من الواضح أن الذهب بات عملة الاحتياط العالمية الجديدة . وتواصل البنوك المركزية مساعيها من الولايات المتحدة وأوروبا في الاندفاع نحو حيازة الذهب . وبالمقابل لم يشهد المستثمرون حتى الآن الضغوط التضخمية الهائلة التي يبدو مرجحاً أنها بسبيل اجتياح العالم .
ولابد أن ارتفاع أسعار الذهب على نحو جوهري يتحدث عن نفسه . وبمقياس الدولار عاد ارتفاع الذهب بنسبة 1 .11% في الربع الثالث من العام وحتى هذه اللحظة يتوقع أن يرتفع سعر الذهب إلى 16% في نهاية الربع الحالي . وقال مجلس الذهب العالمي إن الذهب يمتلك صلة منخفضة أو محدودة بالنسبة لتعاملاته في سوق الأسهم، ولكن لم تكن تلك الصورة في الربع الثالث من العام 2012 . ولكنه لا يزال يتفوق أداء على مجمل أسواق الأسهم الكبرى في البلدان التي تمتلك أكبر كميات من الذهب العام 2012 .
وحلل موقع 24/7 (wall St) كيف يمكن مقارنة تصنيفات الذهب للوصول إلى إجمال الناتج المحلي للأمم الكبرى، وكيف تقارن هذه الأرقام بالأمم العشرة الكبرى التي تمتلك الذهب . والمفاجئ وما يدعو إلى الاستغراب هو كيف لأقطار تمتلك إجمالي الناتج المحلي الأكبر ليست بالضرورة المالك الأكبر للذهب . والملفت أن أمتين صغيرتين مثل هولندا وسويسرا هما من المالكين الكبار للذهب . وبموجب شروط اتفاقية الذهب التي توصلت إليها البنوك المركزية بين الأقطار الأوروبية الرئيسة، فإنه يفترض بالكثير من الأقطار أن تبيع الذهب ولكنها لم تفعل ذلك .
فالمملكة المتحدة على سبيل المثال تحتل المركز السابع عالمياً بين الأقطار التي تمتلك إجمالي ناتج محلي يبلغ 43 .2 تريليون دولار ولكنها تحتل المركز السابع عشر عالمياً حيث تمتلك 3 .310 طن من الذهب، وهي كمية لا تشكل أكثر من 9 .15 في المئة من مجمل احتياطيها من العملات الصعبة . ولكن هل تعني العبارة القديمة »باوند استرليني« أن المصارف البريطانية تولي حقيقة اهتماماً أكبر بالفضة؟ أما الحالة الثانية الاستثنائية فهي البرازيل التي تمتلك حصة صغيرة جداً من الذهب مقارنة بإجمالي ناتجها الوطني الذي يساوي 5 .2 تريليون دولار وتصنف في المركز السادس في العالم، ولكنها لا تستحوذ سوى على 6 .33 طن من الذهب أو 5 .0% من الاحتياطي الأجنبي . والمستغرب أن تصنف البرازيل في المركز الثاني والخمسين في العالم بين البلدان المستحوذة على الذهب .
ويشار إلى أن صندوق النقد الدولي هو ثالث جهة رسمية تستحوذ على الذهب، فهو يمتلك أكثر من 2814 طناً من الذهب . ويحتل المصرف المركزي الأوروبي مركزا يجعله لا يزال متخلفا عن الهند أي يمتلك نحو 1 .502 طن ويشكل الذهب 3 .32% من احتياطيها من العملات الأجنبية . وتجاوزت كل من روسيا وأكرانيا وجمهورية قرغيزيا المصرف المركزي الأوروبي في مشتريات الذهب . وبالغت تركيا في شراء الذهب لزيادة متطلباتها من احتياطي الذهب لتعزيز مكانة مصارفها التجارية .
ينضم تشوك جاف كبير كتاب الأعمدة في موقع »ماركت ووتش« الاقتصادي إلى مركز الأسواق الرئيس لإيضاح الأسباب التي تجعل ذكريات الانهيار في العام 1987 لا تزال منتعشة في الأذهان، وليست الخسائر .
ويكشف تقرير لمجلس الذهب العالمي عن تكاليف إقراض منخفضة وأن دعم الأسواق المالية يشجع تراكم الذهب . ولم يعد الذهب تحوطا في مواجهة التضخم، بل مفتاحا لحماية السباق العالمي لخفض قيمة العملات، حتى لو كانت أسعار المستهلك مستقرة إلى حد ما . ويشار إلى أن مردود أسعار السندات منخفض نسبيا كما أن تخبط الأسعار أرعب الكثيرين من المستثمرين، وفي ضوء ذلك أصبح الذهب الملاذ الآمن الحقيقي .
