بدت القصة غامضة في بدايتها، سيدة سورية تتعرض لاطلاق النار في احد شوارع مدينة غوتنبرغ السويدية، الجميع اصيب بالدهشة، فالسوريون حديثو عهد في معظمهم بهذه المدينة التي قدموا اليها لاجئين، كيف داهمتهم الجريمة في بلد اللجوء بهذه السرعة! لكن سرعان ما تبين أن مطلق النار لم يكن سوى زوجها السابق الذي كان قد سبقها الى أوربا ثم قامت هي بتطليقه فور نجاحه بالحصول على “لم الشمل” ووصولها مع بناتها الثلاث إلى السويد.
رغم ان الشرطة السويدية تكتمت على اسماء السيدة السورية وزوجها الذي فقد صوابه بعد أن “غدرت به” طليقته إلا ان الحادثة كانت مشبعة بالتفاصيل في الحي الذي شهد الحادثة، الزوجة “سابقاً” لم تمت اثر اصابتها لكنها امضت وقتا طويلاً في العناية المركزة، ثم ما لبثت ان غابت الحادثة عن الذكر في زحمة الحوادث والقصص، لكنها ليست الحالة الوحيدة من هذا النوع، بل على العكس تماماً..
فيزا الطلاق
يحكي يونس الحمصي قصته بشيء من الذهول، فقد انتظر اشهراً طويلة وحيدا في مدينة صغيرة قرب مدينة خوفدة جنوبي السويد قبل ان يمتع ناظرية بقرار “لم الشمل” الذي سيمكنه من استقبال زوجته وابنتيه بعد عام ونصف العام من وداعه لهم، لكن تلك الاشهر التي مرت عليه كالسنين و”السبع دوخات” والأوراق كلها لم تمنحه إلا يومان من الحياة الاسرية، فالزوجة القادمة من بعيد لم تمهل “يونس” اكثر من هذين اليومين قبل ان تطلب الانفصال عنه، وهي تعلم جيدا ان هذا حق محفوظ لها في السويد، الحقيقة التي استفزت يونس هي ان زوجته “امل” كانت قد اعدت هذه “الخطة” بالتنسيق مع ابنة خالتها المقيمة مدينة هيلسنبورغ السويدية، وحصلت منها على تفاصيل الطريقة التي ستطلب عبرها الانفصال واغتنام فرصتها المنتظرة.
الصورة كانت مختلفة تماماً في عين “أمل” القادمة من سوريا بلد الحرب، فالسيدة الاربعينية كانت تحمل اجابتها قبل كل الاسئلة؛ “لست مضطرة لأن أحتمل لوقت أطول، انا لم أكن اطق العيش معه أصلا، الحال هنا تغير، لن ينظر الناس إلي على أنني المطلقة، ولن أستجدي أحداً لينفق علي وعلى الاولاد”.
“أمل” لم تتقبل وصف “الغدر” للخطة التي قامت بها والتي يصفها بها “الطليق” بل تعتبرها فرصة للتحرر من واقع ما كانت لتتمكن من الافلات منه في قريتها قرب حمص السورية، وهو واحد من اهم الاسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة وفقاً للطبيب النفسي إياد يانس، والذي يرى أن الزوجة في المجتمعات الشرقية لا تملك خيارات بديلة عن البقاء مع زوجها في حال وجود الخلافات بينهما، ذلك أن الطلاق أمر غير مقبول اجتماعيا في معظم المناطق العربية بالاضافة للأعباء المادية التي تترتب عليه كمصروفها الشخصي ومصروف الأولاد.
“مصلحة الهجرة” أول الواصلين
مصلحة الهجرة هي الجهة الرسمية الوحيدة التي يتعامل معها اللاجئون في البداية، وهي اول من تتوجه اليه طالبات الطلاق الواصلات حديثا اذا ماكانت الزوجة قد رافقت زوجها في رحلة اللجوء، ووفقاً للخبيرة القانونية في السويد كوثر اللاذقاني –ذات الاصل السوري- فإن مصلحة الهجرة عادةً ما تستجيب للزوجة في حال طلبت الطلاق وتقوم بنقلها إلى مسكن آخر، وتؤمن لها الحماية اذا ما تطلب الامر، ويتم تأجيل الاجراءات القانونية لحين حصول العائلة على الاقامة، ليتم الطلاق حينها عبر المحكمة السويدية.
