تسابق بين المسؤولين عن رقابة الأسواق مع بداية شهر رمضان في إطلاق التصريحات التي تتحدث عن تشديد الرقابة والردع واتخاذ أقصى العقوبات.. وتسابق أيضاً في إطلاق المهرجانات الرمضانية في الأسواق وصالات التدخل الإيجابي..
ومع كثرة التصريحات والوعود والتهديدات التي أطلقتها وزارة التجارة الداخلية ومديريات حماية المستهلك بشتى المحافظات، بأنها ستضرب بيد من حديد على كل من تخول له نفسه أن يتلاعب بقوت المواطنين أو من يغش أو يحتكر أو يتلاعب بالأسعار.. ومع كل هذه التصريحات يسأل المستهلكون: هل حقاً انخفضت أسعار السلع؟ وهل التزم الباعة بحدود الأسعار؟.. وهل توقف الغش والتدليس في أسواقنا؟ وهل توقف الاحتكار خلال رمضان؟.
أيضاً مع انطلاق العديد من المهرجانات الرمضانية سواء في دمشق أو حمص أو طرطوس أو غيرها من المحافظات، التي نظمت بالتعاون والتشارك بين العديد من الجهات العامة والخاصة، سواء غرف التجارة أو الصناعة أو وزارة الشؤون الاجتماعية يسأل متابعون: هل حقاً كانت هذه المهرجانات التي أقيمت مثلاً في صالات الخزن والتسويق أو الاستهلاكية أو سندس، هل كانت مناسبة لذوي الدخل المحدود من حيث الأسعار؟ هل حقاً كانت التخفيضات بنحو 30% عن الأسواق المحلية، أم أنها مجرد تصريحات فقط؟
أسواقنا بين تصريحات المسؤولين وحرارة الأسعار
هذه المقدمة تقودنا إلى سؤال مفاده: كيف هو حال أسواقنا؟ هل تتطابق تصريحات الجهات الرقابية على أسواقنا مع حالة أسواقنا؟
المتابع لحالة الأسواق حالياً ومع دخول شهر رمضان، يرى أنه بدأ موسم التفاوت والتلاعب بالأسعار وفقدان العروض من الأسواق من شتى أنواع السلع إلا القليل، ومع بدء الحركة على المواد الغذائية خاصة، بدأت الأسعار تقفز وتثب وتأخذ مجراها دون رحمة إلى الأعلى، حتى أسعار الخضار التي انخفضت قبل رمضان بنحو أسبوع عادت لترتفع مجدداً..
وأما الفواكه فقد أصيبت أسعارها بجنون أكثر، وأما الحلويات فحدث ولا حرج فقد أصبحت من المحظورات لدى أغلب الأسر، وأما التمور والمشروبات والعصائر فقد شهدت ارتفاعات في أسعارها بلغت نسبتها نحو 30%، وخاصة في أسواق دمشق وريفها، كما ارتفعت أسعار معظم أنواع المعلبات من المرتديلا والأجبان والألبان والمشروبات الغازية، عدا ارتفاع أسعار اللحوم من فروج ولحم أحمر وأسماك، وحتى البيض.
بالطبع هذه الأسعار حالياً، وبالطبع ارتفعت أكثر بعد إطلاق التصريحات الحكومية والرقابية، وبعد تشديد الرقابة على الأسواق ووضع الخطط وتوزيع المراقبين، فمثلاً دمشق تم تقسيمها إلى 8 مناطق للرقابة على الأسواق، كما ذكرت مديرية التجارة الداخلية في دمشق أنه حُشد 94 مراقباً ضمن مجموعات عمل مشتركة بهدف تغطية جميع أسواق دمشق على مدار الساعة وتتابع الإدارة العمل مع هذه الدوريات حالة الأسواق والرقابة عليها، أيضاً وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك حسان ماجد صفية، أكد مؤخراً في تصريح له، أن الوزارة لن تتساهل باتخاذ أقصى العقوبات بحق كل من يحاول العبث بقوت المواطن وسرقة رغيف خبزه، وأكد في ختام تصريحه أن الوزارة ستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه الغش أو الاحتكار أو التلاعب بقوت المواطنين ولاسيما رغيف الخبز ومستلزماته، وستبقى الوزارة العين الساهرة على راحة المواطن وتأمين مستلزمات معيشته.
