البلدان التي تصبح غنية بسبب الكنوز المدفونة تحت ترابها عادة ما تنتهي باقتصادات غير متوازنة تعيق آفاقها على المدى الطويل، ويشير مختصو الاقتصاد إلى حالة هولندا، التي عانت تراجعاً في الصناعة التحويلية بعد اكتشاف الغاز الطبيعي هناك في عام 1959.
وتقدم النرويج أنموذجاً ليس مثالياً، لكنه يقرب من أن يكون كذلك، في كيفية تحويل هذه اللعنة إلى بركة، فإنشاء صندوق للنفط قبل 24 عاماً لم يكن دائما أمراً يتم بصورة مباشرة، ولكن إقراره من خلال البرلمان النرويجي أشار إلى أن النرويجيين نجحوا حيث فشلت معظم الديمقراطيات. لقد تعلموا من التاريخ ووضعوا اقتصاد بلدهم على المدى الطويل ومصالحهم الاجتماعية فوق المخاوف السياسية الضيقة.
كان النرويجيون على بينة من "المرض الهولندي". وفهموا أن الطريقة التي يديرون بها عائدات النفط من شأنها أن يكون لها تأثير هائل في مستقبل بلدهم، لكنهم على الرغم من ذلك اختلفوا حول الكيفية التي ينبغي أن تنفق فيها، فإحدى جماعات الضغط القوية أرادت أن ترى النقد الإضافي وهو يوجَّه مباشرة إلى النرويج في شكل مشاريع للبناء ومعونات غير متوقعة للمواطنين.
وجادلت مجموعة ثانية بأن هذا لن يكون من الحكمة، فقد كانوا يخشون من أن عائدات النفط ستكون كبيرة جداً على نحو لا يستطيع فيه الاقتصاد المحلي استيعاب المال دون زيادة التضخم، وكانوا أيضا قلقين من أنه إذا أسندت للسياسيين مهمة إنفاق الأموال في الداخل، فقد يتبين أنهم يفتقرون إلى الكفاءة، أو حتى أسوأ من ذلك.
في النهاية، ساد رأي المجموعة الثانية: الأرباح من بحر الشمال، وحصة الحكومة المقدرة بـ 67 في المائة في شتات أويل، شركة النفط الوطنية، تم توجيهها إلى صندوق الثروة السيادية الذي يستثمر في الخارج. وكل عام يُسمح للحكومة بسحب ما يصل إلى 4 في المائة من قيمة الصندوق لميزانيتها الحالية، وتستثمر البقية للمستقبل.
نجاح النرويج في توجيه عائدات مواردها لخدمة الصالح العام هي واحدة من عجائب العالم الحديث. ولأن الصندوق يساعد على توفير المال لمبادرات الحكومة ومن خلاله تلعب البلاد التي يبلغ تعدادها بالكاد خمسة ملايين شخص، دوراً رائداً في مبادرات المساعدات في جميع أنحاء العالم النامي، حيث ترى حمامات نظيفة وكثيرة العدد في كيب تاون، ومشاريع عمل في أحد الأحياء الفقيرة في مومباي، وبرامج لمعالجة المياه في الأحياء الفقيرة في ريو دي جانيرو - كل ذلك تم تمويله بسخاء من النرويج. وعمل الصندوق أيضاً على حماية النرويجيين من أسوأ آثار الأزمة الاقتصادية، ما ساعد على الحفاظ على نظام الرعاية الاجتماعية الذي بلغ من تفوقه أنه يسمو على المقارنة مع بقية أوروبا