يحتاج أي حديث عن رفع الدعم إلى عناية فائقة في اختيار الكلمات لضمان إيصال الفكرة بشكل سليم خاصة عندما يتعلق الأمر باحتياجات أساسية للمواطن السوري كالخبز و الماء و الكهرباء و السكر و الرّز بموجب البطاقة التموينية و هي السلع التي يبدو أنّ ثمة توافق من قبل أصحاب القرار على رفع أسعارها و قد يعلن ذلك خلال وقت ليس بالبعيد ...
بالنسبة للخبز يبدو واضحا أنّ هناك علم و معرفة لدى السوريين بأنّ الدولة سترفع سعره و يكاد الجميع و قد توافقوا على أنّ السعر الجديد هو 25 ليرة إلا أنّ التوافق الأهم هو القناعة التي يظهرها الناس بضرورة رفع سعر الخبز و هو رمز – لنعمة الله – عندهم ’ و السبب في تأييد رفع سعر الخبز هو البطر الذي يظهره كثيرون حيال هذه النعمة و عدم تقدير قيمتها الحقيقية ليس لجهة رخصها وحيث سعر الخبز في سورية هو الأقل على وجه الكرة الأرضية و يقدم للمواطن بأقل من 10 % من قيمته و تكلفته الحقيقية , بل لجهة التعامل مع هذه النعمة بشكل سيء و غير أخلاقي أحيانا عبر استخدامها كعلف للحيوانات و رميها في الزبالة بطريقة تحمل الكثير من النكران و التجني على قيمتها و أهميتها الكبيرة كونها تشكل الغذاء الرئيسي لأغلبية السوريين
تخيلوا أن القمح و هو أثمن و أقدس مادة وجدت على الأرض و عبر التاريخ و عند كل الحضارات فالقمح يشكل أساس و منطلق غذاء كل البشر يُعامل بطريقة لا أخلاقية من قبل الكثير من السوريين بمن فيهم أصحاب القرار عندما لا يحسنون إدارة هذه المادة بشكل سليم و احترافي يضمن وصولها ألى المواطن بكرامة دون تعريضها للهدر و السرقة و التهريب .
لذلك ألا تستحق هذه السلعة الثمينة - التي لا يمكن الإستغناء عنها على موائد السوريين – أن يرتقي سعرها إلى سعر العلف على الأقل ؟
ألا تستحق و نحن في ظل هذه الظروف أن تقوم الدّولة بإجراء ما يصون لقمة الخبز كي تصل إلى السوريين بكرامة بدل من تحويلها إلى علف من قبل اولئك الذين يسترخصونها و يهينونها عبر تقديمها كعلف للحيوانات و بدل تهريبها حيث صار ثمنها أبخس مع ارتفاع الدولار ...
وبحسب موقع " سيرياستبس" فإننا لا نحاول في هذه السطور الدفاع عن قرارات الحكومة برفع أسعار المواد المدعومة في إطار سياسة متبعة من قبلها حاليا لتوفير النقص في الإيرادات و حيث كان بالإمكان اللجوء إلى أسالبيب أخرى أكثر استدامة و أكثر قدرة على استيعاب النقص في الإيرادات
نحن نحاول أن نقول أن الخبز و تحديدا الخبز يصبح خط أحمر ليس بجعل ثمنه بخساً بل بصونه و منع التلاعب به و جعله حكرا على موائد السوريين حصرا و منع وضعه أمام الحيوانات أو تهريبه إلى الدول المجاورة التي لم تتوقف يوما عن الشحادة و المتاجرة بلقمة السوريين الذين لجأوا إليها هربا من الإرهاب
على كل يكاد يكون رفع سعر الخبز وقد أصبح حقيقة و خطه الأحمر قد يتقدم بعض الشيء بما يساعد في صونه قليلا و لكن نقول ليس المواطن وحده مطلوب منه صون الخبز عبر تقبل رفع سعره بل أيضا الجهات المعنية و المكلفة بإدارة هذه المادة عليها أن تكون أيضا نزيهة و على قدرالمسؤولية خاصة في ظل الظروف الحالية التي تحولنا فيها إلى دولة مستوردة للقمح و الطحين بعد أن كان قمحنا يعزنا و يحفظ كرامتنا
لأنّه عندما يتم تقويض الفساد الذي يُمارس في سلسلة حلقات إيصاله للمواطن مدعوما فإنّ ذلك يعني توفير مبالغ كبيرة جدا و ربما أكبر من الوفر المتوقع من رفع سعره .
بقيَ أن نعلمكم في هذه السطور أنّ الأمر لن يتوقف على رفع أسعار الخبزفقط بل أيضا تم التوافق على رفع أسعار تعرفة الماء و الحجة في ذلك هو الوضع المائي المتردي هذا العام و غياب وزارة إدارة الموارد المالية عن مقاربة الوضع مع المواطن كما يجب بالإضافة إلى سبب منطقي و هو أنّه لم يعد مقبولا استخدام ماء – الشفة – كما للسقي كما يفعل الكثيرون نظرا لتعرفته المتدنية .
أيضا أسعار الكهرباء سترتفع مجدداً و ستكون البداية بها و لكن الارتفاع لن يطال الاستهلاك المنزلي نهائيا
أما السلعتين الأخريين اللتين تم تجهيز رفع أسعارها فهي الرز و السكر اللذين يُبعان مدعومين بموجب البطاقة التموينية
و هنا نقول قد يوافق الكثيرون أيضاً على رفع سعر هاتين المادتين و لكن لا بدّ أن نعرف أن المشكلة هي في حجم الفساد الذي يمارس عند استيرادها و حيث يختار أصحاب صفقات شراءها أردأ الأنواع في حين أن دفاتر الشروط تشترط أن تستورد بمواصفات ممازحة للاة أو على الأقل صالحة للاستهلاك البشري و لكن ما يحدث أنّ الدولة في الغالب تدفع أسعار أفضل الأنواع و بصراحة هو ما يُدون في محاضر المناقصات و اجراءات الاستيراد و الاستلام لكن و للأسف ما يستلمه شيء آخر مختلف رز رديء غالبا ما يستخدم كعلف للدجاج
بالمحصلة علينا أن لا نكذب على أنفسنا و شكل الدعم الحالي لا يمكن لأي دولة أن تتحمله خاصة عندما تنعدم مواردها و لكن لتكن الدولة منصفة فلترفع السعر و الفساد معا و في وقت واحد عندها سيتحول الدعم فعلا إلى المواطن الذي يستحقه
المصدر: سيرياستيبس – B2B-SY