لم تكن الاحتفالات هذا العام بأعياد الميلاد، ورأس السنة الميلادية، تختلف عن مثيلها في السنوات الأربع الماضية، ففي كل سنة من سنوات الأزمة يزداد العبء، والاستغلال على كاهل السوريين في مواسم الأعياد، ليكتفوا بالإحساس بقدوم العيد دون الاحتفال به!.
لقد طال ارتفاع الأسعار اليوم كل شيء ليصل إلى مستلزمات العيد، وبالرغم من أن المحتفلين السوريين بعيدي الميلاد، ورأس السنة الميلادية، قرروا ككل عام مضى خلال الأزمة اقتصار احتفالاتهم على الصلوات الدينية، وشراء أدنى مستلزمات العيد، إلا أن أدنى هذه المستلزمات فاقت الخيال، لتضطر الكثير من الأسر إلى الاستغناء عن شراء شجرة عيد الميلاد، وأصناف الحلويات البسيطة، متذرعين أمام أطفالهم بأن أشجار عيد الميلاد فقدت من السوق هذا العام، وأن الحلويات اليوم تسبب أمراضاً مؤذية للأطفال!.
اختفاء طقوس العيد
في جولة قصيرة على أسواق دمشق تجد أن زينة أعياد الميلاد التي ترافقت هذا العام مع بعضها تملأ واجهات المحال التجارية، لكنك في الوقت نفسه ستلاحظ انعدام الحركة الشرائية لهذه الزينة، إذ يكتفي التجار بعرضها آملين بقدوم زبون مضطر لشرائها، فقد حلقت أسعار شجرة عيد الميلاد ليصل سعر أصغر شجرة إلى 20000 ليرة سورية، ناهيك عن الزينة التي ترافق هذه الشجرة، لتصل تكلفة شجرة عيد الميلاد مع زينتها المتواضعة إلى حوالي الـ 50000 ليرة سورية، وهذا ما جعل الكثير من الأسر السورية تستغني عن هذا الطقس الذي يمثّل رمزاً من الرموز الدينية التي ترافق عيد الميلاد، فاختفت مظاهر البهجة والفرح التي كنا نشاهدها، والتي كانت تحكي عنها أشجار عيد الميلاد المزينة، المتلألئة بالألوان والأضواء في شوارعنا، وعلى أسطح المنازل، ويخيّم الصمت والظلام على تلك المنازل، وتدق أجراس اليأس على قلوب السوريين بدلاً من أجراس الإيمان والسعادة بقدوم الأعياد المجيدة.
حركة معدومة
في المقابل لم نجد رضى عند التجار عن حركة البيع والشراء في هذا العام، متذرعين بحجة ارتفاع سعر الدولار الذي رفع معه سعر كل شيء، لذا لا يمكن إلقاء اللوم عليهم حسب قولهم في انعدام حركة البيع، وحرمان الأطفال من فرحة العيد، فقد ارتفعت أسعار أشجار الزينة، وألعاب الأطفال هذا العام إلى أكثر من ضعفي سعرها في العام الماضي، لتنخفض مع هذا الارتفاع حركة البيع إلى ربع ما كانت عليه العام الفائت، وعند سؤالنا عن سبب ارتفاع أسعار شجرة عيد الميلاد وزينتها، علماً أنه لا يتم استيرادها من الخارج، ولا علاقة لهذه المواد التي تخزن من العام الفائت في المستودعات بارتفاع سعر الدولار، كانت الحجة بارتفاع تكاليف النقل، ولعل الحجة ستكون موجودة أيضاً عند تجار الأزمات في حال انخفضت تكاليف النقل في العام القادم، ليتذرعوا بحجج واهية أكثر!.
وللحلويات حضور
وضمن موجة الغلاء الهيستيرية التي طالت كل شيء يخص هذه الأعياد، بما فيها الحلويات، والتي لطالما شكّلت طقساً، حرص السوريون على وجودها ضمن موائدهم في المناسبات والأعياد، فقد أصبحت محلات بيع الحلويات شبه خالية من الزبائن بسبب تحليق أسعارها عالياً، وشكّلت موجة الغلاء هذه منغصاً حقيقياً لأجواء العيد لدى الكثير من الأسر التي اضطرت لتخفيض الكميات المعتادة على شرائها، أو اختيار أنواع أقل ثمناً، ففي أسواق دمشق بدا نشاط المواطنين منخفضاً على محلات شراء الحلويات، حيث كانت مستويات الشراء في أدنى حالاتها، فأصحاب المحال يشتكون دخول نحو مئة زبون في اليوم، إلا أن من يشتري لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة نتيجة عدم الرضى عن أسعار هذه المادة التي ينتهي بهم المطاف بنعتها بكلمة “مادة كمالية لا تلزم في العيد هذه السنة”، وعلى الرغم من الشكاوى الكثيرة التي نسمعها في اليوم الواحد عن عدم التزام المحال بشكل عام، ومحال الحلويات بشكل خاص بأسعار الحلويات التي تحددها الوزارة، إضافة إلى رفضهم وضع التسعيرة اللازمة على كل صنف، إلا أن المسؤولين مازالوا يصرون على أنهم يعملون على ضبط الأسعار، وإعادتها إلى مستواها الطبيعي، وخاصة قبل حلول الأعياد، لكن الأرقام لا تذهب إلى ما تعلن عنه الجهات الرسمية، فمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق أكدت لنا تشكيل فريق جولات على جميع الأسواق ومراقبة الأسعار، خاصة في هذه الفترة التي تسبق الأعياد، وهذه الجولات مستمرة في جميع الأيام، وبشكل خاص قبل الأعياد، فقد قامت المديرية بتنظيم العديد من الضبوط للمخالفين أثناء هذه الجولات، مشددة على ضرورة تفعيل ثقافة الشكوى عند المواطن، واستعداد المديرية بشكل دائم لقبول هذه الشكاوى، وتنظيم الضبوط بحق المخالفين.
عام أفضل
مع حلول هذه الأعياد المجيدة مع بعضها، ومع اقتراب دخول الأزمة السورية في عامها السادس، لا يمكننا إلا أن نصلي في قلوبنا كي تنتهي هذه السنة، وتنتهي معها الأزمة التي أثقلت كاهلنا، وجثمت سنوات مريرة على قلوبنا، وأن يعود الأمان إلى بلدنا، آملين بأن نرى بابا نويل يأتي في العام القادم محمّلاً بالهدايا لأطفالنا، ولبلدنا بغد أفضل.
المصدر: صحيفة "البعث" المحلية