وفي هذه الأثناء تضاعف البنوك المركزية الكبرى ميزانيتها بشراء تريليونات الدولارات على شكل أصول ورقية . وقال مجلس الذهب العالمي إن البحث يكشف أن تغير إمدادات المال بلغ 1% قبل ستة أشهر من توجه الولايات المتحدة وأوروبا والهند وتركيا لمضاعفة أسعار الذهب بنسب 9 .0%، 7 .0% و05 .0% على التوالي . وأضاف المجلس أيضا أنه لا تزال هناك سنوات طويلة لحدوث التضخم، وفي الوقت ذاته لا تخفي الكثير من المصارف المركزية قلقها من تفشي التضخم . وينصح المستثمرون بأن يصغوا للتحذيرات التي أطلقها بل غروس ملك السندات الذي أبلغ مستثمرين عالميين بأن يكون لديهم انكشاف على الأصول الصعبة التي ستتضاعف قيمتها مع التضخم .
الولايات المتحدة:
* احتياطي الذهب: 5 .81333 طن
* النسبة المئوية لمجمل الاحتياطات الأجنبية : 4 .75%
* إجمالي الناتج المحلي: 15 تريليون دولار وهو الأضخم في العالم .
* أداء الأسهم : ارتفاع مؤشر »إس أند بي 500« من 7 .5% في الربع الثالث إلى 5 .14% في العام 2012 حتى الآن .
ليس مستغرباً أن الولايات المتحدة هي المستحوذ الأكبر على الذهب في العالم خاصة أن الدولار يمثل العملة الاحتياطية العالمية لأي أمة . ويمكن استدامة ميزانية الاحتياط الاتحادي بدون أية تداعيات خطيرة إذا كانت الأصول الصعبة مدعومة بالذهب . وعليك تخيل إذا كان منظرو فكرة المؤامرة على صواب وأن مخازن أو مستودعات فورت نوكس خالية من الذهب .
ويعد هذا الذهب هو الثروة الحقيقية التي تسند الدولار وتبقيه الاحتياطي النقدي العالمي . وفي حال كان مجلس الذهب العالمي على صواب في تقويماته للتضخم والذهب، عندها يرجح أن تحتفظ الولايات المتحدة بوضعها كمركز ثقل للاحتياطي النقدي لفترة ما، حتى وإن واصلت وكالات التصنيف الائتماني خفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني .
ألمانيا:
* احتياطي الذهب : 5 .3395 طن
* نسبة إجمالي الاحتياطات الأجنبية : 4 .72% من الاحتياطات الأجنبية .
* إجمالي الناتج المحلي: 6 .3 تريليون دولار . (رابع أضخم إجمالي ناتج محلي في العالم) .
* أداء الأسهم : ارتفاع مؤشر داكس من 4 .12% في الربع الثالث من العام إلى 3 .22% في العام 2012 حتى الآن .
على الرغم من مبيعات الذهب نتيجة لضغوط من بلدان المصرف المركزي الأوروبي في الماضي، يرجح أن تحافظ ألمانيا على قاعدة أصولها الحالية باعتبارها لأوروبا . وفي واقع الأمر فإن اليورو هو نسخة ضعيفة من المارك . وتحتل ألمانيا، التي يبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة، المركز السادس عشر في العالم، ولكن إجمالي ناتجها المحلي المعدل الذي يساوي 6 .3 تريليون دولار يصنف في المركز الرابع عالمياً . ولكن ماذا يمكن أن يحدث في حال سارعت ألمانيا وتيرة مشتريات الذهب لشراء المزيد من الأصول الورقية من البلدان الأوروبية الطرفية : (البرتغال وإيطاليا وأيرلندا واليونان وإسبانيا) . ويمكن أن يكون رد الفعل الأولي إيجابياً بالنسبة لاقتصادات منطقة اليورو .
إيطاليا:
* احتياطي الذهب : 8 .2451 طن
* نسبة إجمالي الاحتياطي الأجنبي: 72%
* إجمالي الناتج المحلي: 2 .2 تريليون دولار ( ثامن أضخم إجمالي في العالم )
* أداء الأسهم: شهدت البورصة الإيطالية زيادة بنسبة 7 .5% في الربع الثالث لكن الارتفاع ظل فاترا حتى الآن .
