قال أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية فؤاد اللحام، هناك ميول عند بعض الجهات الحكومية لـ"الابتذال" بحديث الدعم وتحويله إلى "منيّة" تُحمّل للمواطن، عبر الضخ بأرقام وتكاليف تحاول الحكومة الاحتماء بمظلتها من سيل الانتقادات الموجهة لها.
وأضاف: إن تكثيف طرح هذه القضية على منابر وطاولات الحوار الاقتصادي، بعد أن وصلت الآلية الحالية إلى طريق مسدودة على ما يبدو، لا هي “ترقّع” عيوب الحكومة المرهقة من تكلفة الدعم، ولا هي مُرضية للمواطن ومستحق الدعم الذي لا يجد منه شيئاً، لتُطرح اليوم بدائل عديدة، من بينها الدعم النقدي وشبكات الحماية الاجتماعية، وغيرها من التصورات لما ستحمله المرحلة المقبلة فيما يوصف بأكثر الملفات تعقيداً وفساداً.
بدوره، لخص الأستاذ في كلية الاقتصاد، الدكتور شفيق عربش، حسب صحيفة البعث، الواقع الحالي سواء بملف الدعم أم غيره، بالقول: "أصبح الفساد وقحاً في سوريا".
واعتبر عربش أن تطبيق سياسة الدعم الحالية أدت إلى إفقار الفقراء وإلى مزيد من الهدر والفساد ما يعني أنه يجب أن تصوب سياسة الدعم وفق توجهات وآليات مختلفة لأن الدعم لا يمكن أن يكون لجميع الناس إلا إذا كان جميع الناس فقراء.
وأضاف: الدعم بشكله الحالي أدى إلى الفساد بشكل كبير، فالبطاقة الذكية أمنت كل مستلزمات السوق السوداء عبر بيع المخصصات، وصعوبة الحصول على الخدمة – التي تدعى مدعومة – وحاجة المواطن للرشاوى والواسطة للحصول عليها، أنست المواطنين أن الحكومة تدعم أساساً، كما أن طوابير الانتظار هي مؤشر حقيقي على حجم الفقر والبطالة.
وقال عربش: الدعم في سوريا حالياً موضوع شائك و معقد، فلا تعريفه واضح ولا هدفه واضح ولا طريقته ولا المبرر له، فمثلاً ما يتم توزيعه للجميع، على حد سواء، ليس دعماً، مضيفاً: عشنا عقدا اجتماعيا اتصف باتفاق غير مكتوب بالقبول من خلال سياسة التوظيف الاجتماعي بأجور منخفضة وأسعار مقبولة تتناسب معها، فالقدرة الشرائية لراتب 375 ليرة عام 1974 كانت تؤمن 3125 ليتر مازوت! أما اليوم الراتب أكثر بـ 850 مرة من راتب 1974، لكن متوسط ارتفاع الأسعار تجاوز 20 ألف مرة، على التوازي مع انخفاض جودة البضائع.
وذكر عربش أن سياسة التوظيف الاجتماعي أدت إلى أن يصبح العاملون في الدولة عبئاً على القطاع العام، موضحاً أن كتلة الرواتب والأجور وزعت على عدد كبير ما أدى إلى انخفاض الرواتب، مبيناً أن ما حصل في الماضي أن كل شيء يوزع على الجميع وعلى نفس المستوى، وفق نظام البونات.
ولفت حسب صحيفة الوطن، إلى أن ما كان يحصل لا يمكن أن يسمى دعماً، فمقابل تمويل الدعم هناك هدر كبير وسرقات وفساد تحت مظلته، مضيفاً: وشكلت عبئاً على الخزينة العامة للدولة، التي أوصلت إلى العجز.
وأشار عربش إلى أن الرواتب والأجور في سورية بدأت زيادتها منذ 50 عاماً 50 ليرة مقطوعة إلى الحال الذي وصلنا إليه موضحاً أن متوسط زيادة الرواتب والأجور الذي وصلنا إليه لم تتعد 1000 مرة، على حين أن متوسط ارتفاع الأسعار خلال الـ50 عاماً يزيد على 25 ألف مرة، حيث كان راتب الخريج الجامعي قبل 47 عاماً 375 ليرة وكان هذا المبلغ يكفي لشراء 3.125 آلاف ليتر مازوت وشراء أكثر من 90 كيلو لحمة وغيرها من الحاجات، مبيناً أن هناك ضياعاً بالقدرة الشرائية بالرواتب والأجور وصلت إلى 96 بالمئة عما قبل الحرب 2011.
وتابع عربش خلال حلقة نقاشية في جمعية العلوم الاقتصادية: اليوم، تقول التقديرات المتفائلة، أن 75% من الأسر السورية بحاجة لدعم، موضحاً: إذا أردنا أن نحقق عدالة توزيع دخل فهذا ليس الأسلوب، ولابد من الانتقال لسياسة الحماية الاجتماعية، عبر إنشاء صناديق حكومية للأسر، وإعداد سجل يضم المستفيدين اسمياً على أساس الرقم الوطني، وتزويدهم ببطاقات الكترونية لشراء السلع، بالإضافة لوضع خطة شاملة للنهوض الاقتصادي، وأن يكون الدعم الإنتاجي موجها للمنتج النهائي، وليس للمدخلات، وهذا كله في حال كنا قادرين على إجراء المسوح اللازمة – وهو أمر مستبعد – ففي 2008 أجري مسح من وزارة الشؤون، وكان كل المحتاجين من أقارب كبار الموظفين في الوزارة!!
ورأى عربش، أن رأسمالية الدولة مسار فاشل، والحل يتطلب خروج الحكومة من العملية الإنتاجية، واقتصارها على القطاعات الحيوية، وإعادة النظر بالتشريعات لخلق المنافسة، فالتعديلات على القوانين اليوم متسارعة ما يعني أننا بضعف تشريعي، كما يجب مساعدة المواطنين لإطلاق مشاريع صغيرة بقروض بلا فوائد للإنتاج “بلا منية الدعم”، فالآليات البيروقراطية لن تقود البلد للخروج من أزمتها.