خلصت دراسة صدرت مؤخراً إلى أن الدعم الزراعي لم يقدم مساهمة حاسمة في تطوير القطاع الزراعي وتحسين كفاءة أداءه، لاسيما في فترة الأزمة، بشكل أحدث فارقاً نوعياً، لكنه بالمقابل ساهم وما يزال في المحافظة على القاعدة الأساس من استمرارية العملية الإنتاجية الزراعية وبقاء المزارعين والمنتجين على أرضهم وقيامهم بأعمالهم، وبالتالي فإن المسألة الأهم هي أن الدعم بشكله الحالي يحتاج إلى رؤية تنموية مستقبلية يعمل في ظلها، بينما هو لا يزال يعمل بآلية ذات أهداف قصيرة المدى ولا يمتلك رؤية استراتيجية مستدامة، وهو في النهاية يطال جميع المنتجين بيض النظر عن اعتبارات تنموية ضرورية، فهو مثلا لا يميز المنتجين الفعالين عن غيرهم ولا يقدم لهم حوافز تشجيعية لزيادة الإنتاجية كما لا يلعب دوراً في مجال تشجيع اتباع الأساليب الحديثة في الزراعة.
وأضافت الدراسة الصادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية أنه قبل تحديد مبادئ إصلاح الدعم يجب وضع رؤية مختصرة وشاملة لاستراتيجية الدعم الجديد، بحيث تمثل الطموح الذي يسعى التخطيط الاستراتيجي للدعم لبلوغه على المدى البعيد، هذه الرؤية يمكن صياغتها كما يلي: دعم موج بشدة ومقنن بصرامة وبفعالية قصوى، يراعي الاعتبارات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ويهدف الى تطوير ونمو القطاع على المدى البعيد.
وقدمت الدراسة بعض المبادئ المقترحة لإصلاح الدعم منها:
- توحيد إدارة الدعم في جهة واحدة كما كان مرسوم تأسيس صندوق الإنتاج الزراعي قد نص عليه.
- يجب على الدعم ألا يفيد كبار الملاكين على حساب صغار المنتجين( مثلاً قبل الأزمة كان 8% من مزارعي القطن الأكثر غنىً يتلقون 41 % من دعم القطن حسب دراسة الدعم في سورية للبنك الدولي).
- يجب على الدعم ألا يشجع على استهلاك المزيد من المياه( ىسواء من خلال تشجيع غير مدروس للمحاصيل المتطلبة للمياه أو من خلال تشجيع غير مدروس للتوسع في الزراعات المروية) وبالتالي يجب على الدعم ألا "يعاقب" المزارعين من النمط البعل لمصلحة المزارعين من النمط المروي.
- يجب على الدعم ألا يشجع على استهلاك المزيد من الوقود ويجب التفكير بتشجيع المحاصيل الأقل استخداماً للوقود.
- على الدعم أن يشجع الاستفادة من الميزة التنافسية للسلع الزراعية التي تحظى بتلك الميزة (الخضار والفواكه)، وكذلك دعم السلع التي تحظى فيها سورية بميزة نسبية.
- على الدعم أن يراعي بشكل واضح تشجيع تنويع الزراعات والمنتجات والأنشطة الزراعية.
- يجب تغيير استراتيجية الدعم بحيث يتوقف عن تشجيع المحاصيل غير التنافسية ذات المساهمة الضمنية بالنمو من المستويات المنخفضة (يجب النظر إلى مقدار المساهمة الضمنية لكل محصول بالنمو الاقتصادي) وبالمقابل يجب عدم تهميش الزراعات غير الاستراتيجية التي تمتلك مساهمة ضمنية بالنمو أكبر من تلك التي تمتلكها محاصيل أخرى مدعومة. هذا يعني بعبارة أخرى ضرورة عدم "معاقبة" مزارعي المحاصيل غير الاستراتيجية لمصلحة مزارعي المحاصيل الاستراتيجية.
