ترتفع وتيرة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، نتيجة تزاحم التعقيدات الداخلية والإقليمية مع تفاقم أزمة النازحين السوريين، وتأخر المساعدات الدولية والعربية للبنان، لمواجهة كلفة أعباء الخدمات، مع ارتفاع وتيرة عجز المالية العامة، التي تواجه غياب الموازنة، على الرغم من محاولات وزارة المالية حصر سقف العجز بحدود 6000 مليار ليرة، وهو أمر سينعكس تهديدات جديدة بخفض تصنيف لبنان الائتماني، الذي توقع تراجعاً مع استمرار الوضعين الاقتصادي والسياسي، من دون تحسن خلال العام الماضي والأشهر الأولى من العام الحالي، وهو عام الاستحقاقات الرئاسية والحكومية وغيرها، في ظل استمرار الخلافات الداخلية والانقسامات الحادة.
وحده القطاع المصرفي استطاع، على الرغم من الظروف الصعبة، المحافظة على معدلات نمو في الودائع والموجودات واستقرار الأرباح بنسب مقبولة، مقارنة مع العام 2012، الذي كان عاماً صعبا،ً مقارنة بسنوات سابقة، حيث كان النمو الاقتصادي فيها يفوق نمو الدين العام، الذي زاد أكثر من 10 في المئة ليتخطى 63.4 مليار دولار في نهاية العام 2013، مقارنة مع 57.6 مليار دولار نهاية العام 2012.
وكان تحسن حركة التحويلات والرساميل الوافدة، احد أسباب تحسن الودائع المصرفية، حيث زادت حوالي 16.8 مليار دولار، لتقارب حوالي 41 ألف مليار ليرة مع نهاية العام الماضي.
لكن هذا التحسن لم يحل دون تأثر نتائج مثلث النمو الاقتصادي في لبنان، المتمثل بحركة الصادرات التي تراجعت بشكل قياسي، لا سيما الصادرات الصناعية التي خسرت 14 في المئة من حجمها، والحركة السياحية التي تراجعت أكثر من 7 في المئة عن العام 2012 الذي كان عاماً سيئاً على القطاع السياحي، وكذلك التجاري في الوقت الذي استقرت فيه الديون المشكوك بتحصيلها عند حوالي 3.7 مليارات دولار من احتمالات نموها مع نمو تراجع النشاط الاقتصادي. اما حركة الاستثمارات الخارجية فلم تشهد تطوراً خلال العام مقارنة مع العام الذي سبقه. وهناك تراجع في الاستثمارات العربية بأكثر من 50 في المئة، وهذا عنصر يضرب بل يقلص فرص العمل في لبنان، ويزيد معدلات البطالة التي ستكون الهم الأساسي في العام الجديد والمرهقة لمختلف القطاعات غير القادرة على الصمود لفترات طويلة من الركود.
1- تراجعت الصادرات الصناعية خلال العام 2013 بنسبة كبيرة مقارنة مع العام 2012 بلغت حوالي 14 في المئة، وهي النسبة الأعلى من التراجع منذ سنوات طويلة نتيجة انعكاسات الأوضاع السياسية في المنطقة، من جهة، وتراجع فرص الاستثمار وتقلص فرص فتح الأسواق الجديدة، ناهيك عن أزمة المنطقة التي عززت فرص المنافسة للمنتجات اللبنانية.
فقد اقفل العام الماضي على حجم صادرات قدرها حوالي 3660 مليون دولار مقابل حوالي 4258 مليون دولار للعام 2012 ، بما قيمته حوالي 598 مليون دولار. مع الإشارة إلى أن الصادرات الزراعية زادت خلال الفترة حوالي 54 مليون دولار وبلغت حوالي 278 مليون دولار خلال العام، بزيادة نسبتها 25.2 في المئة.
2- بالنسبة إلى رخص البناء فقد تراجعت خلال العام 2013 مقارنة بالعام 2012 حوالي 10.9 في المئة، مما يؤشر إلى تراجع الطلب في القطاع العقاري، لا سيما العقارات الكبرى، ومع تزايد الإقبال على الشقق الصغيرة من قبل عناصر الشباب.