تعيش الأمة الإيطالية حالة من الاضطراب المالي، ما يجعل من الصعب توفير حزمة إنقاذ كافية . وتبعاً للكثير من المقاييس تعد إيطاليا أكبر اقتصاد معرض للخطر بالنسبة لباقي أقطار منطقة اليورو وميزان الاقتصادات الكبرى في العالم . والجدير أن عدد سكان إيطاليا يبلغ 61 مليون نسمة وتصنف في المركز الثالث والعشرين عالمياً، ولكن إجمالي الناتج المحلي المقوم بالدولار يبلغ 2 .2 تريليون دولار ويصنف في المرتبة الثامنة على أساس ضخامة الاقتصاد . وتعد إيطاليا جزءاً من اتفاقية الذهب التابعة للمصرف المركزي الأوروبي . ويمكن لإيطاليا بيع جانب من ذهبها لمضاعفة وإسناد رأسمالها، ولكن لو حدث ذلك فإن إيطاليا ستخسر أرضية مساندة قوية في حال تفككت منطقة اليورو . وعلى الأغلب من المستحيل تخيل أن إيطاليا ستكون مشترية للذهب لأن لديها أعداد هائلة من المتقاعدين والمكافآت التي عليها سدادها .
فرنسا:
* احتياطي الذهب : 4 .2435 طن .
* نسبة إجمالي الاحتياطي الأجنبي : 6 .71%
* إجمالي الناتج المحلي: 77 .2 تريليون دولار .( المركز الخامس عالمياً كأضخم ناتج محلي )
* أداء الأسهم : ارتفع مؤشر سي إيه سي من 9 .4% في الربع الثالث إلى 1 .6% في العام 2012 حتى الآن .
تجد فرنسا نفسها في وضع مهم . فالرئيس فرانسوا هولاند يعارض الكثير من الإجراءات التقشفية التي نفذها سلفه الرئيس نيكولا ساركوزي . وتعمل فرنسا جاهدة للحفاظ على وضعية ثاني اقتصاد أوروبي في منطقة اليورو بعد ألمانيا .
اليابان:
* احتياطي الذهب: 2 .765 طن
* نسبة إجمالي الاحتياطي الأجنبي: 86 .5 تريليون (أعلى ثالث قطر في العالم)
* أداء الأسهم : مؤشر نيكاي 225 يهوي إلى 5 .1% في الربع الثالث من 6 .4% في العام 2012 حتى الآن .
الصين:
* احتياطي الذهب : 1 .1054 طن .
* نسبة إجمالي الاحتياطي الأجنبي: 7 .1%
* إجمالي الناتج المحلي : 3 .7 تريليون دولار ( ثاني أضخم إجمالي ناتج محلي في العالم )
* أداء الأسهم : مؤشر شنغهاي المجمع انخفاض من 6 .6% في الربع الثالث من العام إلى انخفاض اقل 4 .5% في العام 2012 حتى الآن .
تعثر الاقتصاد الصيني إلى نقطة جعلت نسبة النمو الرسمية البالغة 4 .7% في الربع الثالث من العام تعيش مرحلة أشبه بالركود . ولكن لدى الصين الطموح في أن تصبح الاقتصاد الأضخم في العالم . وهي الآن تعد الاقتصاد المنتج العالمي الأول . ولا بد أنها تمتلك أصولا صعبة توازي الولايات المتحدة . وهي البلد الأضخم سكانيا في العالم إذ يزيد عدد سكان الصين عن 3 .1 مليار نسمة ويبلغ الناتج المحلي 3 .7 ترليون دولار ولكن إجمالي ناتجها المحلي لا يزال لا يشكل نصف الناتج المحلي الأمريكي . وأضافت الصين نحو 454 طناً من الذهب ما بين العامين 2003 و2009 .
سويسرا:
* احتياطي الذهب : 1 .1040 طن .
* نسبة إجمال الاحتياط الأجنبي: 5 .11%
* إجمالي الناتج المحلي: 660 مليار دولار (المركز التاسع عشر في العالم)
* أداء الأسهم : حقق سوق سويسرا زيادة من 7% في الربع الثالث من العام 2012 إلى 4 .9 % في العام 2012 حتى الآن .
