مصادر طبية تؤكد: وجود حالات لمصابين بإسهالات وأعراض معوية أخرى لكن لا يمكن الجزم باعتبار مياه الشرب هي السبب الرئيسي لوجود إصابات معوية
منذ أكثر من عشرة أيام، لاحظ سكان مدينة حلب تغيراً ملحوظاً في طعم مياه الشرب، حيث أفاد الكثيرون عبر منصات التواصل الاجتماعي بوجود رائحة غير مستحبة وطعم عفن في مياه الصنابير بعدة مناطق. وتزايدت مناشدات الأهالي لمؤسسة المياه عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" لمعرفة سبب هذا التغير، فيما استمر ذلك لأيام، دون صدور أي توضيح رسمي لأسباب ذلك، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الأقاويل حول الموضوع.
مؤسسة المياه تنفي ولكن..
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الحلبيون توضيحاً رسمياً يبيّن سبب تغيّر طعم المياه، تعالت أصوات كثيرين عبر “فيسبوك” متحدّثين عن أعراض وإصابات معوية بدأت بالظهور، فيما طالب آخرون مؤسسة المياه بأخذ عينات لإجراء الفحوصات اللازمة.
ما دفع مياه حلب لإصدار “توضيح” عبر صفحتها الرسمية، الأربعاء، أكّدت فيه أنّ: “مياه الشرب التي يتم ضخّها مطابقة للمواصفات وهي معقّمة ومكلورة” وفقا لما نشره «تلفزيون الخبر».
وذكرت المؤسسة في منشورها “التوضيحي” أنه: “يتم أخذ عينات بشكل دوري من المحطات والخزّانات والشبكة، على كامل أحياء المدينة، للتأكد من مطابقتها للمواصفات”. لكنّ مؤسسة المياه لم تتطرق بمنشورها إلى توضيح سبب تغيّر طعم الماء، الأمر الذي صعّد الموقف، إذ لم يكتفِ الحلبيون بتأكيد المؤسسة على صلاحية المياه للشرب، وذلك بسبب استمرار وتفاقم وجود طعم “عفونة” في المياه، على حد تعبيرهم.
شائعات أم حقائق؟ … مصادر طبية تؤكد
ومع استمرار الظاهرة، تداول مواطنون منشورات عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، يشتكون فيها من استمرار “طعم العفونة” في المياه، في حين تبادل البعض تعليقات عن وجود مصابين بالكوليرا، مما جعل بعضهم يربط سبب الإصابات المعوية بتغيّر طعم الماء، في ظل عدم وجود تصريحات رسمية توضّح حقيقة ما يجري.
وذكرت مصادر طبية لتلفزيون الخبر ، معلومات عن وجود حالات لمصابين بإسهالات وأعراض معوية أخرى. وأكد أطباء متخصصون، فضّلوا عدم الكشف عن هوياتهم، أنه: ” لا يمكن الجزم باعتبار مياه الشرب هي السبب الرئيسي لوجود إصابات معوية”.
وأشار أطباء متخصصون إلى: “عدم وجود آلية علمية متاحة تحدد بدّقة طريقة انتقال العدوى، والتي غالباً ما تكون جرثومية أو فيروسية، إذ تنتقل العدوى عبر طرق كثيرة، كالخضار والمأكولات الجاهزة، وليس عبر المياه وحدها، مما يصعّب عملية تأكيد أو نفي مسألة اعتبار تغيّر طعم المياه سبباً مباشراً للإصابات المعوية”. فيما كشفت مصادر طبية أخرى لتلفزيون الخبر أنه: “كانت هناك حالات لمصابين بالكوليرا تم احتواءها والسيطرة على انتشارها عبر أخذ الإجراءات اللازمة ومنها، التنسيق مع مؤسسة مياه حلب لزيادة نسبة الكلور في الماء، ما يبرر وجود تغيّر طفيف في طعم الماء”.. فهل هذا هو السبب الوحيد؟
مؤسسة المياه تعترف بالمشكلة وتشرح
وكشف مدير عام مؤسسة المياه بحلب المهندس أحمد نور الناصر عبر تصريح رسمي لتلفزيون الخبر أن: “الطعم المتغيّر للمياه، والذي يشعر به المواطنون في عدد من أحياء المدينة، يعود سببه إلى المصدر الرئيسي من المياه الخامية في محطة الضخ البابيري، والتي تكون لها مواصفات متغيرة على مدار العام”.