3-الأزمة الأساسية تظهر من خلال وضع المالية العامة، حيث زادت النفقات العامة حوالي 700 مليون دولار، بما نسبته 6.2 في المئة مما رفع العجز حوالي 900 مليون دولار، نتيجة تراجع إيرادات الخزينة خلال العام المذكور مقارنة بالعام 2012 حوالي 2.2 في المئة بما يقارب حوالي 90 مليون دولار.
4- الدين العام أقفل في العام 2013 على حوالي 63.5 مليار دولار، مقابل حوالي 57.6 مليون دولار لنهاية العام 2012 ، بزيادة قدرها حوالي 5.8 مليارات دولار بما نسبته 10 في المئة، وهي أعلى نسبة منذ سنوات، نتيجة الظروف الاقتصادية وعدم وجود موازنة عامة، وهو الأمر الذي ساهم بتخفيض تصنيف لبنان الائتماني من قبل المؤسسات، مع احتمال وجود تخفيض جديد خلال الفترة من العام الحالي في ظل تزايد المخاطر الإقليمية والمحلية . يضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية في لبنان.
5- أما حركة الرساميل الوافدة فقد سجلت بعض التحسن، حيث بلغت هذه الرساميل حتى نهاية العام حوالي 16.164 مليار دولار مقابل حوالي 15.260 مليار دولار لنهاية العام 2012، بزيادة قدرها حوالي 5.9 في المئة. ومع ذلك لم تنعكس هذه الزيادة حركة في الاستثمارات الجديدة، التي تراجعت بدورها بنسبة غير قليلة، مقارنة مع السنة السابقة التي كانت سنة سيئة أيضاً.
6- ميزان المدفوعات سجل عجزاً تراكمياً خلال العام 2013 بلغ حوالي 1128 مليونأ، مقابل عجز بلغ حوالي 1537 مليون دولار للعام 2012. وهذا مؤشر على استقرار تحويلات غير المقيمين من اللبنانيين العاملين في الخارج لمساعدة عائلاتهم في لبنان خلال الظروف المتزايدة الصعوبة، مع تفاقم الأوضاع السياسية والأمنية.
7- النشاط المصرفي كان الأكثر محافظة على نموه، في ظروف تشغيلية صعبة شهدها لبنان والمنطقة، انعكست على نمو نشاط المصارف اللبنانية العاملة والمتواجدة في مناطق التوترات الاقليمية وخصوصاً في سوريا، وهي نتائج ظهرت في العام 2012، ومن ثم في العام 2013. فقد ارتفعت موجودات المصارف خلال العام حوالي 12.9 مليار دولار مقابل حوالي 11 مليار دولار خلال العام 2012 بنمو نسبته حوالي 14.4 في المئة. كذلك زادت الودائع المصرفية خلال العام حوالي 11.2 مليار دولار بنمو قدره حوالي 20.7 في المئة.
8- تبقى الإشارة الأهم إلى التسليفات المصرفية للقطاعات الاقتصادية، التي بلغت حوالي 3.9 مليارات دولار، مقابل حوالي 4.07 مليارات دولار بتراجع نسبته 3.6 في المئة. وهذا التراجع في التسليفات، على الرغم من الحوافز التي اعتمدها مصرف لبنان، بضخ حوالي 2200 مليار ليرة عبر المصارف، بفوائد مدعومة تصل الى 6 في المئة. وكانت الخطوة كمحاولة لتنشيط الاقتصاد عن طريق التسليف.
في المحصلة فإن مخاطر الفراغ الحكومي والانقسامات الداخلية وغياب الموازنة العامة وتزايد النفقات يهدد بتخفيض جديد لتصنيف لبنان، ويزيد كلفة الدين والفوائد على الخزينة، التي تتعرض لتراجع ايراداتها، نتيجة ضرب القطاعات الاقتصادية وامتناع المؤسسات عن الدفع، كما بدأت الأمور تظهر تدريجياً منذ العام الماضي.
المصدر:( B2B-SY - السفير اللبنانية)