ينظر إلى سويسرا على أنها أكبر بلد مصرف خاص في العالم ولذلك لا بد أنها على قمة المستحوذين من الذهب . ولا تزال البلد الأكثر إثارة للاهتمام خاصة عندما نعلم أن عدد سكانها لا يتجاوز 9 .7 مليون نسبة وتصنف في المركز ال 95 في العالم بالنسبة لعدد السكان . ولكن إجمالي ناتجها المحلي المقوم بالدولار يجعلها تحتل المركز التاسع عشر . وكانت سويسرا باعت ذهباً خلال العامين 2003 والعام ،2008 قبل الارتفاع الضخم لأسعار الذهب . وتحتاج سويسرا إلى خفض قيمة عملتها حتى تبقى في مكانة منافسة . وهي قادرة على بيع المزيد من الذهب . وستبقى سويسرا أحد أضخم المستحوذين على الذهب لسنوات طويلة مقبلة .
روسيا:
* احتياطي الذهب : 7 .936 طن
* نسبة إجمالي الاحتياطي الأجنبي : 6 .9%
* إجمالي الناتج المحلي: 85 .1 تريليون دولار ( المركز التاسع عالمياً )
* أداء الأسهم: انخفض مؤشر »إم أي سي إي إكس« من نسبة تقارب ال 4% في الربع الثالث، إلى سلبي .
تواصل روسيا شراء الذهب حيث لها طموح بالنمو الاقتصادي على المستوى العالمي . وكان تحليل سابق صدر عن موقع ( 7 .24 وول ستريت ) أظهر أن الاحتياطات الروسية بلغت 784 طناً في العام 2011 بعد أن اشترت 120 طنا من الذهب في الأشهر العشرة الأولى من العام 2010 وأكثر من 100 طن في العام 2009وما يقارب ال 70 طنا في العام 2007 .ويكشف تقرير لمجلس الذهب العالمي عن شراء روسيا للمزيد من الذهب ولذلك من المرجح أن ترتفع احتياطات روسيا مرة أخرى .ويتوقع أن تتضاعف حيازة روسيا من الذهب خاصة أن عدد سكانها يزيد على 142 مليون نسمة ويبلغ إجمالي ناتجها المحلي 85 .1 تريليون دولار .
هولندا:
* احتياطي الذهب : 5 .612 طن
* نسبة إجمالي الاحتياطي الأجنبي : 8 .59%
إجمالي الناتج المحلي: 838 مليار دولار ( المركز ال 17 في العالم)
* أداء الأسهم: ارتفاع مؤشر إيه إي إكس إلى 1 .5% في الربع الثالث من العام من 4 .3% في العام 2012 حتى الآن .
لا نستغرب عندما نرى أن هولندا تمتلك كميات ضخمة من الذهب . ولكن من المهم أيضاً تذكر أن هولندا هي قوة استعمارية سابقة ولها تاريخ طويل في الثراء . لا يتجاوز عدد السكان 7 .16 مليون نسمة وتصنف في المرتبة ال 63 بين الأمم وفي حين أن إجمالي ناتجها المحلي يصنف في المركز ال 17 في العالم . وكما الوضع بالنسبة لمعظم الأقطار الأوروبي تحجم هولندا عن بيع جميع ذهبها الذي تحصل عليه بموجب اتفاقية الذهب المبرمة في المصرف المركزي الأوروبي .
الهند:
* احتياط الذهب : 7 .557 طن
* نسبة إجمالي الاحتياط الأجنبي : 10%
* إجمالي الناتج المحلي : 82 .1 تريليون دولار ( المركز العاشر عالمياً)
* أداء الأسهم: ارتفاع مؤشر مومباي بي إس إي في الربع الثالث من العام من 6 .7% إلى 21 % في العام 2012 حتى الآن .
في الوقت الذي تصنف الهند في المرتبة 11 عالمياً بحسب قائمة مجلس الذهب العالمي فهي تحتل المركز العاشر إذا وضعنا جانبا صندوق النقد الدولي . ولا تزال الهند المشتري الثابت للذهب بمرور الوقت . ومن المرجح أن تواصل الحكومة تلبية احتياجاتها من الذهب لدعم عملتها الوطنية حتى وإن بقي اقتصادها متقلبا . وأصبحت الهند مشتر قوي للذهب في العام 2009 عندما أنفقت 7 مليارات دولار على شراء 200 طن من الذهب لتعزيز رأسمالها . ولتعزيز اقتصادها لدعم سكانها البالغ عددهم 2 .1 مليار نسمة، ينبغي على البنك المركزي الهندي أن يستحوذ على الذهب والأصول الصعبة