الدولار بات متاحاً لكل المواطنين، ليس فقط لتلبية الحاجات الشخصية والادخار، بل لتمويل المستوردات عن طريق شراء القطع الأجنبي بشكل مسبق للاستيراد بعد تقديم جملة من البيانات والوثائق الخاصة بعملية الاستيراد المزمعة وحجمها ومبلغها.
في خطوة اعتبرها حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة، خطوة مهمة لتسهيل عمل المستوردين من تجار وصناعيين وبالأخص في ظل الظروف الحالية، ولاسيما أن العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على الشعب السوري دفعت بعض الشركاء التجاريين لتجارتنا الخارجية يتفاعلون معها، ويطلبون ثمن السلع التي سيصدرونها إلى سورية مسبقاً قبل شحنها.
المختصون كان لهم رأي في هذه المسألة، وفي تصريح خاص لـ«الوطن»، قال المحلل الاقتصادي الدكتور مظهر يوسف: قبل أن نتوقع آثار هذا القرار على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، يجب أن نقول: ما سبب ارتفاع سعر الدولار أصلاً في السوق السوداء؟ وهل هو عمليات الاستيراد والتصدير وتمويل المستوردات السورية؟ أم إن هناك سبباً آخر؟
يوسف أشار إلى أن مجمل معطيات الفترة السابقة تشير إلى أن المضاربات الحاصلة من قوى السوق السوداء هي السبب، إلى جانب التلاعب الذي تمارسه شركات الصرافة في هذا الشأن، وبالتالي لا علاقة لتمويل المستوردات في ارتفاع سعر الدولار، وهو ما يؤكد ضياع البوصلة، واتجاهنا في كل مرة صوب الناحية غير الصحيحة لمعالجة ارتفاع سعر صرفه، مبيناً أن الاتجاه إلى الناحية غير الصحيحة ميزة اتسمت بها سياسة مصرف سورية المركزي منذ بداية الأزمة وارتفاع سعر صرف الدولار، وحتى الآن ما زالت المشكلة في واد، وحلها في واد آخر لا يلتقيان، متوقعاً في الوقت نفسه عدم تأثر سعر الصرف بهذا القرار، وبالتالي عدم تسجيل أي انخفاض في هذا السعر. وعن تأثير قلة الطلب على الدولار في السوق السوداء لتمويل المستوردات، على سعر الصرف انخفاضاً، قال الدكتور مظهر يوسف: إن هذا الكلام ممكن نظرياً، ولكن على أرض الواقع لن يكون له أي تأثير بالنظر إلى أن ما سبب ارتفاع سعر الصرف ليس تمويل المستوردات، بل فعاليات السوق السوداء التي تتلاعب بسعر الصرف وترفعه لتحقيق أرباح فاحشة لنفسها على حساب الاقتصاد الوطني والمواطن السوري، وهي مضاربات تمارس بوضوح وعلنية في أسواق الصرف السورية منذ سنة حتى الآن، وعليه لو ضخ المركزي وموَّل الأسواق والمستوردات بمئة مليون دولار شهرياً بدل مليون واحد، لن ينخفض سعر الصرف لأن المضاربات مستمرة، وسيشتري المضاربون هذه الكميات بسعر صرفها الرسمي، ويطرحونها مرة أخرى في الأسواق بسعر أعلى، في ظل إقبال من المواطن السوري على شراء الدولار، تبعاً للذهنية الادخارية في ظل ظروف الأزمة التي تعيشها سورية.
يوسف ذكر بقرارات المركزي البيع مباشرة للمواطن، مرة عن طريق المصرف العقاري بالسعر الرسمي بمقدار 1000 دولار للحاجات الشخصية لمرة في العام ومرة عن طريق التجاري السوري بمقدار 5000 دولار بسعر السوق السوداء لمرة واحدة شهرياً، ومع ذلك لم ينخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بل ارتفع أكثر، ما يعني أننا لم نضع يدنا على موطن الخلل، ولم نعالج المرض بالشكل الصحيح، وبالتالي إن لم يعالج وضع المضاربات في السوق السوداء، سنبقى نشهد أسبوعياً فورة في أسعار الصرف في السوق السوداء، وستبقى أسعار الصرف مرتفعة، ما دامت الجهات المتدخلة حكومياً تدور حول السبب الحقيقي لارتفاع السعر دون أن تعالجه بشكل حقيقي.
مصادر مصرفية مطلعة، وفي تصريح خاص لـ«الوطن» حول هذه المسألة قالت: من المنتظر أن يكون تأثير هذا القرار إيجابياً على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، تبعاً لتأمين حاجات المستوردين من القطع الأجنبي، عبر المصارف العاملة في سورية والمرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، في حين كان المشهد مختلفاً سابقاً، حيث كانت شركات الصرافة هي الوحيدة التي تتولى هذه العملية، وارتكبت العديد من التجاوزات التي انفضح بعضها وتناولها الإعلام في صفحاته، لذلك فالقرار سليم، ويفترض أن ينتج إيجاباً لأنه يؤمن المباشرة والسهولة والعدالة في تمويل المستوردات بالقطع الأجنبي وبشكل مسبق، معتبرة أن هذا القرار لا علاقة مباشرة له في انخفاض سعر الصرف بالسوق السوداء، من حيث رقم سعر الصرف، ولكن له علاقة من حيث الارتباط الموضوعي بين المسألتين، فعندما يؤمن المستوردون المزيد من الدولار بسعر حقيقي وعادل، بطريقة يسيرة وسهلة وبسعر مصرف سورية المركزي، فمن المؤكد وفق المنطق- أن ينخفض الطلب على الدولار في السوق السوداء، وبالتالي ينخفض سعر صرفه في هذه السوق، على اعتبار أن المبالغ التي يطلبها المستوردون لتمويل عملياتهم التجارية، كانت- وما زالت- تدخل في المضاربات التي يقوم بها التجار ومضاربي السوق السوداء لرفع سعر صرف الدولار، مشيرة إلى أن من المبكر تقييم نتائج هذا القرار، على اعتبار لم يمضِ على إصداره أكثر من يوم واحد، ولم تتضح صورة الطلب على الدولار من المصارف لتمويل المستوردات.