ينتظر أحمد سالم دوره لتسليم أوراق عقد قران ابنته، كما غيره من العشرات، الذين تكتظ بهم أروقة المحاكم الشرعية في دمشق يومياً، فالتصريحات الصادرة عن المحكمة الشرعية بدمشق تقول: إن قرابة 150 ألف حالة زواج تم تثبيتها العام الماضي.
يقول أحمد : أقام بإنجاز أوراق تثبيت عقد زواج ابنتي كي أرسل أوراقها إلى خطيبها الموجود حالياً في المانيا، إذ أنها خطبت لشاب وصل مؤخراً إلى ألمانيا ويريد أهله تزويجه بفتاة سورية ويريدون الأوراق قبل إجراء المقابلة. ويضيف أحمد وضعت مبلغ مليون ونصف المليون ليرة كمهر لابنتي كي أضمن لها حقوقها، فنحن لا نعرف عن الشاب سوى المعلومات التي أخبرنا بها ذويه. ابنتي حاصلة على بكالوريوس رياضيات، لذلك أجد المليون ونصف المليون قليل بالنسبة لفتاة مثلها. نحن طلبنا أربع ليرات ذهب كمهر إلا أن المحكمة رفضت قبول هذا الأمر، لذلك عدلناه إلى الليرة، لكن لو أن ابنتي سافرت، عادت بعد عام مطلقة، هل سيكون مبلغ مليون ليرة تعويضاً عادلاً لها أو لغيرها من الفتيات ؟.
تسند ريم رأسها لحائط المحكمة الشرعية في القصر العدلي منتظرة المحضر لينادي على اسمها كي ينطق القاضي بالحكم النهائي في قضيتها. تقول ريما: تزوجت قبل أربع سنوات من شخص، كان يظهر عليه الدين والوقار ويكبرني بعشر سنوات أنجبت منه طفلين، وما حدث أنه أخذ الطفلين وذهب الى إحدى المناطق الساخنة، ولم استطيع اللاحق به، فقام بتطليقي وحرمني من أطفالي وأرسل مبلغ مائة وخمسين ألف ليرة سداداً لمهري، الذي سأتركه له فأنا لا أريد منه أي ليرة، ثم ماذا سيفعل مثل هذا المبلغ وسط ارتفاع الأسعار الذي نشهده لذلك لا أريد منه شيء". مضيفة: لو أن مهري كان مسجلاً ذهباً، فالوضع كان سيكون منصفاً.
المحامي "إسماعيل أحمد" يقول: نشهد حالات زواج كثيرة يريد أهل الفتاة فيها تسجيل مهر ابنتهم بالليرة الذهبية، بعد أن هبطت قيمة الليرة السورية، لكن القانون السوري لا يسمح بتسجيل المهر بأي عملة أجنبية أو أي قيمة ثانية كالذهب أو الفضة. متابعاً : في الماضي لم يكن هناك مثل هذه المطالب من قبل الناس لكن في السنتين الأخيرتين ارتفع الطلب على تسجيل المهر بالليرة الذهبية ،وخاصة في الحالات التي يكون فيها الزوج مسافر خارج القطر.
بات ضرورة
من ناحيته، يقول القاضي "مرهف الفصيح": أن فكرة تسجيل المهور بالليرة الذهبية أو الفضة أمر كان معمول به قديماً، لكن تم تعديله ليصبح فقط بالليرة السورية، وفكرة تسجيل المهر بالفضة أو الذهب سيحفظ للفتاة حقها خاصة في ظل الهبوط الذي تشهده الليرة السورية، فالذهب يبقى محافظاً على قيمته في أي مكان أو زمان.
كان القاضي الشرعي الأول بدمشق، "محمود معراوي"، كشف أنه رفع مقترحاً إلى “وزارة العدل” لإصدار تعميم يجيز فيه التعامل بالليرة الذهبية السورية أثناء تسجيل المهر.
وبين المعراوي، أن سبب هذا الاقتراح، هو ورود الكثير من العقود إلى المحكمة والمهر المنصوص فيها يكون بالليرة الذهبية، موضحاً أنه نتيجة وجود نص يحظر التعامل بالذهب أو ما يماثله في المهور، فإنه يطلب من الزوجين تعديل قيمة المهر من الذهب إلى ما يعادله من العملة.
وقال المعراوي: "نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية، يضطر أهل الزوجة إلى فرض المهر على الزوج بالذهب باعتبار أن قيمته مرتفعة، إلا أنه حينما يثبتون زواجهم في المحكمة الشرعية يفاجئون أن القانون حظر التعامل بالذهب فيعادلون قيمته بالليرة السورية".
وأضاف المعراوي: أن تسجيل المهور بالليرة الذهبية لم يكن محل نقاش في المحكمة لعدم ورود أي دعاوى تتضمن إشكالاً كهذه، إلا أنه نتيجة انخفاض قيمة العملة الشرائية إلى العُشر، والدليل على ذلك ارتفاع الأسعار في الأسواق إلى 10 أضعاف، فقد استدعى ذلك المحكمة إلى مناقشة موضوع المهور القليلة والقديمة، وكيفية التعامل مع هذه المسألة في حال ورود دعاوى في هذا الخصوص إلى المحكمة، إلا إن كان الخلاف قائماً عن المعيار في تحديد المهر، هل يحدد بقيمة الذهب الحالية فيكون هناك ضرر كبير على الزوج ولاسيما أن 5 آلاف منذ 50 سنة كانت تشتري نحو 200 غرام من الذهب وهذه الكمية سعرها حالياً أكثر من مليوني ليرة، ولذلك كان المقترح أن يكون المعيار هو مهر المثل”.
يفيد ولا يضر
ترى الخبيرة الاقتصادية "نسرين زريق"" أن الحاجة إلى تحديد المهور بالليرة السورية الذهبية هي مطلب شعبي بمقتضى تثبيت سعر الصرف أو قيمة الليرة الشرائية، حتى يتاح للمرأة بالمهر الذي يتمثل بالمقدم والمؤخر منه ما يمكنها من شراء كسوتها وبعض احتياجات أسرتها. وأيًضا في نهاية العقد ما يمكنها أن تعيش بكرامة وهذا أساس الفكرة من المهر. متابعة تدهور سعر الصرف المفاجئ أحيانا وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية في الأسواق لا يتيح هذه الميزة في المهر أن استمر الزواج لمدة عام فكيف به إن استمر سنوات، بالوقت نفسه الاتجاه إلى الذهب لا يضر الاقتصاد السوري لعدم ارتباط الليرة السورية بالذهب لأننا لا ننتجه بل نستورده استيراداً، وسعره مرتبط بالدولار كعملة معتمدة في سورية لمعاملات الاستيراد والتصدير. وتضيف زريق :بالنتيجة التعامل به وتثبيت المهور بالذهب يضمن حقوق المرأة من جهة، والقيمة الشرائية لليرة السورية المرتبطة برقم المهر من جهة، ولا يضر بالاقتصاد السوري كثرة التعامل بالذهب. من جهة أخيرة الموضوع يحل مشكلة كبيرة لم تتبلور بشدة الآن، ولكن ستظهر نتائجها لاحقا بعيد سنة أو أقل إن استمر هذا التضخم الاقتصادي في الأسعار.
المصدر: موقع "صاحبة الجلالة"