خاص B2B-SY | طلال ماضي
شارع الثورة في وسط العاصمة دمشق يضعك أمام مشاهد لا تستطيع رؤيتها و إن رأيتها لن تقدر على حبس دمعتك في مشاهدة أطفال لا يتجاوز أعمارهم العشر او إثنى عشر عاماً، يعملون أعمال لا يقدر عليها سوى الكبار، فالفقر سرق منهم كل شيء " طفولتهم و براءتهم و ربما أيضا دراستهم و ضحكاتهم".
لا يعبأ خليل كثيرا لطفولته ،يضع يده على فمه ويصرخ بأعلى صوته، "ب 100 ليرة الكوسا".. خليل الذي يعمل على بسطة خضار في شارع الثورة وسط العاصمة دمشق، يرد عليه طفل آخر "ع المونة يابصل"، وعلى بعد أمتار منهم يعمل عبد الرحمن على عربة حديدية يضع عليها البضائع ويوصلها لأصحابها مقابل مردود مادي بسيط، لا يتجاوز 200 ليرة سورية عن كل طلبية.
ورغم صغر سنه، قرر رامي أن يتقاسم مع إخوته مرارة توفير لقمة العيش، بحسب تصريح لبزنس 2بزنس، حيث يعمل يوميا لكي يستطيع توفير دخل يكفي اسرته اجار بيت، وتأمين الحاجيات الاساسية، وتوفير بعض المصروف للعام الدراسي القادم .
في اسواق دمشق كل مترين تجد أطفالا في الأسواق، بعضهم ارهقهم التعب والفقر والعوز، ويعملون لسد رمق الجوع الذي وصل له الشعب السوري من جراء الازمة المستمرة منذ عام 2011، وبسبب بعض الاجراءات الحكومية الاقتصادية غير الموفقة، التي تسببت بانتشار طبقة كبيرة من الفقراء والمساكين واصحاب الحاجة، وزاد عليها تهجيريهم من بيوتهم، وخسارتهم أعمالهم وأرزاقهم.
ويرى خبراء الاجتماع أن الفقر هو السبب الأول في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في سورية ،وفي المرتبة الثانية تأتي وبقوة التشتت والتفكك الأسري لبعض العائلات، والتي أصبحت ظاهرة تؤرق المجتمع السوري بسب ظروف الأزمة، وارتفاع نسب حالات الطلاق ما يدفع الأطفال في عمر مبكر للبحث عن عمل ليعيل نفسه وأمه .
الحاجة ام رضا قالت .."أتأثر جدا من رؤية الاطفال في الشوارع يعملون كبائعين وشحاذين، وأحيانا أتمنى لو أنهم لم يُنجَبوا" بينما اعتبرت ام مريم خلال تسوقها مع بناتها ان الفقر سرق من الاطفال طفولتهم، وسلبت منهم الفاقة براءتهم، عاشوا زمانا غير زمانهم، واقتحموا أعمالا لا تقدر عليها أناملهم وأجسادهم .
سمير عبد الله صاحب محل تجاري، يعلم ابنه كيفية التعامل مع الزبون بالقول .." اتفضلي اختي شو فيني ساعدك" يقول: أنا اصطحب معي أطفالي الى المحل واعلمهم كيفية الانخراط في السوق، وعمليات البيع والشراء واستقبال الزبون واقناعه بالشراء، صحيح ان الاطفال مكانهم ليس في السوق، لكن في الواقع عندما يكون من يبيع على بسطة مدخوله أعلى من راتب الاستاذ الجامعي والصحفي، فمن الطبيعي ان تدفع بأطفالك الى السوق، حتى يتعلموا على صغر ويفهموا التجارة والبيع والشراء، لم تعد الشهادة الجامعة وخاصة في هذه الايام تطعم خبزا وانا لست نادما على خياري هذا .
المرشدة الاجتماعية نادين سلامة بينت في تصريح لبزنس2بزنس،ان بعض الاهالي يدفعون أطفالهم للعمل بعضهم لأسباب اقتصادية نتيجة فقر الحال، ومنهم لأسباب اجتماعية من وجهة نظرهم ان الطفل يتقن المهنة في صغرة بشكل أكبر، ويعتمد على نفسه .
واعتبرت سلامة أن وضع الطفل الاجتماعي الغض في بيئة جديدة في الاسواق لا تناسب قدراته العقلية، وتحمل مظاهر وسلوكيات ولغة مبتذلة بعيدة عن لغة المنزل والمدرسة، يتعلمها الطفل ويكتسبها مع مرور الوقت ،ويستخدمها عند عودته الى المدرسة، في محاولة لإثبات نفسه مما يعرضه الى العنف من قبل رفاقه .
وأشارت سلامة الى ان الاطفال الذين ينخرطون في العمل بالأسواق في وقت مبكر، ويتعلمون لغة سوقية تخدمهم في التعزيز النفسي، ينخفض لديهم التطور المعرفي والثقافي الجيد، كما ينخفض لديهم التطور العاطفي، ويصبح لديهم فقدان ثقة وضعف في تفكيرهم الاخلاقي والاجتماعي، وينعكس ذلك على رفاقهم في المدرسة، حيث يصبح لديهم شلة من الأطفال يستخدمون المصطلحات حتى يتذمروا فيها على رفاقهم فتنتشر الظاهرة بشكل أكبر .
وبالرغم من وجود هيئة متخصصة تحت اسم الهيئة السورية لشؤون الأسرة منذ عام 2003 من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة لعدد الأطفال المنخرطين في سوق العمل وحدد القانون السوري الحد الأدنى للعمل ب 15 عشر عاما انسجاما مع الاتفاقات الدولية الخاصة بحظر تشغيل الأطفال ومع نهاية المرحلة الثانية من التعليم الأساسي يؤكد ما قاله الشاعر الراحل محمد الماغوط .." أن الجوع كافر والجهل كافر والظلم كافر أيضاً".