أوضح رئيس "هيئة تخطيط الدولة" همام الجزائري خلال اجتماعه مع تجار المواد الغذائية والمستوردين وتجار الجملة في "غرفة تجارة دمشق" أن قدرة الدولة على التصدير محدودة اليوم بظل العقوبات المفروضة عليها، لذا لابد من الاعتماد على التاجر، والاتجاه اليوم هو لإعادة تحريك الحركة التجارية والحركة الصناعية وراءها، وتفعيل الحركة الإنتاجية دون الاعتماد على الاقتراض من الخارج، ومن هنا تأتي أهمية تشجيع القطاع الخاص.
وقال وفق صحيفة "الوطن" المحلية: "إن الحكومة اتخذت إجراءات احترازية حينما ازدادت مفاعيل الأزمة، لأن الاقتصاد السوري الحالي يختلف عنه في أيام الثمانينات، فالأدوات اختلفت لكنها اليوم ليست واضحة كما هي في أيام الثمانينيات، كقرارات منع وحصر الاستيراد التي صدرت والخيارات التي نراها اليوم مناسبة أكثر هي التي تعكس تغير البيئة، فحينما صدر قرار منع الاستيراد نسيت الجهات المعنية، أن الكثير من الأسر عاشت مدة طويلة على الاستيراد، لذا نحن بحاجة اليوم لأدوات وسياسات جديدة قد تكون واضحة لكن غير مطبقة مسبقاً، وقد تكون غير واضحة وبحاجة لمن يبرزها، واليوم لدينا قطاع تجاري نشط ونستطيع الاستفادة من أدواته، وخاصة أنه لدينا أهم مشكلة أمام الدولة وهي مشكلة الأمن الغذائي، حيث فقدت الكثير من المواد، ولكن ارتفاع الدولار وزيادة تكاليف الاستيراد طرح مسألة جديدة، وهي أن تأخذ الحكومة زمام المبادرة، حيث انكفأ المستورد وتراجع العرض السلعي والدولة يجب أن تستهدف استقرار سعر الصرف".
وأكد أن رئيس "مجلس الوزراء" متفهم لأي فكرة جديدة تطرح عليه، وقد طرح عليه مسألة منع الاستيراد فرفضها بالمطلق، لأنها فشلت فشلاً ذريعاً بالسابق، فالهدف لدى الحكومة اليوم يتركز حول ثلاثة أمور وهي الأمن الغذائي وتشغيل المنشآت الصغيرة والدولار.
وأضاف: "كانت إحدى أدوات الأمن الغذائي ترشيد الاستيراد وليس منعه، وهي مرحلة مؤقتة وآنية تنتهي مع قدرة الدولة على إعادة سعر الصرف للاستقرار، وكلما ارتاح سعر الصرف انتهى القلق، والدولة بدأت بمبادرة التدخل بالسوق من خلال مؤسسات التدخل الإيجابي، واليوم فإن تدخل المركزي بالأسواق هو إستراتيجي وليس تكتيكي، فهو دخل بالأسواق ليبقى لأن الهدف هو استقرار سعر الصرف والبقاء على هذا الاستقرار بحيث لا يعاود الدولار ارتفاعه".
من جانبه رئيس "غرفة تجارة دمشق" غسان القلاع، أوضح خلال الاجتماع أن الأسواق التجارية بقيت في حالة استقرار واسترخاء فترة زمنية طويلة، وكانت المواد التموينية على اختلاف أشكالها وأنواعها متوافرة في السوق، والتدفق السلعي على أتمه استيراداً من مصادر الإنتاج سواء كانت خارجية أو محلية.
وقال أيضا: "رغم التبدلات التي حصلت على أسعار القطع، والتي بقيت في حدود المعقول، فإن السلع استمرت بتدفقها ولم يتوقف المستوردون والتجار عن ممارسة عملهم، وبدأت بوادر الإشكالية في السوق مع صدور تعليمات وزارة الاقتصاد والتجارة، بإعادة النظر بمنح إجازات الاستيراد، وكذلك إخضاع المستوردات من دول اتفاقية التجارة الحرة العربية، إلى إذن مسبق ورافق ذلك تباطؤ المصرف المركزي بتمويل المستوردات".
وأشار إلى أن المتتبع لنشرة أسعار القطع الأجنبي الصادرة عن "المصرف المركزي"، والمتتبع أيضاً لأسعار الصرف في السوق، يجد أن "المصرف المركزي" قد مول بعض المستوردات بسعر 228 ليرة سورية منذ أمد ليس طويلاً.
وأضاف القلاع: "نقدر تماماً أن الأزمة الاقتصادية التي نعيشها بدأت منذ بداية الأحداث وفرض العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية والعربية على سورية، وأيضاً قرارات مقاطعة المصارف السورية، بالإضافة إلى الوقائع اليومية على الساحة السورية، التي أعاقت وصول الكثير من المواد من مراكز إنتاجها إلى مراكز استهلاكها، وإلى الكثير من التكاليف التي يتكبدها المتعاملون لإيصال البضائع إلى مراكز الاستهلاك".
وأشار إلى أن توقف عجلة الإنتاج في المصانع السورية لمجموعة أسباب، ألقى أيضاً بظلاله على حجم كتلة السلع المطروحة في الأسواق، ولا يغيب عن بالنا نسب التضخم التي تطورت إلى أكثر من المعتاد، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن السوري.
وتابع القلاع: "إن كثيراً من المواد الاستهلاكية التي يجب أن تكون متوافرة كالحليب ومشتقاته- اللحوم الحمراء- الدواجن والبيض- الزيون والسمون- الزيت البلدي- السكر- الأرز- البرغل- العدس- الحمص- الفول...، وكل منتجات القطاع العام أيضاً هي سلع تقع تحت إشراف القرار الحكومي، الذي نتمنى أن يتدارك الأمور قبل وقوعها، ويجب ألا يغيب عن البال منعكسات ارتفاع أسعار المحروقات أضعاف مضاعفة وخاصة المحروقات المستعملة في الإنتاج الصناعي كالفيول والمازوت".
وأكد أنه لا ضير في أن تستمر الحكومة من خلال مؤسساتها بالعمل جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص، وذلك بغية توفير المواد- زيادة عدد منافذ البيع والتسوق- تثبيت الأسعار- تخفيض نسب الأرباح، حفاظاً على مصلحة المواطن والتاجر مهما كان موقعه والمواد التي يتعامل بها.
وأشار القلاع إلى وجود نحو مليون و700 ألف نقطة بيع بسورية، يعيش عليها نحو ثلث المواطنين السوريين، وأن السوق لم يعان بنخوة التجار من نقص بأي صنف من المواد، لذا فإن تحميل التجار مسؤولية مطبات السوق هو أمر جائر.
وتركزت مداخلات أعضاء "غرفة تجارة دمشق"، ضرورة عدم اتهام التجار بالتلاعب بالفواتير وسرقة القطع الأجنبي دون أدلة، ودون التأكد من انتسابهم لغرف التجارة أو الصناعة، في الوقت الذي حصل فيه البعض على القطع الأجنبي عدة مرات، وهم مجهولو الهوية، مؤكدين أن التجار أمّنوا 90% من البضائع المعروضة في مجمع الأمويين، لذا فإنهم لا يمانعون من أن تحل الدولة محلهم لكن المنطقي يقول إن تحييد التاجر أمر غير وارد.