وأرجع مدير مياه حلب سبب ذلك إلى التغيرات المناخية، إذ اعتبر “الناصر” أن: ” امتداد واستمرارية فصلي الصيف والربيع حتى تاريخه وارتفاع درجات الحرارة غير المعهود بهذه الفترة من السنة، إضافة لعدم حصول هطولات مطرية كالسابق” كلها عوامل مؤثرة على طعم المياه.
وأوضح “الناصر” في تصريحه أن: ” السبب المباشر لظهور طعم مختلف عن الطعم الطبيعي لمياه الشرب هو كل تلك العوامل المناخية، إلى جانب عدم وجود مياه متجددة، مما أثّر على مواصفة المياه الخامية”.
الظاهرة تحدث لأول مرة… فما الحل؟
ولفت مدير عام مؤسسة المياه أحمد نور الناصر إلى أن: “هذه الظاهرة تحدث لأول مرة”. وأكّد “الناصر” أن: “مؤسسة المياه بكافة كوادرها تعمل على هذا الموضوع، بالطرق المتوفرة، ومستمرة في اجراءاتها بشكل يومي لمعالجة هذه الظاهرة الطارئة”.
وفي سياق معالجة الظاهرة، أشار “الناصر” إلى: “وجود تحسّن ملحوظ، فهناك تحسّن للطعم في معظم الأحياء واختفاء للطعم في أحياء أخرى”، على حدّ قوله. هل المياه صالحة للشرب؟ نفت مصادر طبية خاصة في حديثها لتلفزيون الخبر، وجود أية حالات تسمم بالمياه في مشافي حلب، فيما أوضح مدير مياه حلب إلى أن: “مؤسسة المياه تقوم بقطف العينات وتحليلها يومياً من محطات التعقيم والخزانات الرئيسية ومن شبكة المدينة للتأكد من سلامة العينات”.
وأشار “الناصر” إلى أنه: “وردت لمؤسسة المياه عينات من الإخوة المواطنين بغية تحليلها والتأكد من سلامتها وأثبتت التحاليل أنها سليمة”.
وأكّد مدير عام مؤسسة مياه حلب، أن: “المياه التي يتم ضخها إلى أحياء المدينة سليمة ومعقّمة وليس لها أية آثار صحيّة ضارّة، ويتم التنسيق بهذا الخصوص بشكل دائم مع مديرية صحة حلب”.
للكيميائيين رأي آخر..
وذكر الكيميائي الاختصاصي في الكيمياء التطبيقية الصناعية عمار جليلاتي أنه: “قام بتحليل عينة من مياه الشرب فيزيائياً، وبتعريضها لنوع من الأشعة تبيّن وجود لون أخضر في المياه”. وأرجع “جليلاتي” هذا اللون إلى “احتمالية وجود زيادة في شوارد الحديد، نتيجة تعقيم المياه بالكلور”.
وأوضح جليلاتي أن: ” الكلور المستخدم لتعقيم المياه يتفاعل بمرور الزمن مع القساطل المعدنية الناقلة للمياه والتي تُصنّع من الفولاذ والحديد، الأمر الذي يسبب تآكل على المدى التراكمي، مما يمكن أن يؤثر على طعم المياه”.
وأشارجليلاتي إلى أن: “الطريقة الأمثل لتعقيم المياه هي بواسطة الأوزون، ومؤسسة المياه كانت تمتلك خط للتعقيم بالأوزون لكن تضررت تجهيزاته بفعل الحرب”.
وفي سياق متصل أوضح مدير مياه حلب أحمد نور الناصر أن: “معالجة المياه تتم عبر عدة مراحل، بدايةً من محطات المعالجة في الخفسة، عبر أحواض الترسيب والمرقدات والمصافي، ومن ثم تعاد المعالجة والتعقيم في محطات التعقيم في حلب قبل ضخّها إلى الخزانات الرئيسية”.