تـوحيـد ســعر ليتــر المــازوت ..هــل يحل المشكلة ؟!!
مع أول جلسة للحكومة هذا العام كان الهاجس الأساسي لها تحسين الواقع المعيشي والخدمي للمواطن ،وعقلنة الدعم وإيصاله لمستحقيه وتسخير الأموال العائدة منه لتحسين المستوى المعيشي والمؤشرات الخدمية والاقتصادية وكذلك تفعيل العملية الإنتاجية للقطاعين الزراعي والصناعي .
التوجه ليس جديداً ، فخطوة الحكومة الجدية لإعادة هيكلة نظام الدعم وفقاً لتوجيه الأولويات بدا من خلال رفع مبلغ الدعم الاجتماعي في الموازنة العامة للدولة من 615 مليار إلى 983 مليار ليرة ،هدفها المحافظة على الدعم الاجتماعي ضمن إطار عقلنة الدعم .
لن ندخل بتفاصيل فهم تلك العقلنة التي تباينت الآراء حولها ولكنها بحسب الفهم الحكومي هي الانتقال من الدعم الشامل لكافة فئات المجتمع والفعاليات إلى الفئات التي هي أكثر حاجة ..والسؤال : كيف ..هذا مانترك الاجابة عنه للمختصين في الأسطر التالية ..
عاصي :الإصلاح التدريجي لرفع الدعم مع شبكات أمان اجتماعي
الوزيرة السابقة لمياء عاصي قالت لصحيفة الثورة إن الحكومة السورية قدمت الدعم لأسعار العديد من السلع الأساسية ومنها المشتقات البترولية والرز والسكر والكهرباء، وصنفت في طليعة الدول التي تقدم الدعم لمواطنيها وبدا ذلك بالموازنة العامة للدولة .
اقتصادياً وبحسب عاصي يعتبر الدعم المقدم للسلع الأساسية من التشوهات الهيكلية في الموازنة العامة للدولة التي يجب إصلاحها، لكن هنا لابد من التركيز على مسألتين ،الأولى أن الدعم الشامل لعموم المواطنين الأغنياء والفقراء على حد سواء دعم غير عادل، حيث يمكن للأغنياء الحصول على السلع بأسعار رخيصة غير حقيقية، ويتم تمويل فروقات الأسعار من المال العام، وهذا يعتبر نوعاً من التشوهات الهيكلية في الموازنة العامة حيث يلتهم الدعم جزءاً كبيراً من المخصصات المالية في الموازنة العامة.
والمسألة الأخرى إن المبالغ المخصصة من الموازنة العامة للدولة للدعم، يجب الاستفادة منها في مجالات أخرى تنعكس على التنمية الاقتصادية والبشرية في شكل أكثر كفاءة، وخصوصاً أنها عملية يكتنفها الفساد في محطات عدة، إضافة إلى أن الدول التي تريد الانخراط في النظام الاقتصادي العالمي، لا بد أن تتقدم باتجاه إصلاح التشوهات التي يسببها هذا الدعم.
عاصي ترى أن الدول عادة تلجأ في معالجة ورفع الدعم، إلى اتباع طرق عدة منها الإصلاح التدريجي، وذلك برفع الدعم تدريجياً عن كل الفئات والشرائح الاجتماعية، وتقوم بعض شبكات الأمان الاجتماعي بمساعدة ودعم المتضررين، مع أن هذا الانسحاب يؤدي عادة إلى مشاكل اجتماعية عميقة وخطيرة، خصوصاً للفقراء، هذه الطريقة تم تطبيقها في الدول التي اتبعت سياسة الإصلاح الاقتصادي بطريقة الصدمة، مثل روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية.
أما النموذج الثاني وهو انتقال الدولة إلى تقديم الدعم الاستهدافي لشرائح محددة من الناس، وهم من يستحقون الدعم، وخصوصاً ذوي الدخول المحدودة والضعيفة، وهي الطريقة الأكثر تفضيلاً من قبل الكثير من الدول، ولكن في التطبيق هناك حاجة ماسة لاستخدام فعال لتكنولوجيا المعلومات لضبط قواعد البيانات والمعطيات والعمل وفقها، منعاً لإساءة الاستخدام والفساد.
فضلية : السعر ليس المشكلة...المهم توفير المادة في السوق
الدكتور عابد فضلية أستاذ التحليل الاقتصادي بجامعة دمشق يرى أنه إذا ما تم توحيد سعر ليتر المازوت فسيكون قرار الحكومة من أفضل التوجهات التي تم اتخاذها خلال الأزمة ،وخاصة مع وجود فساد بتوزيع مادة المازوت ، فالمواطن لايحصل على المادة بالسعر المدعوم ألا وهو 80 ليرة بل بأسعار السوق السوداء .
وأضاف القرار إذا ما طبق سيكون لصالح المواطن والحكومة لكن شرط توفر المادة بالأسواق ومساعدة الاسر بمبلغ دعم اجتماعي نتيجة الفروقات المعيشية ،ولو كان صغيراً إلا أنه سيساعد إلى حد ما .
ولفت إلى أن الفرق بين سعر المازوت المدعوم والسعر الذي يباع بشكل حر يذهب لجيوب الفاسدين وتجار الأزمة ،لكن بتطبيق التوحيد في السعر سيذهب الفرق لصالح خزينة الدولة وبذلك ستقوم بشراء المزيد من المادة لضخها في السوق بآليات توزيع عادلة ، ولكن إذا لم تتوافر المادة سيكون التأثير عكسياً بالرغم من توحيد السعر .
إذا كما يقول فضلية فإن تحديد مستوى السعر غير مهم إلا في حال توافر المادة ،فالحكومة تبذل وتدفع الكثير لدعم المواطن وفق توجهات القيادة السياسية وهذا الدعم يتطلب اتخاذ الإجراءات التي من شأنها توفير المادة وسلامة التوزيع ومنع تجار الازمة من الفساد واستغلال الظروف .
خضور: دعونا نخرج من التلاعب بالألفاظ ونتوجه فعلاً للشرائح المستهدفة
ويعتقد الدكتور رسلان خضور عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن توحيد سعر ليتر المازوت هو الحل للخلل الذي ألحقه وجود سعر مدعوم وأخر حر كون تلك الفروقات تذهب للفاسدين .
وقال لكن لابد أن نشير إلى مسألة السعر العالمي لبرميل النفط الذي انخفض وهذا لابد أن يكون له أثر ايجابي علينا بتخفيض السعر ،والسؤال هل يتناسب سعر ال 140 ليرة مثلاً مع السعر العالمي .
الاشكالية بحسب خضور ليس السعر بل كيف سيصل الدعم لمستحقيه وكيف سندعم الشرائح الاجتماعية والنشاطات الانتاجية ، وهنا وحسب رأيه لا بد من الاستفادة من تجارب بعض الدول التي طبقت إيصال الدعم فعلاً إلى مستحقيه ومنها ايران .
نحن بحاجة _كما يقول عميد كلية الاقتصاد_ لفريق عمل متخصص يستفيد من تجارب الآخرين حتى الفاشلة منها للوصول إلى آلية صحيحة لإيصال الدعم لمستحقيه ،فحتى اليوم لم نتوصل إلى آلية واضحة المعالم لإيصال الدعم لمستحقه .
وخلص خضور للقول :دعونا نخرج من التلاعب بالألفاظ حول تسميات الدعم وعقلنته وأن نتوجه بالفعل للشرائح الاجتماعية المستهدفة سواء بتعويض للموظفين أو بآليات أخرى لغير العاملين .
الثورة