كان يوم سعاد طويلاً للحصول على ورقة قيد عمل لتقديمها لمسابقة التربية، وهي التي سجلت بمكتب التشغيل بمحافظة دمشق منذ أكثر من 10 أعوام، إلّا أنها لم تستطع خلال السنوات الماضية الحصول على فرصة عمل لأسباب عديدة، أهمها أن أياً من الجهات العامة لم تطلب اختصاصها الجامعي.
مكاتب التشغيل التي أطلقت في العام 2001 بموجب القانون رقم 3 كان الهدف منها ضبط آلية إشغال الوظائف بكافة القطاعات العامة والخاصة، وحتى المشتركة والتعاونية، لتكون بذلك أكثر قرباً من العدالة الاجتماعية، حينها كانت تلك المكاتب تلبي طلبات التوظيف لمصلحة الجهات العامة وفقاً لاختصاص كل مسجل، وعملاً بمبدأ الدور المتسلسل للمسجلين في مكاتب التشغيل، حيث يتم إرسال 3 أضعاف العدد المطلوب ويبلغ المرشحين للالتحاق بالاختبارات التي تجريها تلك الجهات، من دون أن يلغي ذلك حدوث تجاوزات ومخالفات وفساد، وهو ما قاد لاحقاً إلى إلغاء دور هذه المكاتب في الترشيح وذلك بموجب القرار 116 لعام 2011، بحيث أصبحت الجهات العامة تعلن عن حاجتها لإشغال الشواغر لديها، إما عن طريق التعيين، وإما التعاقد ونشر ذلك الإعلان بإحدى الصحف الرسمية.. إذاً ما الجدوى من بقاء مكاتب التشغيل؟ ولماذا هذا الازدحام الكبير الذي رأيناه خلال الفترة الماضية أمام مكاتب التشغيل لدرجة تدخل الشرطة لضبط الأمور؟
وهل نحن بحاجة لتغيير تلك الآلية؟
وهل يعقل أن تتم "إهانة" المواطن من أجل الحصول على ورقة؟.
يرى مدير وحدة الترشيح المركزي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حازم الكردي، أن الجدوى من مكاتب التشغيل بعد العام 2011 هو إحصائي من خلال قاعدة بيانات تنظم أعداد المتعطلين عن العمل، أي "الذين لا يعملون وليس لديهم تأمينات اجتماعية سواء في القطاع العام أو الخاص" والمشتغلين الذين لديهم تأمينات، لكنهم يعملون بصفة عقد سنوي في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص، وتلك الإحصائية التي يعمل عليها حالياً لمرحلة إعادة الإعمار ستفيد في دراسة واقع سوق العمل ووضع الاستراتيجيات الخاصة برفد سوق العمل مستقبلاً مع بيانات أخرى عن الجندر وأكثر المهن إقبالاً عليها، والتوزع الجغرافي أيضاً.
إضافة إلى أن وجود وثيقة العمل تفيد بإعطاء 15 علامة للتثقيل في المسابقات التي تجريها الجهات العامة، مشيراً إلى أن أعداد المتعطلين عن العمل وفق البيانات الأولية حوالي مليوني شخص.
وتابع كردي: الظاهرة التي لوحظت خلال الفترة الماضية من ازدحام أمام وحدة الترشيح المركزي بدمشق كانت نتيجة الأعداد الكبيرة للمواطنين للحصول على وثيقة قيد عمل للاشتراك في مسابقة وزارة التربية التي أعلن عنها، بالإضافة إلى أعداد أخرى بعد صدور مرسوم تثبيت عقود الشباب وذوي الشهداء، فبعد أن كانت وحدة الترشيح تستقبل يومياً 50 طلباً، اليوم أصبحت تستقبل 500 مواطن، ونتيجة ضيق المكان ظهر للواجهة ذلك الازدحام، خاصة أن وحدة الترشيح المركزي تضم مكاتب التشغيل بدمشق والريف، إضافة لبقية المحافظات بعد استهداف المركز الرئيسي في الزبلطاني.
وزير العمل الأسبق، الدكتور حسن حجازي، كان له رأي آخر، فمع إيمانه بأن دور مكاتب التشغيل هي لحفظ حقوق المسجلين حين التقدم للمسابقات التي تجريها الجهات العامة للاستفادة من علامة التثقيل التي ستضاف للدرجة النهائية للمسابقة.
لكنه يعترض على الطلب من كل مواطن الحصول على ورقة قيد عمل من مكاتب التشغيل عند كل مسابقة، علماً أن الحكومة في العام 2013 ومن خلال التعليمات التي أقرتها بهذا الخصوص، نصت على حصول المسجل لأول مرة في تلك المكاتب على ورقة قيد عمل مع صور عنها تقدم في المسابقات التي تجريها الجهات العامة، وهو يستطيع أن يقدم الصورة عن تلك الورقة إلى الجهة العامة، حتى لو كانت غير مصدقة لكون وزارة العمل ستعود وتدقق مرة أخرى عند انتهاء الاختبار لإضافة علامة التثقيل.
"حجازي" كشف أن أعداد المسجلين في مكاتب التشغيل وفق إحصائيات العام 2011 بلغ نحو 2.4 مليون مسجل، علماً أن قوة العمل في سورية هي بحدود 5 ملايين شخص.
وتساءل عن دور المرصد الوطني لسوق العمل الذي أسس في العام 2014 ولماذا لم يفعل حتى الآن؟ مع أن دوره هو تقديم بيانات حقيقية عن سوق العمل في سورية.
بدوره الدكتور غسان إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، رأى أن دور تلك المكاتب بعد تغير آلية عملها تكلفة من دون مردود، وهي كلمة حق يراد بها باطل، علماً أن الدول المتقدمة والرأسمالية تعتمد على مكاتب التشغيل لتأمين حاجتها من الموارد البشرية بالسرعة القصوى وضمن كفاءات ومهارات تحددها.
وأضاف: الطلب على العمل لدينا في الوقت الحالي مرتبط بالنشاط الاقتصادي، فعدد العاطلين عن العمل أكبر من قدرة الاقتصاد السوري حالياً، وبالتالي أعداد المسجلين في مكاتب التشغيل لا يلبي ذلك ، لذلك لا جدوى من استمرار تلك المكاتب التي تخسر الدولة، بدلاً من أن تكون عاملاً مساعداً في الدورة الاقتصادية.
المصدر: صحيفة الايام السورية