتدخل في اسواق السندات الثانوية ليساهم في رفع الاسعار وتقليص العائدات.
المصدر: مترجمة عن مجلة الايكونوميست