-يجب أولاً وقبل كل شيء عدم القيام بإصلاحات جذرية لأي برنامج من برامج الدعم قبل تنفيذ دراسة لتقييم الأثر الاجتماعي للتشريع.
- تركيز الدعم بحيث يستهدف عملياً سكان المناطق الجغرافية الأكثر معاناة، وذلك لتحقيق الأهداف الاجتماعية للدعم.
- بشكل عام يجب إيجاد توازن بين الأهداف المتعارضة وطرح أكثر من سيناريو لتعديلات الدعم.
وتخلص الدراسة إلى جملة مقترحات رئيسية موزعة على ثلاثة محاور، ففي المحور الأول الذي حمل عنوان سياسات الدعم تحضر المقترحات التالية:
-تأسيس مجلس أعلى للدعم الزراعي برئاسة السيد وزير الزراعة والإصلاح الزراعي ومشاركة كافة الجهات المعنية بالدعم ولا سيما وزارة الاقتصاد ممثلة بهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات وهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وزارة الكهرباء، وزارة الثروة المعدنية والنفط، ويقوم المجلس برسم السياسة العامة للدعم وتنسيق وتوزيع العمل بين الجهات المختلفة.
- إصلاح واستئناف دعم الري الحديث على أسس جديدة أكثر صرامة وإلغاء مبدأ القرض طويل الأجل بضمانة الأرض، والاستفادة من تجربة الصين بالري بالخاصية الشعرية والتي هي أكثر كفاءة من الري بالرذاذ وحتى من الري بالتنقيط أيضاً.
- تشجيع الاستثمارات في صناعة الأسمدة ضمن خطة على المدى الطويل، بحيث يتم الوصول إلى تغطية كامل أو معظم حاجة الإنتاج الزراعي من السماد من الأسمدة المنتجة محلياً وبالتالي تزول الحاجة فعلياً إلى دعم الأسمدة.
- توسيع سياسة دعم الأعلاف لتشمل دعم المحاصيل العلفية (كالشعير والصويا والبيقية والدخن ..إلخ) بالإضافة لتقديم الأعلاف المدعومة للمربين.
- تخفيض وتخفيف دعم المحاصيل المستهلكة للمياه بدرجة كبيرة في بلدٍ يعاني من الجفاف وشح المياه وكذلك تخفيض وإلغاء دعم المحاصيل غير المجدية اقتصادياً أو ذات الجدوى الضعيفة:
1-وضمن هذا الإطار يجب إعادة النظر بسياسة دعم محصول الشوندر السكري، علماً أنه يباع كعلف منذ عدة سنوات، ولا سيما أن معظم معامل تكرير السكر غير صالحة للعمل، حيث يجب ربط الدعم بدرجة الحلاوة ضمن شرائح مربوطة بقيم نقدية، كما ينصح بجعل خطة الشوندر تأشيرية غير ملزمة.
2-في الإطار نفسه فإن دعم القطن هو الأثقل بين مفردات الدعم (باستثناء دعم الوقود والكهرباء) في الوقت الذي يعتبر فيه محصولا متطلبا للماء بشراهة وذو جدوى بيئية غير ملائمة لظروف الجفاف الذي يعاني منه القطر، لذلك من المفيد تخفيض مساحاته من الخطة الإنتاجية من خلال تركيز الدعم على القطن المروي على الشبكات الحكومية فقط، واستثناء ما عداه من الدعم، مع ربط هذا الدعم بالإنتاجية.
- تأسيس مؤسسة تعنى بالتأمين الزراعي مع الاستمرار – على المدى المتوسط – بتقديم دفعات التخفيف من أضرار الكوارث والجفاف، مع تسريع تقييم الأضرار وصرف التعويضات، على أن يتم إلغاء هذه الدفعات على المدى البعيد لصالح تعزيز وتمكين التأمين الزراعي المذكور.
- دراسة إمكانية الاستفادة من الهواتف المحمولة للتحويلات النقدية الخاصة بالدعم، علماً أن هذه التجربة قد طبقت بنجاح في أكثر من دولة نامية.