لكن الامر يختلف اذا ما كانت الزوجة قد وصلت عبر “لم الشمل” وفقاً لكوثر اللاذقاني التي أجابت على سؤال راديو سويدنا، ففي هذه الحالات تفقد الزوجة حق الاقامة الذي حصلت عليه بناءا على حق زوجها بالاقامة، لكن هذا لا يمنعها من التقدم بطلب اللجوء بشكل منفصل لتحصل بدورها على حق اللجوء اذا كانت سورية الجنسية بحكم الظروف والقوانين السارية في السويد.
انسحاب تكتيكي
المرأة ليست المتهم المباشر في كل الاحيان والرجل ليس الضحية بالضرورة، “ماجد نجار” الذي وصل إلى السويد وحصل على حق الاقامة فيها ادرك ما يجري حوله قبل أن يشرع باجراءات “لم الشمل” الطويلة، ولأن مشاكله الكثيرة مع زوجته لم تغب بعد عن ذاكرته؛ اشترط مجد على زوجته ان تقطع له عهداً أن لا تخرج رأيه أو أن تطلب الطلاق بعد أن تلتحق به مع طفليها الصغيرين.
إلا أن الزوجة وئام “صاحبة المبدأ” رفضت ان تقطع ذلك العهد الذي تعرف تماماً أنها قد لا تتمكن من الحفاظ عليه، وعلى العكس تماماً بادرت وئام باجراءات الطلاق وتنوي الاستقرار في تركيا حيث كانت تنتظر زوجها ليلم شمل الاسرة، تقول وئام: “أنا لا أضمن ان تسير الامور على ما يرام هناك، فنحن سبق لنا أن وقع بيننا طلاق في بلدنا سوريا ثم عدنا سوية، لن يكون هناك ما يضمن ان نستمر معاً، نحن نتشاجر منذ الآن عبر الهاتف احيانا وعلى تطبيقات المحادثة احيانا اخرى، لن أقطع عهدا وافشل بالالتزام به”.
نقطة اخرى عادة ما يتم اغفالها عند الحديث عن هذه الظاهرة وفقاً لإياد يانس الطبيب النفسي والخبير الاجتماعي الذي تحدث لراديو سويدنا حول هذه المشكلة، فالفترة الطويلة للم الشمل يسبب جفاء للطرفين وقد يعتاد البعض شعور الوحدة دون مسؤوليات بعد زمن طويل من الزواج..
من أولها
حتى “لم الشمل” لم يكن شرطاً للطلاق كما حدث مع محمد فرج الذي طلبت زوجته الطلاق في اليوم التالي لوصولهم إلى السويد بعد رحلة مضنية مروا خلالها بصحراء الجزائر وليبيا ليركبوا بعدها البحر متجهين إلى أوربا، يقول محمد “بعد ان استتفقت من الصدمة سارعت لتفقد هاتفها الجوال الذي كان ما يزال بحوزتي حينها، لاكتشف مراسلات طويلة مع اخيها يرتبان فيها لهذا الامر، علمت عندها لماذا وافقت فجأة على فكرة الهجرة بعد أن كانت ترفض الفكرة كلياً في السابق”.
فيما تحتل قصة سامي زيتون المرتبة الاولى من حيث السرعة، سمر زوجة سامي الذي حصل على حق اللجوء في السويد لم تمنح زوجها اي فرصة للحديث او حتى الابتسامة لحظة وصولها الى مطار كوبنهاغن الدانماركي القريب من مدينة مالمو السويدية، ولم تقبل سمر حتى مصافحة زوجها قبل ان تتوجه بنفسها الى الشرطة وتطلب الحماية!
ولعل هذا “الطلاق بعد الرحيل” ليس الا واحدا من المفارقات العديدة التي اقتحمت حياة السوريين في اوربا، لكنه قد يكون اغرب سبيل تشتت به عائلات انتظرت طويلا حصولها على “لم الشمل.