تستمرّ معاناة القطاع الزراعي صيفاً شتاءً، على وقع الأزمات، السياسية والأمنية من جهة، والمناخية من جهةٍ أخرى. فكما أخذ موسم الحمضيات والموز نصيبه من الخسائر، تقع المزروعات الصيفية ضحيةً جديدة من ضحايا انفلات الحدود، وغياب التشجيع والدعم، وانشغال البلاد بمصابها السياسي وكارثتها السياحية، وتقاعسها أمام ما يواجهه المزارع موسماً تلوَ الآخر.
يقدّر رئيس «جمعية المزارعين» أنطوان الحويك وفقا لصحيفة " السفير اللبنانية" خسائر البندورة لهذا الموسم بـ75 في المئة مقارنة مع موسم العام الماضي، معتبرا أنّ «السبب الأول لهذا التراجع هو المنافسة السورية للمنتجات اللبنانية التي يتعرّض لها الإنتاج عامّةً، ثانيا: عدد كبير من المزارعين لم يتشّجعوا على المخاطرة وزرع شتول البندورة، التي تعرّضت لأضرار جسيمة بسبب بعض الأنواع من الديدان، ما قضى على قسم كبير منها».
لكن على الرغم من ذلك، يشير الحويك إلى أن «سعر البندورة في الجملة مرتفع جداً، ويتراوح بين 2000 و2500 ليرة».
وإذ يكشف مسؤول منطقة الجنوب في «جمعية المزارعين اللبنانيين» رامز عسيران أنّ «كلفة معالجة البندورة من دودة (توتا أبسوليوتا) مرتفعة جداً ولا يستطيع المزارعون تحمّلها». يرى الحويك أن «هذا الموسم كان أكثر من سيّئ، إذ اضطرّ بعض المزارعين لإتلاف محاصيلهم».
وعن الخضار عموما، يلفت الحويك الانتباه إلى أن «الموسم يتعرّض لمنافسة شديدة، فيما الأسعار متدنية عموماً»، مفيداً بأنّ «بعض الأصناف تراجع سعرها إلى أكثر من 50 في المئة عن العام الماضي».
ويقدّر خسائر الفواكه لهذا الموسم بـ60 في المئة مقارنة مع موسم العام الماضي، مشيراً إلى أنّ «المناخ لم يكن مؤاتياً للفاكهة، التي لم تتعد نسبة عقدها في بعض المناطق 10 في المئة، فارتفعت أسعارها كثيرا، لكنّ ذلك ليس كافياً لتعويض الخسائر الكبيرة التي تكبّدها المزارع».
ويسأل الحويك: «المزارع اليوم يعيش كارثة، لكن لمن يلجأ في ظل غياب الحكومة، ورفض رئيس الجمهورية ميشال سليمان استقبالنا، وتضاعف الأزمات الأمنية والسياسية؟».
في سياقٍ متّصل، يطالب عسيران «باعتماد وزارة الزراعة استراتيجية واضحة لحماية المنتجات اللبنانية، والالتزام بالروزنامة الزراعية، ما يحدّ من الزراعة العشوائية»، مشيراً إلى أنّ «بعض الأصناف من الخضار، تشهد كارثة هذا العام بسبب عدم القدرة على التصدير». ويوضح أنّ «سعر البطاطا تراجع حوالي 40 في المئة في هذا الموسم، بسبب عدم قدرة المزارعين على تصريف الإنتاج في الخارج»، مشيراً إلى أن «كميات كبيرة من البطاطا مكدّسة الآن من دون أن تجد من يشتريها».
ويلفت الانتباه أيضاً إلى أن «الحمضيات التي تثمر في هذه الفترة تشهد بدورها أزمة كبيرة بسبب عدم القدرة على تصديرها، وعلى رأسها الحامض وليمون (الفالانسيا)، التي تتدهور أسعارها».
ليس وضع الفاكهة الصيفيّة أفضل حالاً من الخضار، إذ يتوقع نقيب «مزارعي التفاح والأشجار المثمرة» فؤاد نصر أن «يتكبّد موسم التفاح أكبر الخسائر بين سائر الأصناف. علماً أنه واجه في العام الفائت مشكلة عدم القدرة على تسويق الإنتاج، فانتهى الأمر بتلف المحاصيل وتحمّل المزارع تبعات ذلك». ويتخوّف من أن « تعاد الأسطوانة نفسها هذا العام، مع خسائر أكبر لأنّ ما تعيشه الزراعة أزمة استثنائية».
ويلحظ عسيران أنّه «إضافةً إلى مشكلة الحدود وعدم القدرة على تصريف الإنتاج، هناك مشكلة أخرى وهي الحملة التي تتعرّض لها الزراعة اللبنانية منذ سنتين باتّهامها باستخدام المبيدات المضرّة والأدوية السامة»، معتبراً أنّ «هذا الكلام يضرّ بالزراعة، ويخفّف من عزيمة المزارع والمستهلك على السواء».
ويشير إلى أنّ «المزارع اللبناني يقوم بجهد كبير، ويستخدم الأدوية المسموحة، ولا يجوز شمل الجميع بتهمة استخدام مبيدات مضرّة»، معتبراً أن «المحاصيل المستوردة من سوريا ومصر والأردن ليست أفضل من مزروعاتنا، وعلينا تشجيع المستهلك على شراء الزراعة المحلية».
وتعاني الفاكهة على أنواعها من جنارك ودراق وغيرها، المشكلة ذاتها، وفق نصر، وذلك «في ظل عدم السماح للشاحنات بالعبور إلى سوريا، وتصدير الإنتاج، فيما حدودنا مفتوحة للمنتجات السورية».
ويسأل: «لماذا تخصّص الدولة جزءاً من ميزانيتها للمزارع إن كانت لن تعوّض عليه، ولن تساعده في تصريف إنتاجه»، مؤكداً أنّ «هذا العام لم يكن الإنتاج وافرا بسبب العوامل المناخية وتراخي الدولة وعدم ضبط الحدود والمساعدة في تصريف الإنتاج»، لذلك يتوقع أنّ تشهد الزراعة «وضعا صعباً».