مع دخول سوريا مرحلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد، تبرز التحديات الاقتصادية كأكبر العقبات أمام إعادة بناء الدولة. من انهيار الليرة السورية إلى العقوبات الدولية، تواجه البلاد واقعًا اقتصاديًا معقدًا يتطلب رؤية واضحة وخطة مدروسة. في ظل هذه المتغيرات، تعمل الإدارة الجديدة على رسم ملامح المرحلة المقبلة، وسط توجهات تشير إلى الابتعاد عن النهج الاشتراكي وبناء اقتصاد أكثر انفتاحًا، وفق ما أكده قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع في تصريحات سابقة. لكن كيف يجب أن تكون هذه الخارطة الاقتصادية؟ وماذا يقول الخبراء عن المسار الأمثل لتحقيق التعافي؟
ونشر «اقتصاد الشرق» تقريراً قال فيه إن العقوبات المفروضة على البلاد أصبحت تشكل حاجزاً أمام تدفق الاستثمارات والمساعدات المطلوبة لإعادة إعمار البلاد والاقتصاد، بينما علّقت واشنطن بعض العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مؤقت ومحدود، كما اتفق الاتحاد الأوروبي على مسار لرفع العقوبات عن البلاد "بشكل تدريجي".
رأي الخبراء:
ودعا الخبير الاقتصادي "د.دريد درغام" مصرف سورية المركزي إلى التحرك على مستوى سعر الفائدة، واعتبر درغام أن البلاد أمام مشكلة على مستوى الورقة النقدية الواحدة، فأكبر فئة منها لا تكفي لشراء أصغر سلعة، الأمر الذي ظهر بوضوح في أول تقرير للتضخم يصدره مصرف سورية المركزي، إذ أشار إلى أن معدل التضخم بلغ 28.8% في نوفمبر الماضي على أساس سنوي، وهو أدنى من 146.9% المسجل في الفترة ذاتها من السنة السابقة، في حين بلغ التضخم العام 67.4% في الفترة بين ديسمبر 2023 وحتى نوفمبر 2024.
بدوره عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق د.علي كنعان أشار إلى أن المساعدات من الدول العربية والصديقة هي الحل العاجل لدعم الليرة، لافتاً إلى أن عودة المستثمرين السوريين من الخارج، وتحويلات المغتربين التي تقدر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، جميعها تعتبر عوامل قادرة على المساعدة في تحسين سعر الصرف.
بدوره نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد حلاق اعتبر أن مصرف سورية المركزي قادراً على القضاء على السوق السوداء للدولار، إذا توفرت لديه السيولة الكافية للتدخل في السوق المحلية، وتحديد سعر صرف عادل لليرة.
ماذا عن دور البورصة:
واعتبر شادي بيطار نائب رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية توجه الحكومة الجديدة نحو الخصخصة، أمراً ممهداً لطرح الكثير من الشركات للاكتتاب العام، كاشفاً أن سوق دمشق للأوراق المالية تتطلع لعودة التداول قريباً، معتبراً أن قرار إلغاء تعليق الحسابات المصرفية، سيساهم في تعزيز عمليات التداول في السوق.
وكشف بيطار عن التوجه نحو إضافة أدوات جديدة، من بينها إصدار صكوك إسلامية، وصناديق استثمارية ومنصات التمويل الجماعي، وإنشاء سوق ثانوية في البورصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، متوقعاً عودة المستثمرين إلى البلاد خاصة في مجالي الصناعة والنقل.
النفط:
وعن قطاع النفط فقد أشار أنس فيصل الحجي مستشار التحرير في منصة "الطاقة" المتخصصة إلى أن استعادة سيطرة الحكومة الجديدة على المناطق التي تضم حقول النفط، بالإضافة إلى تأهيل وتطوير الحقول الحالية، والسماح بدخول الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط، هو أول الخطوات لإعادة عجلة الإنتاج في القطاع.
واستدرك الحجي حديثه بالقول إن الشركات الأجنبية لن تدخل إلى القطاع من "دون وضع دستور جديد"، وهي عملية قالت الإدارة الجديدة إنها قد تستغرق سنوات، مستبعداً إحياء مشروع خط الغاز بين قطر وتركيا عبر سوريا وصولاً إلى أوروبا، موضحاً أن هناك شحاً في الغاز الذي يمكن تصديره عبر الخط، نظراً إلى تخصيص معظمه لمشاريع الغاز المسال، بالإضافة إلى أن تجربة الدول العربية في خطوط الأنابيب لم تنجح سابقاً.
دول الجوار وبالأخص تركيا:
وعن دور دول الجوار المساعد للاقتصاد السوري قال حافظ غانم نائب الرئيس السابق للبنك الدولي في تصريحه لـ « الشرق»، أن إعادة إحياء الاقتصاد السوري من شأنه أن يؤثر إيجاباً على العديد من دول الجوار، ولكن تركيا التي باتت لاعباً مهماً في البلاد، ستستفيد على مستويين رئيسيين، أولهما عودة اللاجئين من تركيا، والتي ستستفيد من خلال "المساهمة في إعادة إعمار الاقتصاد المتداعي في سوريا"، ومن "تعزيز الصادرات" بفضل علاقاتها الجيدة مع الإدارة الجديدة.
وختم غانم حديثه بالقول إن دول الجوار ستلعب دوراً مهماً بإعادة الإعمار في سوريا، فور توفر الاستقرار الأمني والسياسي وبناء العقد الاجتماعي في البلاد، موضحاً أن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي قدرا الأضرار في ثماني مدن سورية بحوالي 10 مليارات دولار، معظمها في البنية التحتية التي تؤثر على الزراعة والصناعة والنقل.
يشار إلى أن حجم الدمار العام أعلى بكثير من هذا الرقم، إذ تكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف قد تصل إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو ما يفوق الناتج المحلي للبلاد حتى قبل اندلاع الحرب.