من المعروف أن مصرف سورية المركزي يعمل جاهداً من أجل الحد من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، وهو ليس مقصراً في هذا الاتجاه، بل لا تفوته أداة تقليدية أو غير تقليدية إلا ويوظفها لتحقيق هذا الهدف لينعكس في المحصلة على مجمل جوانب الاقتصاد الوطني وأهمها تخفيض الأسعار الذي هو مطلب كل مواطن في هذه المرحلة ومن يلوم «المركزي» لأنه سمح ببيع الدولار للمواطنين لتمويل غايات شخصية قد لا يكون صائباً في لومه، لأن المبالغ المخصصة من القطع الأجنبي للمواطنين لا تشكل الضغط الذي يتصوره ويتخيله البعض على سوق القطع كالذي يشكله الكثير من التجار والمستوردين بتوجههم إلى السوق الموازية لتمويل عملياتهم التجارية، مع العلم أن «المركزي» يقوم بتمويل المستوردات وفق المتوافر لديه من القطع الأجنبي المخصص للغايات التجارية.
وحتى الآن هناك عدد مهم من التجار والمستوردين غير مقتنعين بسياسة ترشيد الاستيراد وإدارة التجارة الخارجية وهم عادة يتهمون «المركزي» بأنه لا يمول كامل طلبياتهم فلا يجدون أمامهم سوى التوجه إلى السوق «السوداء» لتأمين القطع اللازم لتمويل مستورداتهم بعيداً عن الأقنية الرسمية وبأسعار تتجاوز الأسعار التي يصدرها المصرف المركزي في نشرات أسعار الصرف، فيخلقون ضغطاً عبر الطلب على القطع ويمنحون السماسرة والمضاربين وتجار القطع فرصاً كبيرة لرفع سعر الصرف أكثر من مرة يومياً لتحقيق أرباح غير مبررة على حساب المواطنين المتضررين من رفع الأسعار في كل مرة يرتفع فيها سعر الصرف. وعلى فرض أن تمويل المستوردات عبر مصادر غير رسمية يؤثر بنسبة كبيرة في ارتفاع سعر الصرف فإن مصرف سورية المركزي لا تنقصه القدرة على احتواء عمليات التمويل وحصرها به وإعادة تأطيرها بما يخدم رفع قيمة الليرة على حساب هبوط قيمة الدولار، فبإمكانه أن يعلن استعداده لتمويل كامل طلبات الاستيراد للمواد والسلع وفق الأنظمة والقوانين المرعية بهذا الخصوص ولكن شرط أن يلزم المستورد بدفع قيمة البضاعة المراد استيرادها بالليرة السورية قبل تمويلها بالقطع الأجنبي في إطار شروط ومحددات وضوابط يضعها لهذه الغاية، وفي المقابل يحظر ويقيد دخول أي سلعة مستوردة إلى السوق المحلية ما لم تكن ممولة من قبله وموافقاً عليها مسبقاً.
ويمكن لمصرف سورية المركزي أن يضمن عبر هذا الإجراء الاستفادة القصوى من فائض السيولة النقدية بالليرة الموجودة في أيدي التجار التي يوظفونها عادة في السوق «الموازية» مقابل الحصول على دولار لتمويل مستورداتهم، وبذلك يصبح «المركزي» هو البائع والشاري الوحيد للقطع عبر منافذه الرسمية المخصصة، ويحد من قدرة المضاربين على التحرك في السوق هذا إن لم يشل حركتهم بشكل كامل، إضافة إلى ضمان استخدام القطع الأجنبي للغايات المخصصة له وعدم المتاجرة به من قبل بعض المستوردين الذين يحصلون على التمويل ولا يقومون بالاستيراد، والأهم من ذلك كله قد يدفع هذا الإجراء المدخرين للقطع إلى تصريفه عندما يشعرون أن خسائر تنتظرهم في اللحظة التي سيبدأ فيها سعر الصرف بالهبوط لمصلحة الليرة، وستنخفض بعدها الأسعار بشكل تدريجي ليطول ذلك الكثير من السلع التي تأثرت أسعارها بارتفاع أسعار الصرف.
ومقابل ما تم ذكره، فإن الإجراء المذكور يحتاج التزاماً بسقف محدد ويومي لتمويل المستوردات من القطع الأجنبي يكون ثابتاً وغير متغير لفترة لا تقل عن 3-6 أشهر على الأقل بحيث يغطي كامل طلبات التمويل من دون استثناء، حتى وإن كانت هناك طلبات تمويل مماثلة للسلعة أو المادة نفسها المطلوب تمويلها، مع الإبقاء على الدور المهم الذي تؤديه وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في هذا المجال، على اعتبار أنها من يمنح الموافقات وإجازات الاستيراد، كما تحدد الكميات من السلع المسموح استيرادها وفقاً لمتطلبات السوق المحلية بما يضمن حماية الإنتاج الوطني من مثيله المستورد.
ويبقى الإجراء المتعلق بحظر وتقييد دخول أي سلعة مستوردة وطرحها في السوق المحلية ما لم تكن ممولة من قبل مصرف سورية المركزي، فإن ذلك يحتاج ضوابط مشددة غير قابلة للتجاوز وتخلو من الثغرات، وعلى فرض حدوث أي خرق من أي تاجر أو مستورد قام بتمويل مستورداته من مصادره الخاصة، فعند ذلك يمكن إجراء تسوية للبضاعة المستوردة من خلال فرض غرامة مالية يحدد مقدارها بالقطع الأجنبي بنسبة معينة من قيمة البضاعة المستوردة، ولكن في المجمل لا يجب السماح بأي خروقات أو تجاوزات عندما توضع ضوابط من شأنها أن تجعل التاجر أو المستورد يفكر ألف مرة قبل الإقدام على المخالفة، أو قد لا تكون هناك مخالفات في حال أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لا تمنح أي موافقة أو إجازة استيراد قبل صدور الموافقة على التمويل من مصرف سورية المركزي وتسديد قيمة البضاعة بالليرة السورية قبل التمويل.
المصدر: صحيفة تشرين السورية