أوضح أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة حول سورية أن بعضاً من القطاعات الإنتاجية الرئيسية قد بدأت مسيرة التعافي، وفُتحت عدد من القنوات البديلة على مستوى التجارة العامة والخاصة، تصديراً واستيراداً، ووسّع المجتمع الأهلي من دوره في الحياة الاقتصادية، كما نجحت مؤسساته في بناء شبكة تكافل اجتماعي على امتداد المدن والبلدات، لا نظير لنطاقها في تاريخ سورية الحديثة.
امتصاص الصدمة
الاقتصاد السوري، ووفق التقرير، قضى ما يزيد عن أربعة أعوام في غرفة الإنعاش، متعرضاً لكافة العمليات الجراحية الاقتصادية الحرجة، بعدما طال سرطان الحرب كل جسده الاقتصادي. وتلمّس الاقتصاديون المعدّون لهذا التقرير محاولات جادة للحكومة السورية خلال العام 2013 لامتصاص الصدمة، والسعي إلى النهوض الجزئي، والتحول إلى اقتصاد الحرب، بعد أن تبيّن أن انتهاء الأزمة سيستغرق وقتاً طويلاً، حيث الأولوية هي لتأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، لذلك بدأت بعض عجلات الأنشطة الاقتصادية بالدوران شيئاً ما، وسط نمو في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية، وإن كان بطيئاً، وفقا لصحيفة “البعث” المحلية.
تعرّض سورية لعقوبات وحصار اقتصادي كبير، أديا إلى زيادة مستمرة في سعر الدولار، قابلها هبوط واضح في قيمة الليرة السورية، وارتفاع جنوني في أسعار بعض السلع والمواد، مع فقدان بعضها، وشحها في أحيان أخرى، مشيراً (التقرير) إلى أهمها وهي المحروقات، وما خلفته من معاناة الأفراد الطويلة معها، فضلاً عن ارتفاع البطالة، وعدم قابلية المؤسسات الاستثمارية الصغيرة والكبيرة للعمل.. إلخ، كل ذلك نتج عنه تدهور بالوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن السوري، ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة فقد خسر الاقتصاد السوري جراء استمرار الأزمة الدائرة منذ ما يزيد عن الأربع سنوات نحو 200 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي، كما أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع نسبة الفقراء لتفوق 80% من مجموع السكان.
المرحلة الأفضل
دون أن يغفل التقرير ما شهده الاقتصاد السوري من نمو حقيقي مستقر في الفترة ما بين عامي 2006 و2010، وذلك بمعدل وسطي قدره 5%، وكانت تلك إحدى أعلى نسب النمو المسجلة في إقليم الشرق الأوسط، وذلك وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ونجد أن الاقتصاد السوري قد شهد تحولاً استثنائياً في مؤشراته الكلية جراء الأزمة التي تمرّ بها البلاد، حيث ألقت هذه الأزمة بظلالها على الموازنة العامة، والاقتصاد الكلي عامة، وضاعفت من حجم الضغوط على شبكة الأمان الاجتماعي، وزادت من أعباء الدعم، ووسّعت من نطاقه على نحو عاد به قريباً من نموذج السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، رغم تغير اتجاهاته الأساسية.
واعتبر التقرير هروب رؤوس الأموال أحد أسوأ الانعكاسات الاقتصادية للحرب، مقدراً ما خرج بنحو 22 مليار دولار، وانكمش الاقتصاد السوري بما نسبته 30% إلى 40% في عام 2012، وخروج ما يزيد على 60% من رجال المال والأعمال السوريين للخارج، وعدّ التقرير كلاً من تركيا والعراق وألمانيا ومصر من أوائل الدول التي جذبت رؤوس الأموال السورية، وقدّمت التسهيلات الكافية لإنشاء مشاريع استثمارية على أراضيها.
إيرادات متوقعة
معدّو التقرير أوصوا بضرورة التركيز على ست قضايا، وهي العمل بجدية وإخلاص على دعم المبادرات السلمية في الداخل والخارج لحلّ الأزمة عبر الحلول السياسية، فتوافق السوريين –وبإجماع الاقتصاديين والسياسيين على حدّ سواء- وحده هو الذي يفتح الطريق للخلاص من المآسي التي أدمت السوريين، وهدمت إنجازاتهم، وهذا ما يمهد الطريق أمام إنهاض الاقتصاد السوري.
ومن القضايا، وقف جميع أنشطة الحكومة وموازناتها المخصّصة للقطاعات غير المنتجة والريعية -والتي يمكن تأجيلها- والتي لا تتناسب مع الأوضاع التي تمرّ بها البلاد. وتخصيص موازنات القطاعات غير المنتجة، والإيرادات العامة المتوقعة حصراً لتأمين المساعدات الضرورية للقطاعات المنتجة وخاصة الصناعة والزراعة، وسد احتياجات المواطنين من السلع الأساسية، وإخضاع المصرف المركزي لرقابة الحكومة المباشرة، فالسياسات النقدية يجب أن تتماشى مع المعالجات الاقتصادية للأوضاع الراهنة.
مكافحة الهدر
وأوصوا أيضاً، بالاستمرار في وقف استيراد جميع السلع، باستثناء المواد الأساسية لمعيشة المواطن ومستلزمات الإنتاج، ومكافحة الهدر الحكومي والبذخ والفساد، بجميع أشكالهم وتجلياتهم.
وكما يقول الخبراء الاقتصاديون (الاقتصاد عصب الحياة)، حيث يعكس دائماً الوضع المعيشي لهم، وقد تأثر بشدة بالحرب الدائرة، حيث أعادت الحرب التي تشهدها سورية منذ حوالى أربع سنوات عجلة الاقتصاد عقوداً إلى الوراء، وذلك بعدما كان يُصنّف اقتصادها في السابق على أنه اقتصاد واعد