بدأ الدولار الأميركي مسلسل هبوطه الحذر أمام الليرة السورية في السوق السوداء متأثراً بإعلان حاكم مصرف سورية المركزي عن نيته بخفض سعر الدولار إلى 150 ليرة إضافة إلى إعلان المركزي عن جلسة تدخل جديدة يطرح خلالها 20 مليون دولار لشركات الصرافة، و السماح للشركات بالاحتفاظ بـ20% من قيم الحوالات الشخصية المحولة من الخارج دون أن تعيد الشركات بيعها للمصرف، على أن تباع للمواطنين ما يزيد من مستوى العرض.
من جانب آخر يمكننا النظر إلى الموضوع من جهة أخرى، تقوم على أساس أن المضاربين الذين عملوا على تحفيز السعر خلال الأسابيع الماضية بالخروج من السوق والبيع فوق مستوى 180 ليرة، أي ما يسمى جني الأرباح.
إذا أغلق سعر الدولار في السوق السوداء يوم أمس عند 171-173 ليرة للشراء و174-175 ليرة للمبيع بانخفاض بنحو 7 ليرات، مقارنة مع يوم أمس الأثنين الذي لامس مستويات 182 ليرة في دمشق.
هذا وشهد انخفاض الدولار معظم المحافظات السورية بالاضافة إلى سعر الليرة السورية مقابل الدولار في العاصمة اللبنانية بيروت.
إذا تراجع سعر الدولار في درعا إلى 167 ليرة للشراء و169 ليرة للمبيع، ودير الزور كذلك الأمر سجل الدولار 168 ليرة للشراء و170 ليرة للمبيع.
أما في حلب بلغ سعر الدولار 175 ليرة للشراء و177 ليرة للمبيع،بالاضافة إلى حماة التي شهدت أيضا انخفاضا في سعر الدولار لحدود 174 ليرة للشراء و175 ليرة للمبيع.
كما بين المحلل المالي "رامي العطار" يوم أمس ان بعد أن قفز سعر الدولار حاجز الـ176 ليرة،فقد فإن مسار الدولار هو صعودي وليس هبوطي وبين أن ما بعد 176 ليرة هو 184 ليرة.
وبين العطار نقطة الخروج من 176 لإعادة الشراء من 170 بثلث رأس المال وتكرار العملية في حال إعادة إصابة القمة من جديد .
حيث تظهر حركة المضاربة في الأسواق ان الخسائر بانتظار المضاربين والتجار، فمن دخل السوق واشترى على السعر 155 وخرج منه عند 180 يحقق ربحاً على أس ماله الموظف في السوق بنسبة تتخطى 17% خلال شهر واحد، ومن دخل إلى السوق في التوقيت الخاطئ واشترى عند 182، فإن خسارته بدأت ترتفع منذ صباح الأمس، وعلى ازدياد لحين خروجه بأقل خسارة ممكنة.
إذاً فإن الموضوع باختصار هو مضاربة تقودها المشاعر وفقا لما نشرته صحيفة "الوطن"، أي العوامل النفسية للمتعاملين في السوق، بين الخوف والطمع، وعلى ذلك يمكننا تفسير إعلان المصرف المركزي عن جلسة التدخل يوم الإثنين القادم، معطياً مساحة زمنية للمناورة النفسية، ونجح في ذلك على ما يبدو مع بدأ سيطرة مشاعر الخوف من الخسارة، فتوجه المتعاملون إلى جني الأرباح والبيع والبعض الآخر بالترقب وانتظار الفرصة المناسبة، وبالتالي انخفض الدولار مجدداً دون 175 ل.س تقريباً في ظل حذر شديد مع ميل للانخفاض.
أما قرارات المركزي الجديدة، فأثرها الحقيقي على اعتبار أن تشكل تغيراً في الواقع الاقتصادي، سوف يظهر مع بدء التطبيق العملي، بحيث تؤدي كما هو متوقع إلى استقرار الأسعار في السوق.
على حين أن الأثر الحقيقي هو لخبر الإعلان عن التدخل بقوة هذه المرة، ما يؤكد مرة أخرى تحقق مبدأ «اشتر على الإشاعة وبع على الخبر» في السوق، وهو أحد أركان المضاربة الرئيسية.
مع التأكيد على أن السعر قد ارتفع بشكل تدريجي وبحدود 17% على مدى الأسابيع الماضية، حيث تعددت الأسباب لذلك، وعلى رأسها ارتفاع الطلب لتمويل المستوردات التي لا توافق وزارة الاقتصاد عليها، إلا أن الزيادة تلك لا تبرر معدل الارتفاع بشكل يومي، مع العلم أن حركة المستوردات الكلية قد تراجعت بحدود 80% خلال الأزمة.
لكن في ما يسمى بمرحلة المشاركة العامة في السوق، يستثمر المضاربون أي خبر، ويضخمون أثره في السوق، لخلق مناخ عام يقود الاتجاه نحو الشراء لرفع السعر، وعند مستويات الخطر الأحمر للارتفاع يبدؤون بالهرب والخروج من السوق محملين بالأرباح، التي خسرها في المقابل من اندفع وراء الشراء عند مستويات غير مقبولة أو مفهومة اقتصادياً.
وهنا نذكر بأن استقرار أسعار الصرف في السوق لفترة طويلة نسبياً، يجعل المضاربين أكثر طمعاً لرفع الأسعار بأية وسيلة كانت لتعويض الركود، فيحاولون رفع الدولار لأعلى مستوى ممكن، بما يعظم مستوى أرباحهم التي سوف تنجم عن الفرق بين أسعار البيع والشراء السابقة.
وبانتظار أن نسمع أخباراً جديدة عن ملاحقة الصيارفة غير المرخصين والمضاربين في السوق عملاً بتوجيهات رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي خلال لقائه مجلس النقد والتسليف أول من أمس.
مع العلم أن هذا الإجراء من الحكومة والسلطات النقدية كان يمكن أن يأتي قبل أيام بما يقلص من المخاطر جراء القلق أن ينتقل إثر ارتفاع الدولار إلى الاقتصاد الحقيقي عبر ارتفاع أسعار السلع. دون أن ننكر احتمال وجود عبرة من هذا التأخير، لكن في الحقيقة المخاطر أكبر.