لم يتوقع المواطنون أن تكون كذبة نيسان هذا العام حقيقية بل محبطة ومنفرة، فقد تأكدوا بمجرد ضربهم على أزرار الجوال وإجراء أول مكالمة منه، أنها تسعيرة جديدة وليست كذبة نيسان.
ارتفع سعر دقيقة المكالمة ليرتين، ليضيف أعباء جديدة إلى حياة الأسرة السورية التي تستخدم الجوال أداة اتصال أساسية بعدما تعذر استخدام الهاتف الأرضي عند آلاف الأسر.
الشركات المعنية تراها زيادة قليلة قياساً بارتفاع الأسعار العام وحجم الخدمات المقدم، بينما حماية المستهلك ترى أنهم يزيدون أرباحاً على حساب مواطن يبحث عن لقمة العيش.
كيف كان صدى تلك الزيادة على واقع الأسر السورية؟ وهل هناك من بديل، أو إمكانية لمقاطعة الجوال؟
غير مسوغ
يكمل قطار رفع الأسعار جولته على كل القطاعات، ليصل حالياً إلى قطاع الاتصالات في وقت أنهك الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد جيوب المواطنين الذين مازالت تنخفض قدرتهم الشرائية مع بقاء رواتبهم ثابتة منذ أربع سنوات.
سميرة -موظفة- عدت ارتفاع سعر المكالمة غير مقبول وغير منطقي، ولاسيما في هذه الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطنون وسط الغلاء الفاحش الذي طال جميع المنتجات، مشيرة إلى أنه لا مسوغ للزيادة، فأسعار المكالمات مرتفعة أصلاً مقارنة مع دخل المواطن الشهري.
أما وداد -مهندسة اتصالات- فقد رأت في رفع أجور المكالمات الخليوية حالة طبيعية، وهي نسبة في حدها الأدنى مقارنة مع غلاء بقية المنتجات والمواد الاستهلاكية.
من جهته تمنى نديم- سائق- دخول شركات اتصال خليوية منافسة للشركتين الوحيدتين وكسر احتكارهما للسوق، ما يساهم في ارتفاع جودة الخدمات وخفض الأسعار أسوة ببقية الدول.
مصاريف إضافية
في وقت بات فيه الحصول على غرفة صغيرة لا تتلاءم والشروط الصحية غالباً، مطلباً أساسياً يؤرق المواطن، وأصبحت فيه المساعدات الإنسانية والسلل الغذائية التي تقدمها الجمعيات الخيرية الأساس الذي يعتمد عليه الكثير من الأهالي لتأمين قوت عيالهم، لم يعد المواطن قادراً على تحمل نفقات إضافية جديدة كارتفاع أسعار المكالمات الخليوية، ولاسيما أن أغلبية الناس من مهجرين أو غيرهم مضطرون للاتصال عدة مكالمات يومياً لعدم توافر الهاتف الأرضي.
أم سمير وصفت ارتفاع سعر المكالمة بالقشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للبعض والتي أشعرتهم بالاستغلال والسرقة من قبل شركتي الاتصال «سيريتل، وإم.تي.إن».
في حين رأى أبو جميل –بائع- أن شركات الخليوي قد حذت حذو بقية التجار المستغلين للأزمة بقرارها الذي وصفه باللامبالي بواقع الناس، مضيفاً: نحن لا ننكر وجود تكاليف وأعباء إضافية تتحملها الشركتان نتيجة ارتفاع الأسعار بفعل الأحداث الحالية، لكن هذه الارتفاعات لا تعطي مسوغاً لهم بالرفع للتضييق على المواطن في زمن الحرب، وهي من نمت أرباحها بفضله في السلم.
بالتنسيق مع الاتصالات
أحد عملاء شركة «سيريتل» (لا يرغب في ذكر اسمه) أكد أن صدور قرار ارتفاع الأسعار جاء بعد دراسة مطولة مع الشركة السورية للاتصالات مسوغاً ذلك بظروف الأزمة وما لحق بها من أضرار في عدة أبراج خليوية، مشيراً إلى أن نسبة الزيادة قليلة جداً إذا ما قورنت بارتفاع المنتجات الأخرى والخدمات المميزة التي تقدمها الشركة.
ولأن مهامها تقتضي منع استغلال المواطن ورفع شكواه للجهات المعنية، فقد قامت جمعية حماية المستهلك برفع مذكرة تطالب بإعادة النظر في سعر المكالمة وتفعيل العمل بالتشغيل بالدقيقة لأنه ليس من العدل أن يدفع المواطن ثمن مكالمة كاملة بمجرد رده لثوان قليلة بحسب مدير جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني.
وعدّ دخاخني رفع سعر المكالمات غير مسوغ في الظروف الحالية ولاسيما أن المواطن لم يعد قادراً على دفع فواتير إضافية، مضيفاً أنه ليس منطقياً أن تقوم شركة الاتصالات برفع أسعارها لزيادة أرباحها في الوقت الذي يتضور فيه المواطن جوعاً في بعض المناطق.
وكنوع من التعبير عن رفضهم لهذا الارتفاع المفاجئ، نظم عدد من المواطنين دعوة على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» تطالب بمقاطعة الاتصالات في 1 نيسان الجاري، لاقت الدعوة الكثير من المؤيدين، لكن بقيت مجرد احتجاج مؤقت ولاسيما أن قطاع الاتصالات أصبح جزءاً مهماً من حياة المواطن.
أم علا لم تستطع مقاطعتها إلا يوماً واحداً لضرورة اطمئنانها على ابنتها وقت وجودها في المدرسة، وأخرى للتواصل مع ابنها في مناطق الحرب.
المواطن يتحمل الآلام
الخبير الاقتصادي د.عابد فضلية أكد أن رفع أسعار المكالمات الهاتفية يأتي في إطار سياسة حكومية لرفع أسعار كل شيء، بهدف تأمين مزيد من الإيرادات للدولة لمواجهة تحديات هذه الأزمة، حيث صرحت إحدى الجهات الرسمية منذ أيام أن رفع أسعار المكالمات سيدر 10 مليارات ل س إضافية إلى خزينة الدولة، والمواطن هو من يتحمل هذه الآلام. وأضاف: إن المواطن العادي، ذا الدخل المنخفض (وهؤلاء صاروا يشكلون الأغلبية) لم يعد باستطاعته تحمل أي أعباء إضافية، لأن قائمة مشترياته وبنود إنفاقه الشهري صارت مقتصرة على الضروريات، وتالياً فإن ما تتوقعه شركات الخليوي، من زيادة في الإيرادات ربما لن تتحقق بالمستوى المتوقع، لأن المشتركين سيقللون من استخدامهم للجوال.
وأضاف: كان من المفروض أن يتم رفع سعر المكالمات على من تتجاوز قيمة فاتورته 10 آلاف ل.س، وليس على كل شرائح المشتركين، فالعقلانية كانت تقتضي الرفع البطيء وبنسب قليلة وعلى مدى زمني طويل وليس رفع الأسعار فجأة.