شهدت أسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية تذبذباً شديداً خلال الفترة الماضية، في وقت عزز فيه إحجام مصرف سورية المركزي عن البيع التدخلي في السوق السوداء المخاوف من ثبات سعر الصرف المرتفع هذا، ما خلق مخاوف لدى البعض من تأثير هذا الارتفاع في التجارة الخارجية السورية، ومن ثم انعكاسها على الاقتصاد الوطني، وتعليقاً على هذه المسألة وفي تصريح خاص لـ«الوطن»
قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد ظافر محبك إنه مما لا شك فيه أن التجارة الخارجية السورية تتأثر بعوامل عدة ولكن سعر الصرف هو انعكاس للتجارة الخارجية وليس هو المؤثر فيها على عكس ما هو سائد، على الرغم من أنها علاقة تبادلية بينهما في التأثير، ولكن سعر الصرف منطقياً هو المتأثر أولاً بحال التجارة الخارجية.
ويضيف وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، بأن سعر صرف الدولار وبقية العملات الأجنبية تحكمها معادلة العرض والطلب، ولكن العرض يكون نتيجة للتصدير أو السياحة أو الخدمات، وحين يحصل صاحب التعامل على القطع يطرحه في السوق للحصول على الليرة السورية مقابله، وهذا العرض يقابله الطلب، وهو متأت من تمويل المستوردات، مع الأخذ بالحسبان أن هذا الكلام نظري ولا ينطبق في كل الحالات على الواقع، بالنظر إلى دخول عنصر المضاربة وقوى السوق السوداء على الخط، مشيراً إلى أن أهم مساوئ العصر الحالي الذي نعيش فيه هو أن النقود باتت سلعة تباع وتشترى، نضارب على أسعارها من خلال تحويل العملة الوطنية في حال توافر السيولة إلى قطع أجنبي لدى رواج الإشاعات بأن الأسعار في ارتفاع.
وزير الاقتصاد اعتبر أن أحد أبرز الأخطاء هو عدم استثمار جميع الكميات النقدية المطروحة في التداول في مجالات الادخار والاستثمار، ما يفرز تكون أرصدة مالية سائلة تسمى في العلم الاقتصادي الأموال الساخنة، مشيراً إلى أن هذه الأموال هي السبب الرئيسي لكل الأزمات التي تمر بها الدول المتقدمة اقتصادياً نفسها، لجهة خروج النقود من تمويل عمليات الإنتاج والبيع والشراء والتداول، وصولاً إلى مرحلة باتت النقود نفسها فيها سلعة تتم المضاربة بها، فأدخلنا في نطاق التعامل القضايا النقدية البحتة بدلاً من العينية، وأصبحت المضاربة على الظروف المتوقعة، ولذلك فالمضاربة على النقود ليس لتمويل المستوردات، بل لتمويل المضاربين.
وأوضح الدكتور محبك أن المسألة تتحدد حالياً من خلال السلطات النقدية وإلى أي مدى تستطيع أن تتعامل مع هذه الظروف والتقلبات والتغيرات، مع الإشارة إلى أن الظروف النقدية وفي كل دول العالم تخضع لهزات سلبية وتذبذبات متراوحة بين الارتفاع والانخفاض، ويجب في هذه الحالة أن نتحلى بالمرونة والتلاءم مع تفاعلات السوق وكسر حدة التوقعات مهما كانت لمصلحة التوازن بين العرض والطلب، لأن من غير المهم حالياً ارتفاع أو انخفاض أسعار الدولار بل من المهم حالياً أن يستقر على أسعار معينة ولا يستمر في تذبذبه، بما يعطي الطمأنينة لرجال الأعمال في حال استيراد البضاعة بأن يسعروها وفقاً للأسعار التي حصلوا فيها على الدولار، وليس تسعيرها وفق السعر المتوقع للدولار متذرعاً بعدم الخسارة في حال ارتفاع سعره، ومن ثم نقاضي فارق السعر سلفاً على الرغم من احتمال انخفاضه، وهنا تبرز الحاجة إلى إدارة المخاطر حتى تتدخل في هذا الموضوع.
ويضيف الدكتور محبك: إن المضاربين لدى شعورهم بأن الأسعار تميل أكثر نحو الهبوط، يبادرون لعرض مكتنزاتهم من الذهب والقطع الأجنبي للبيع، ولكن في سورية ليس من بورصة للعملات الأجنبية والقطع النادر لأن العادة جرت على أن المضاربين لا يتوقعون نفس التوقعات فواحد يبيع تبعاً لتوقع الارتفاع، والآخر يشتري تبعاً لتوقع الانخفاض، وعليه يجب أن يوجد تعادل بين الفريقين بموجب القانون الاقتصادي القائل بالعادات الكبيرة، وهذا الأمر لا يتم إلا في سوق منظمة التي تتضمن بورصة علنية وتتصل فيها الأسواق مع بعضها البعض، والمضاربون فيها كثر، ولكننا في سورية لا نحقق شروط المنافسة الكاملة علمياً في هذا المجال، ولذلك فإن توقع أحدهم ارتفاع الأسعار تجد الناس كلها تهرع إلى الشراء، ومن ثم فما يتوقعه أحدهم ولو كان خطأ يتحول إلى حقيقة بموجب السلوك الجماعي غير المحمود في هذه الحالات.