وبعد ذلك نجد أن الأسواق على حالها بل تتجه أسعار السلع فيها للأعلى، رغم الضبوط ورغم كل الإجراءات الرقابية..لماذا؟.. يسأل المستهلكون والصائمون.. أيها المسؤولون عن مراقبة أسواقنا.. المواطن لن يشبع من التصريحات والوعيد والتهديدات التي تطلقونها أثناء اجتماعاتكم.. المستهلك يحتاج إلى أن يملأ معدته هو وأسرته بسلعة مناسبة لدخله خالية من الغش مطابقة للمواصفات.. أين هي وعودكم بضبط الأسعار؟ وأين هي وعودكم بمكافحة الاحتكار؟.. الأسعار في كل يوم تشهد ارتفاعاً..
والمستهلك لا يزال يعاني الأمرّين لكي يؤمّن لقمة فطوره وسحوره وخاصة أن رمضان بدأ بمنتصف الشهر الميلادي، أي أن الراتب (طار) منذ زمن.
في الوقت نفسه فقد أطلقت صالات التدخل الإيجابي مهرجانات للتسوق، ولكن أيضاً، نجد أن التلاعب والمتاجرة بالمواد المدعومة يكون على أوجه في بعض صالات مؤسسات التدخل الإيجابي، فمؤخراً، حجزت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، كميات كبيرة من السمنة النباتية من ماركة الليرة الذهبية، التي أدخلت إلى مؤسسات التدخل الإيجابي بموجب الخط الائتماني الإيراني، وقد جرى ضبطها تباع بالجملة خارج هذه المؤسسات بمخالفة عدم وجود فواتير شراء نظامية بالكميات المضبوطة البالغة ثلاثين صفيحة معدنية سعة الواحدة منها 16 كغ، كما أن الكميات المضبوطة كانت مخصصة للبيع للمستهلك في صالات مؤسسات التدخل الإيجابي بسعر 4000 ليرة للصفيحة الواحدة، علماً أن التحقيق جار لمعرفة ملابسات بيع هذه الكميات جملة والكشف عن المتورطين بهذا الأمر، علماً أن بعض الجهات تحاول التستر على هذه المخالفات تحت ذريعة انتهاء الصلاحية، لكن هذا الأمر غير صحيح أبداً، لأن الكميات المضبوطة ضمن الصلاحيات ولا يوجد مبرر لبيعها، ذلك أن تاريخ صلاحيتها تنتهي بشهر أيلول من العام الحالي، هذا بعض ما يحدث من تلاعب ومتاجرة بالمواد الغذائية المدعومة.
لا تشتروا السلع مرتفعة الثمن.. إذاً ماذا سنأكل يا جمعية حماية المستهلك؟
جمعية حماية المستهلك تخرج على المستهلك بمقترح (غريب عجيب خارق حارق) كما يقال، فقد نصحت المستهلكين بمقاطعة السلع مرتفعة الثمن وأن لا يشتروا إلا حاجاتهم الضرورية، وقالت أيضاً بأن ارتفاع الأسعار مع بدايات شهر رمضان حالة اعتيادية بسبب زيادة الطلب وارتفاع معدل المشتريات، إضافة إلى استغلال بعض التجار لهذه الزيادة في الطلب والمبادرة إلى رفع الأسعار.
فعلاً تصريحات (غريبة عجيبة) حسبما وصفها المستهلكون، فهل يشتري المستهلك إلا حاجته اليومية، ويسأل المستهلكون أيضاً: هل يوجد في السوق أسعار منطقية لكي نقاطع غير المنطقية منها؟..جميع المستهلكين غيروا عاداتهم الاستهلاكية في رمضان.. سفر رمضان تغيرت وتبدلات وتلونت بصنف واحد أو صنفين كحد أعلى، المستهلك لا يشتري إلا الضروري جداً جداً، التقشف هو السمة الغالبة على كل الوجبات سواء في السحور أو الإفطار.. حتى أن جمعية حماية المستهلك قالت على لسان رئيسها بأن العائلة السورية المكونة من 5 أشخاص تحتاج إلى أكثر من 100 ألف ليرة لتأمين جميع متطلباتها واحتياجاتها ونفقاتها خلال شهر رمضان وما بعد رمضان، وهي بحاجة إلى 2500 ليرة يومياً على الأقل لتأمين لوازم الإفطار ومستلزمات الغذاء والشراب.. إذاً الشجون تطول ولكن معظم المستهلكين يقولون للمسؤولين عن رقابة أسواقنا، لا نحتاج إلى تصريحات فقط.. نحتاج إلى أفعال حقيقية.. نحتاج إلى أفعال تطابق الأقوال، فتصريحاتكم لا تنطبق على أسواقنا.
المصدر: صحيفة النور السورية