- القيام بدراسة " تقييم أثر التشريع" لمعرفة نتائج أية إجراءات جذرية سيتم اتخاذها بشأن الدعم بشكل مسبق ولا سيما قبل تعديل الخطط الإنتاجية الزراعية.
-من الضروري متابعة العمل الذي بدأته هذه الدراسة من خلال تشكيل فريق من التقنيين (مجموعة تخطيط استراتيجي( يقوم بتأسيس استراتيجية وطنية للدعم الزراعي – بالاستفادة من الدراسة الراهنة – ويتم إقرار رؤية ومهمة وتحديد الغايات والأهداف وتحليل نقط القوة والضعف والفرص والمخاطر وتحليل أصحاب المصلحة والقضايا الاستراتيجية والقيم المراعاة.
في المحور الثاني الخاص ب أدوات الدعم (الحوافز والمكافآت(، قدمت الدراسة المقترحات التالية:
- تقديم مساعدات فنية ومالية للتحول نحو الطاقة النظيفة قدر الإمكان، وتوسيع التجربة على المدى المتوسط والبعيد.
- تخصيص مكافآت للبحث العلمي الذي ينجح بإنتاج أصناف القمح والمحاصيل الأخرى الملائمة للبيئات السورية.
- تشجيع البحث العلمي على التوسع بالمكافحة الحيوية وتخصيص مكافآت للباحثين الذين يقدمون حلولاً قابلة للتطبيق في مجال المكافحة المتكاملة.
- إطلاق ما يمكن تسميته بمكافأة التربة: كل مزارع يحافظ على أرضه دون تدهور (استخدام أمثل للأسمدة والمياه) يحصل على مكافأة محددة، ويتم تسديد الدفعات المباشرة كلما قام المزارع بفحص سنوي لحالة التربة، وذلك عبر برامج العناية الصحية" بالتربة وثبت بالنتيجة محافظته على مورد التربة.
- تشجيع عدم الإفراط باستهلاك الكهرباء الزراعية عبر حوافز لمن يوفر في استهلاكه للكهرباء أو عبر زيادة الرسم لمن يستهلك أكثر من حاجته (يتم تقدير احتياجات كل منشأة حسب نشاطها الإنتاجي).
- بالنسبة للشوندر السكري والقطن، تشجيع الزراعات البديلة المربحة اقتصادي اً والمجدية بيئياً ومائياً، لتغطية المساحات التي ستغادر خطة الشوندر والقطن.
- تقديم مكافآت لكل مربٍ يتمكن من إنتاج علف قطيعه بنفسه، مع تشجيع توسيع زراعة المحاصيل العلفية، كالذرة وفول الصويا والبيقية من خلال تقديم مكافأة إنتاج لمنتجي هذه المحاصيل الهامة كأعلاف لقطاع الإنتاج الحيواني.
- وبشكل عام تقديم مكافآت لمن يطبق نظم إنتاج متكاملة (نباتي – حيواني) ولمن يطبق الدورات الزراعية الموضوعة في خطط الوزارة أو لمن يطبق مبادئ الزراعة الحافظة أو لمن يحصل على شهادة إنتاج عضوي.
أما المحور الثالث والذي حمل عنوان الاستدامة، فقد وردت المقترحات التالية:
- الاستمرار بمنح الدعم استنادا إلى المساحات المزروعة وليس المرخصة أو المخططة (مع تسقيف يمنع الاستفادة المفرطة(.
- إعادة دعم الأسمدة الكيمائية في الوقت الحالي، والاستمرار بدعم بذار القمح وتطوير أصناف قمح جديدة تلائم البيئات السورية، و الاستمرار بسياسة دعم الأعلاف وتعزيزها.
- الاستمرار بتوفير خدمة المكافحة العامة والخدمات البيطرية.
- استمرار دعم زراعة القطن العضوي والقطن الملون بشكل خاص
سيرياستيبس